يكتنف الغموض أسباب الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين عشية وضحاها،بين البحرين والعراق، إذ استدعت الخارجية البحرينية، الثلاثاء، القائم بالأعمال العراقي، مؤيد عمر عبد الرحمن، وأبلغته عن استيائها لـ”مخالفاته المتكررة للأعراف الدبلوماسية”، قبل أن تعلن الخارجية العراقية عودته لبغداد.
ولم يوضح الجانبان تفاصيل ما وقع من تصرفات أدت لرد الفعل البحريني، إلا أن ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي تداولوا فيديو يظهر فيه الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة وهو يستقبل التهاني من ممثلي البعثات الدبلوماسية بحلول شهر رمضان، الجمعة الماضية.
وكان الملك بصحبة ولي عهده الأمير سلمان بن حمد آل خليفة وكبار رجال الدولة قد استقبلوا ممثلي البعثات الدبلوماسية في قصر الصخير، حسبما ذكرت وكالة الأنباء البحرينية.
وفي حين اقتصر اللقاء على المصافحات والأحاديث الدبلوماسية حول متانة العلاقات الثنائية، يظهر القائم بالأعمال العراقي وهو يستوقف العاهل البحريني حمد آل خليفة، ويتحدث معه منفردا.
وتداول المعلقون أن هذا الموقف فيه خرق للبروتوكول، إذ لم يكن من اللائق أن يسعى القائم بالأعمال لتوجيه حديثه للملك مباشرة خلال لقاء روتيني، ودون وجود موعد لذلك.
ويظل هذا الموقف في إطار التكهنات، إذ لم يعلق البلدان على تفاصيل التصرفات “غير اللائقة”.
وأنهت الخارجية البحرينية الجدل الذي أعقب قضية سحب العراق للقائم بأعمال سفارتها في المنامة، كاشفة أن الخطوة العراقية ترتبط بـ”مخالفات وتجاوزات الدبلوماسي العراقي”، ولا تتعلق بترتيبات تجارية بمجال النقل بين البلدين.
وفيما باشر الجانبان اتصالات ثنائية لطي صفحة الموضوع، استبعد محللون تحدثوا لموقع “الحرة” إمكانية أن تكون لقضية سحب القائم بالأعمال أي تداعيات أو تأثيرات مباشرة على العلاقات بين البلدين، لافتين إلى أن خطوة الخارجية العراقية بسحب الدبلوماسي أنهت القضية بشكل فعلي.
وكشف المتحدث الرسمي باسم مركز الاتصال الوطني الحكومي في البحرين، محمد العباسي، أن استدعاء القائم بالأعمال في سفارة العراق إلى وزارة الخارجية وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية جاء “بناء على مخالفاته المتكررة للأعراف الدبلوماسية”، حسبما ذكرت وكالة أنباء البحرين الرسمية.
وثمن المسؤول البحريني قرار الخارجية العراقية بإعادة القائم بالأعمال العراقي لدى المنامة، مبديا “تقدير مملكة البحرين لهذه الخطوة”، خاصة بعد الاتصال الهاتفي الذي تلقاه عبد اللطيف بن راشد الزياني، وزير الخارجية من نظيره العراقي، فؤاد حسين.
وليست هذه المرة الأولى التي تقوم فيها البحرين باستدعاء دبلوماسيين في أو من العراق، وتكررت مثل هذه الخطوات الدبلوماسية طيلة العقد الماضي الذي عرف تأثر البلدين وعلاقاتهما الثنائية بالأحداث والتحولات السياسية التي عرفتها المنطقة.
“لا تأثيرات مرتقبة”
الدبلوماسي العراقي السابق، غازي الفيصل، رفض الحديث عن “أزمة في العلاقات بين البحرين والعراق”، مشيرا إلى أن التطورات الأخيرة لا ترقى حتى لوصفها بـ”الخلاف الدبلوماسي”، مبرزا أنه ينبغي “وضع المشكلة ضمن إطارها الشخصي، حيث ترتبط تحديدا بالشخص الذي كان قائما بأعمال سفارة بغداد في المنامة، بالتالي لن تكون للقضية أي تأثيرات على علاقات البلدين اللذين تجمعهما مصالح وتاريخ مشترك”.
ويوضح الفيصل في تصريح لموقع الحرة، أن الدبلوماسي القائم بالأعمال، قد يكون تصرف تصرفات لا تنسجم مع القانون الدبلوماسي الدولي والأعراف الدبلوماسية، سواء على المستوى الشخصي، أو على مستوى اتصالاته وعلاقاته التي عدتها المنامة تدخلا في الشؤون الداخلية”.
ويلفت المتحدث ذاته أن البحرين لم تعتبر أن الدبلوماسي “غير مرغوب فيهّ، بل قالت إنه “انتهك الأعراف الدبلوماسية”، بالتالي كان الأمر “تحذيرا وتنبيها من الخارجية البحرينية نحو أفعاله”.
ويوضح الدبلوماسي العراقي السابق أن خطوة الخارجية العراقية بسحب دبلوماسيها وإعادته إلى ديوان الوزارة في بغداد “تصرف لائق وينسجم واحترام العراق للتقاليد الدبلوماسية ويشكل أيضا “انتقادا لسلوك الدبلوماسي وعدم مساهمته في تطوير العلاقات التاريخية بين البلدين”.
“القضية انتهت”
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي البحريني، إبراهيم النهام، أن العلاقات البحرينية والعراقية “أكبر وأسمى من مجرد تجاوزات قام بها دبلوماسي محسوب على الخارجية العراقية”، مشيرا إلى أن البحرين “دولة مؤسسات وقانون وتحرص منذ بداياتها الأولى على الحفاظ على علاقات طيبة مع دول المنطقة والإقليم والعالم”.
ويبرز المحلل البحريني في تصريح لموقع “الحرة”، أن السياسة الخارجية للبحرين “رصينة ومتزنة وتقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى”، بالتالي شكلت تصرفات الدبلوماسي العراقي “انتهاكا للأعراف الدبلوماسية الدولية، حيث إن التدخل في الشؤون الداخلية للدول أمر مرفوض”.
ويصف المتحدث تعاطي المنامة مع الموقف بـ”الحكيم”، حيث قامت بحلحلة الأمر عبر القنوات الرسمية، من خلال استدعاء الشخص المعني من طرف وزير الخارجية البحريني وتبليغه احتجاج البحرين بهذا الشأن”، وبالمقابل كان تفاعل الجانب العراقي “طيبا ويعكس اهتمام بغداد بالحفاظ على علاقاتها مع البحرين، عبر سحب السفير وتبادل الاتصالات”.
وبعد إعلان البحرين استنكارها لما وصفته بـ “التصرف غير المقبول” للدبلوماسي العراقي الذي “يتنافى مع البروتوكولات الدبلوماسية في المملكة ويتعارض مع مهامه الدبلوماسية باعتباره تدخلا مرفوضا في الشؤون الداخلية للمملكة”، قررت العراق، إعادة القائم بالأعمال العراقي في البحرين إلى بغداد.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، إن “هذا الإجراء يأتي تعزيزا لمكانة الدبلوماسية العراقية التي تنتهجها الوزارة في الحفاظ على الأعراف الدبلوماسية”.
والأربعاء، أجرى وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، اتصالا هاتفيا بنظيره البحريني، أكد فيه “أن العراق يولي تعزيز العلاقات الثنائية مع مملكة البحرين أهمية كبيرة”.
وأكد الوزير العراقي خلال الاتصال، أن “العراق يعمل على الارتقاء بسبل التعاون بما يحقق مصالح كلا البلدين”.
أمام كل هذه التحركات، يستبعد المحلل السياسي البحريني، من جهته أن تكون هناك تداعيات مستقبلية للموضوع، لأن البلدين يسعيان لبناء علاقات قوية وصحية تساعد للعبور إلى المستقبل، مشيرا إلى أن “القضية انتهت فعليا”.