الثلاثاء, أكتوبر 1, 2024
Homeاخبار عامةمقتل أمير داعش في درعا.. تطورات غير مسبوقة وعلامات أزمة عميقة

مقتل أمير داعش في درعا.. تطورات غير مسبوقة وعلامات أزمة عميقة

قتل زعيم داعش أبو الحسن الهاشمي في منتصف أكتوبر الماضي في درعا بسوريا.
قتل زعيم داعش أبو الحسن الهاشمي في منتصف أكتوبر الماضي في درعا بسوريا.

فاجأ تنظيم داعش العالم بإعلانه في الـ30 من نوفمبر الماضي مقتل زعيمه أبو الحسن الهاشمي في معارك لم يحدد زمانها ومكانها. واكتفى المتحدث باسمه في تسجيل صوتي مقتضب بالقول إن الرجل قضى “وهو يراغم أعداء الله ويجالدهم”، دون ذكر تفاصيل إضافة.

وأعلن المتحدث أن التنظيم نصب قائدا جديدا له هو أبو الحسين الحسيني القرشي. وقد حمل خبر إعلان الوفاة في طياته تطورات غير مسبوقة بخصوص عمليات الإطاحة بأمراء تنظيم داعش.

نشرت وكالة أنباء الأناضول الحكومية في تركيا، الجمعة، شريطا مصورا قالت إنه للعملية التي قتل فيها زعيم تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ”أبو الحسن الهاشمي القرشي”، بالتزامن مع تداول وسائل إعلام سورية حكومية معلومات مفادها أن القرشي قضى بعملية لقوات النظام.

تسريب مسبق

لأول مرة يجري تسريب خبر مقتل أمير داعش قبل أن يعلن التنظيم ذلك في مؤسساته الإعلامية الرسمية أو يعلنه التحالف الدولي كما جرت العادة بذلك. فقبل يوم من نزول الكلمة الصوتية للمتحدث الرسمي أبو عمر المهاجر، تداول منشقون عن التنظيم خبر مقتل الهاشمي في قنوات خاصة بهم على تطبيق Tamtam الروسي أولا، ثم قام أنصار تنظيم القاعدة في الساعات اللاحقة بنقله وتداوله في مجموعاتهم على تيليغرام.

وتوقعت التسريبات أن تصدر مؤسسة الفرقان بيانا بشأن ذلك في وقت قريب. وبعد ساعات، نشرت “وكالة ناشر” التابعة لداعش تنويها بقرب صدور مادة مهمة من مؤسسة الفرقان. وهو ما حدث فعلا، حيث أعلن المتحدث باسم داعش رسميا مقتل زعيم التنظيم.

ومنذ فترة يتم تسريب مئات الوثائق الداخلية السرية لداعش، تسلط الضوء على الزوايا المعتمة في التنظيم. لكن تسريب مقتل “الخليفة” نفسه، يعد مؤشرا ملفتا إلى أن التسريبات وصلت إلى الدائرة القيادية الضيقة لداعش.

وفي كلمته الصوتية، سخر المهاجر مما أسماه عجز أجهزة الاستخبارات العالمية عن معرفة مصير زعيمه السابق، وبقاء خبر مقتله طي الكتمان لعدة أسابيع.

ويعتقد أن زعيم داعش قتل في منتصف شهر أكتوبر الماضي، أي قبل شهر ونصف من إعلان داعش الخبر.

لكن في الواقع حامت شكوك كثيرة منذئذ حول المكانة القيادية لقيادي داعش الذي قتل حينها، واسمه أبو عمر العراقي.

وأشارت تقارير صحفية إلى أن الولايات المتحدة كان على علم مسبق بهوية أبو عمر العراقي وأدواره القيادية في التنظيم، لذلك أكدت بشكل فوري وقاطع في بيان للقيادة المركزية، بمجرد إعلان داعش الخبر، أن زعيم التنظيم قتل في درعا في 17 من أكتوبر الماضي.

حياة طبيعية

عاش قادة داعش السابقون وضعا أمنيا صعبا للغاية بعد سقوط المدن التي سيطر عليها التنظيم في العراق وسوريا، خصوصا البغدادي الذي كان مظهره معروفا للجميع، وأيضا خلفه عبد الله قرداش الذي توفرت معطيات كافية حول هويته وأدواره. فكان تنقلهم بين المنازل الآمنة ضروريا للتملص من علميات الرصد والمراقبة.

واعترف عديل البغدادي في مقابلة تلفزيونية أن هذا الأخير كان دائم التنقل ويغير مخابئه باستمرار، وكان خائفا جدا من رصده بواسطة المسيرات أو الوشاية به وتتبع آثاره.

أما عبد الله قرداش فقد أمضى عدة أشهر في منزله الواقع في بلدة أطمة شمال سوريا دون أن يخرج منه، ولم يكن بوسع المسيرات الأميركية التي كانت تراقبه من الجو على مدار الساعة التقاط صور له إلا عندما كان يستحم في سطح منزله أو يطل من شرفته.

لكن الأمر اختلف تماما مع أبي الحسن الهاشمي، فلم يعرف أحد هويته الحقيقية وكل التكهنات بشأنها كانت خاطئة، وكان بإمكانه تبعا لذلك أن يعيش حياة شبه طبيعية في بيئة جعلت منها اتفاقات التهدئة بين النظام والمعارضة غير محسوبة على طرف بعينه.

وكان باستطاعته أن يتنقل في بلدة جاسم في محافظة درعا كما يحلو له، بل تزوج من فتاة تسمى ميسون الصلخدي وهي من إحدى العائلات المحلية المعروفة، واشترى مزرعة ومنزلا في البلدة، واستخدم لقب زوجته مضافا إلى اسمه: أبو عبد الرحمن الصلخدي.

وكان الصلخدي هذا شخصية معروفة في البلدة، ومعروفا بولائه لداعش لكن لم يكن أحد يظن أنه هو نفسه أبو الحسن الهاشمي زعيم داعش المطلوب دوليا.

رابة الخطة دفعت بعض أفرع التنظيم إلى التردد في تطبيقها وقرر بسببها بعض القادة الانشقاق. من بين هؤلاء “أبو حمزة القاضي” الشرعي السابق يسمى “ولاية سيناء” الذي سلم نفسه للسلطات المصرية.

التوسع الصامت لنشاط داعش في مدينة درعا والذي وصل حد تأسيس محكمة خاصة، واكبه التنظيم أيضا بعمليات اغتيال ممنهجة استهدفت وجهاء المدينة وقادة الثوار فيها للحيلولة دون صعود قيادات منافسة.

وكان الهدف من الفوضى الناتجة عن هذه العمليات هو التغطية على تحركات التنظيم ومضاعفة الإقبال على محاكمه الخاصة، خصوصا في مدينة ممزقة الولاء ومنقسمة سياسيا مثل درعا.

لكن, يبدو أن هذه العمليات أتت بنتائج غير متوقعة، إذ وحدت قوات النظام ومجموعات من الجيش السوري الحر  التي نفذت معا غارات على منازل يرتادها عناصر التنظيم، كان من بينها منزل “ابو عبد الرحمن الصلخدي” والذي فجر نفسه حتى لا يسقط أسيرا بيد المهاجمين.

تفاعل بارد

تلقى أنصار التنظيم خبر مقتل زعيمهم ببرود ظاهر. واختفت المرثيات التي طغت على نشاطهم الرقمي أسابيع عقب مقتل البغدادي وبدرجة أقل قرداش.

وكان تفاعلهم مع مقتل البغدادي لافتا، حيث لا يزالون يؤثثون فضاءاتهم الرقمية بصوره وتسجيلاته، عكس الهاشمي الذي لم يسمعوا صوته أو شاهدوا صورته.

ويتوقع أن يستمر زعماء التنظيم في سياسة التواري عن الإعلام، وإخفاء هوياتهم الحقيقية ليس فقط حفاظا على أمنهم الشخصي، بل أيضا لأن ذلك يحول دون النبش في سيرهم الذاتية من طرف المنشقين، كما حصل مع عبد الله قرداش الذي قام تيار البنعلي بنشر فتاوى عن “أهليته الناقصة” بسبب ساقه المبتورة على اعتبار أن سلامة البدن من شروط الإمارة في الإسلام! وكذلك قامت الولايات المتحدة بنشر وثائق عن تعاونه مع القوات الأميركية والوشاية برفاقه عندما كان معتقلا في العراق.

وامتنع التنظيم تبعا لهذه السياسة أيضا عن إصدار أي مادة تمجد “حجي بكر” رغم أنه من كبار قادته ومهندسي امتداده لأن الرجل كان ضابطا سابقا في جيش صدام حسين إلى ما قبل التدخل الأميركي في العراق.

وتقع هذه الجزئية في صلب واحدة من أزمات داعش الكبيرة وهي عجزه عن إنتاج قيادات أيقونية بعد البغدادي، القائد الذي يمكن أن يخرج بالصوت والصورة ويؤثر بحضوره الكاريزماتي على آلاف المناصرين.

ونشطت في العراق عقب التدخل الأميركي عشرات الجماعات والكتائب السلفية التي بقي زعماؤها مجهولين، بما فيها جماعات كانت أضخم من القاعدة مثل الجيش الاسلامي في العراق، لكنها اختفت وبقيت جماعة الزرقاوي لأنه الوحيد الذي قدم نفسه إعلاميا بالصوت والصورة وحول نفسه إلى قائد أيقوني أثر في آلاف من الأتباع.

ويبدو تنظيم داعش اليوم عاجزا عن إنتاج قائد كاريزماتي، بسبب استنفاذ مخزونه من القادة التاريخيين، ولأن الخروج بوجه مكشوف في الوضع الأمني الراهن يعتبر مغامرة غير محسوبة العواقب.

ينضاف إلى هذا كون الكثير من قادة التنظيم متورطون في تجاوزات خلال السنوات الماضية ويمتلك المنشقون عن التنظيم سجلا حافلا بالفضائح عن كل واحد منهم.

دورة حياة أقصر

استمر أبو عمر البغدادي في منصبه أربع سنوات قبل أن تتم تصفيته في غارة جوية أميركية، واستمر خلفه أبو بكر البغدادي الذي أعلن خلافة داعش تسع سنوات، بينما عاش عبد الله قرداش عامين وبضعة أشهر بعد تنصيبه أميرا على التنظيم. ولم يستطع أبو الحسن الهاشمي الصمود سوى لعدة أشهر.

يؤشر هذا المعطى إلى أن دورة حياة القادة الكبار في داعش باتت أقصر من أي وقت مضى. يرجع ذلك إلى أن المجتمع السوري والعراقي ينظر إلى خلايا التنظيم كأجسام غريبة نتيجة الثمن الذي دفعته المجتمعات المحلية في العراق وسوريا بعد سيطرة داعش عليها.

خلال حياته، تنقل أبو بكر البغدادي لتسع سنوات بين العراق وسوريا وتزوج من عائلات كثيرة، وحظي بحماية وبيعة عدد من شيوخ العشائر ووجهائها. لكن هذا لم يكن ممكنا لخلفه عبد الله قرداش الذي عاش في شقة في الطابق الثاني مقدما نفسه لجاره في الطابق الأول على أنه تاجر نزح من حلب، وكان يلبس سروال جينز ومعطفا شتويا بدون أكمام حتى لا يثير فضول جيرانه.

رابة الخطة دفعت بعض أفرع التنظيم إلى التردد في تطبيقها وقرر بسببها بعض القادة الانشقاق. من بين هؤلاء “أبو حمزة القاضي” الشرعي السابق يسمى “ولاية سيناء” الذي سلم نفسه للسلطات المصرية.

ولم يوضح تنظيم داعش ملابسات مقتل زعيمه الأخير ( أبو الحسن الهاشمي/ أبو عبد الرحمن الصلخي) في أكتوبر الماضي دفعا للحرج التي سيثيره مقتله في بلدة محسوبة على النظام السوري والفيلق الخامس الروسي، وهو الذي دأب على إصدار الفتاوى التي تحرم العيش في مناطق النظام والمعارضة ويعتبر ذلك نوعا من أنواع الكفر.

ولا يملك التنظيم في الواقع خيارات كثيرة لو أراد تأمين قياداته، فقد دفع ببعضهم إلى العمق التركي كما هو الحال مع حجي زيد (بشار خطاب غزال الصميدعي) الذي اعتقلته تركيا، وها هو الآن يعتمد على مناطق محسوبة على النظام السوري وروسيا.

ويعد ذلك أبلغ المؤشرات على عمق أزمته مع المجتمعات المحلية في العراق وسوريا والتي لم يعد يعول عليها في التغطية على نشاطاته وتأمين قياداته.

عبد الغني مزوز

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular