الثلاثاء, أكتوبر 1, 2024
Homeاخبار عامةهنري كيسنجر: كيف نتجنب حرباً عالمية أخرى

هنري كيسنجر: كيف نتجنب حرباً عالمية أخرى

[[article_title_text]]
هل يجد العالم نفسه اليوم عند نقطة تحول مماثلة في أوكرانيا حيث يفرض الشتاء توقفاً للعمليات العسكرية واسعة النطاق هناك؟
كتب وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر، مقالة في مجلة “ذا سبكتاتور” السكوتلندية تناول فيها الحرب الروسية الأوكرانية، مشيرة إلى ضرورة التوصل إلى تسوية سلمية تجنّب العالم حرباً عالمية ثالثة.
وأشار كيسنجر إلى نتائج الحرب العالمية الأولى التي كانت نوعاً من الانتحار الثقافي الذي دمر شهرة أوروبا. فقد سار زعماء أوروبا وهم نائمون – على حد تعبير المؤرخ كريستوفر كلارك – في صراع لم يكن أي منهم ليدخل فيه لو توقعوا نهاية الحرب في عام 1918.
وأوضح كيسنجر أن دول أوروبا، التي لم تكن على دراية كافية بكيفية تعزيز التكنولوجيا لقواتها العسكرية، قامت بإلحاق دمار غير مسبوق ببعضها البعض. في آب / أغسطس 1916، بعد عامين من الحرب وملايين الضحايا، بدأ المقاتلون الرئيسيون في الغرب (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في استكشاف آفاق إنهاء المذبحة. في الشرق، كان لدى الخصمان النمساوي وروسيا مشاعر متشابهة. ونظراً لعدم وجود حل وسط يمكن تصوره يمكن أن يبرر التضحيات التي تم تكبدها بالفعل ولأن لا أحد يريد أن يعطي الآخر انطباعاً بضعفه، فقد تردد القادة المختلفون في بدء عملية سلام رسمية، ومن ثم سعوا إلى الوساطة الأميركية.
أضاف كيسنجر: كشفت الاستكشافات التي قام بها الكولونيل إدوارد هاوس، المبعوث الشخصي للرئيس الأميركي أنذاك وودرو ويلسون، أن السلام القائم على الوضع الراهن المعدل كان في متناول اليد. ومع ذلك، تأخر ويلسون، برغم استعداده وحرصه في النهاية على القيام بالوساطة، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني / نوفمبر 2016. بحلول ذلك الوقت، كان هجوم السوم البريطاني وهجوم فردان الألماني قد أضافا مليوني ضحية أخرى.
على حد تعبير فيليب زيليكو حول هذا الموضوع، أصبحت الدبلوماسية الطريق الأقل انتهاجاً. استمرت الحرب العظمى لمدة عامين آخرين وحصدت ملايين الضحايا الآخرين، وألحقت أضراراً لا رجعة فيها بالتوازن الراسخ في أوروبا. ألمانيا وروسيا مزقتهما الثورة، واختفت الدولة النمساوية-المجرية من الخريطة. كانت فرنسا قد نزفت بيضاء (استنفدت دماؤها)، وضحّت بريطانيا بنصيب كبير من جيلها الشاب وبقدراتها الاقتصادية كي تؤمن الانتصار. أثبتت معاهدة فرساي العقابية التي أنهت الحرب أنها أكثر هشاشة من البنية السابقة التي حلّت محلّها.
ويطرح كيسنجر سؤالاً: هل يجد العالم نفسه اليوم عند نقطة تحول مماثلة في أوكرانيا حيث يفرض الشتاء توقفاً للعمليات العسكرية واسعة النطاق هناك؟
وأجاب قائلاً: “لقد أعربت مراراً عن دعمي للجهود العسكرية التي يبذلها الحلفاء (الغربيون) لإحباط العدوان الروسي على أوكرانيا. لكن الوقت يقترب للبناء على التغييرات الاستراتيجية التي تم تحقيقها بالفعل ودمجها في هيكل جديد بهدف تحقيق السلام من خلال المفاوضات. أصبحت أوكرانيا دولة رئيسية في وسط أوروبا لأول مرة في التاريخ الحديث. بمساعدة حلفائها وبإلهام من رئيسها، فولوديمير زيلينسكي، أحرجت أوكرانيا القوات التقليدية الروسية التي كانت تتغلب على أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. والنظام الدولي – بما في ذلك الصين – يعارض تهديد روسيا أو استخدامها لأسلحتها النووية” على حد زعم كيسنجر.
وأضاف: أثارت هذه العملية نقاشاً حول القضايا الأصلية المتعلقة بعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو). فقد اكتسبت أوكرانيا واحدة من أكبر الجيوش البرية وأكثرها فاعلية في أوروبا، مجهزة من قبل أميركا وحلفائها. يجب أن تربط عملية السلام أوكرانيا بحلف شمال الأطلسي، بأي طريقة. لم يعد بديل الحياد ذا معنى، وخاصة بعد انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو. لهذا السبب، أوصيت في أيار / مايو الماضي بإقامة خط لوقف إطلاق النار على طول الحدود القائمة حيث بدأت الحرب في 24 شباط / فبراير. من ثم تتخلى روسيا تتخلص عن فتوحاتها منذ ذلك التاريخ، ولكن ليس عن الأراضي التي احتلتها منذ نحو عقد من الزمان، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. يمكن أن تكون تلك الأراضي موضوع مفاوضات بعد وقف إطلاق النار.
ورأى كيسنجر أنه إذا كان الخط الفاصل قبل الحرب بين أوكرانيا وروسيا لا يمكن تحقيقه عن طريق القتال أو عن طريق التفاوض، فيمكن تجربة اللجوء إلى مبدأ تقرير المصير. يمكن تطبيق الاستفتاءات، بإشراف دولي، المتعلقة بتقرير المصير على المناطق الخلافية بشكل خاص والتي تم تغيير السيطرة عليها مراراً على مر القرون.
وأوضح أن الهدف من عملية السلام سيكون ذا شقين: تأكيد حرية أوكرانيا وتشكيل هيكل دولي جديد، خاصة لأوروبا الوسطى والشرقية. في نهاية المطاف، يجب أن تجد روسيا مكاناً في مثل هذا الترتيب.
وأشار كيسنجر أن بعض المسؤولين في الغرب خلص إلى أن روسيا أصبحت عاجزة بسبب الحرب. لكنه يعترض على هذا الاستنتاج، ويقول إنه على الرغم من ميل روسيا إلى العنف، فقد قدمت مساهمات حاسمة في التوازن العالمي وتوازن القوى لأكثر من خمسة قرون (نصف ألف عام). وأكد أنه لا ينبغي التقليل من دور روسيا التاريخي، كما أن النكسات العسكرية الروسية لم تقضِ على نفوذها النووي العالمي، مما يمكنها من التهديد بالتصعيد في أوكرانيا. حتى لو تضاءلت القدرات الروسية، فإن تفكك روسيا أو تدمير قدرتها على انتهاج سياسة استراتيجية، يمكن أن يحوّل أراضيها التي تضم 11 منطقة زمنية إلى فراغ متنازع عليه. قد تقرر مجتمعاتها المتنافسة تسوية نزاعاتها بالعنف. قد تسعى دول أخرى إلى توسيع مطالبها (بالأراضي الروسية) بالقوة. كل هذه المخاطر سوف تتفاقم بسبب وجود الآلاف من الأسلحة النووية، التي تجعل روسيا واحدة من أكبر قوتين نوويتين في العالم.
وأضاف: في الوقت الذي يسعى فيه قادة العالم إلى إنهاء الحرب التي تتنافس فيها قوتان نوويتان على بلد مسلح تقليدياً، يجب عليهم كذلك التفكير في التأثير على هذا الصراع وعلى الإستراتيجية طويلة المدى للتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي. فالأسلحة ذاتية الحركة موجودة بالفعل، وهي قادرة على تحديد وتقييم واستهداف التهديدات المتصورة الخاصة بها، وبالتالي فهي في وضع يسمح لها ببدء حربها الخاصة. بمجرد العبور إلى هذا المجال وبمجرد أن تصبح التكنولوجيا العالية أسلحة قياسية، وتصبح أجهزة الكمبيوتر هي المنفذ الرئيسي للاستراتيجية، سيجد العالم نفسه في حالة ليس لديه بعد مفهوم ثابت لها. كيف يمكن للقادة ممارسة السيطرة عندما تحدد أجهزة الكمبيوتر التعليمات الاستراتيجية وبطريقة تحد من المدخلات البشرية وتهددها؟ كيف يمكن الحفاظ على الحضارة وسط هذا العاصفة من المعلومات المتضاربة والتصورات والقدرات التدميرية؟
خلص كيسنجر إلى أنه لا توجد نظرية لهذا العالم الزاحف حتى الآن، والجهود البحثية حول هذا الموضوع لم تتطور بعد ربما لأن المفاوضات الهادفة قد تكشف عن اكتشافات جديدة، وهذا الكشف بحد ذاته يشكل خطراً على المستقبل. ورأى أن التغلب على الانفصال بين التكنولوجيا المتقدمة ومفهوم استراتيجيات السيطرة عليها، أو حتى فهم تداعياتها الكاملة، هو قضية مهمة اليوم مثل تغيّر المناخ، ويتطلب قادة يتمتعون بإلمام بكل من التكنولوجيا والتاريخ.
وختم بالقول إن السعي من أجل السلام والنظام مكوّن من عنصرين يتم التعامل معهما أحياناً على أنهما متناقضان وهما: السعي وراء عناصر الأمن وضرورة القيام بأعمال المصالحة. وإذا لم نتمكن من تحقيق كليهما، فلن نتمكن من الوصول إلى أي منهما. قد يبدو طريق الدبلوماسية معقداً ومحبطاً للآمال. لكن التقدم نحو ذلك يتطلب الرؤية والشجاعة للقيام بالمحاولة.
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular