من بين الرسائل التي أراد أردوغان إيصالها إلى القوى الكوردية، والإقليمية، والدولية، والتي جميعها واضحة وأثريت بالتحليلات والآراء، ولم يلتفت إليه الإعلام الدولي ولا الحراك الكوردي، من خلال قصفه محيط مطار السليمانية في الوقت الذي كان فيه السيد )مظلوم عبدي( قائد قوات قسد، متواجدا هناك مع ثلاث ضباط أمريكيين، هي إلهاء أردوغان الكورد عن الجرائم التي جرت بحق أهلنا في مدينة جنديرس واعتداءات أدواته في عفرين، والتعتيم على الموجة التكفيرية التي تتم بحق أبناء المكون الكوردي الإيزيدي والمسيحيين في المنطقة، خاصة وأن الاحتجاجات السلمية المستمرة في المدن الأوروبية، وأمام السفارات والقنصليات، والتي لم تخمد كما كان يتوقعه، بل ظل الإعلام الكوردي يصعدها ويثيرها، وهي لا تزال تحتل الصدارة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي بدأت تأتي بثمارها، من حيث الضغوطات الدولية لقطع المساعدات عن المنظمات الإرهابية المنضوية تحت خيمة المعارضة السورية، وإعادة توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة التركية كراعية لتلك المنظمات التكفيرية الإرهابية، بل وبدأت المنظمات التكفيرية السورية تواجه بعضها بالاتهامات وقد تصعد إلى المواجهة المسلحة، خاصة وأن بوادر تخلي أردوغان عنهم باتفاق مع روسيا، أصبحت واضحة، مع التركيز على مسيرة التطبيع مع المجرم بشار الأسد.
يلاحظ أن العملية العسكري نجحت في كثيره وخاصة في هذه المهمة، كما وزاد من توسيع الخلاف الكوردي-الكوردي، قبل أن تنجح في إثارة الأمريكيين أو الإيرانيين، فقد تحول الإعلام، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، من التركيز على ما يجري في عفرين إلى ما تم في محيط مطار السليمانية.
والملفت للنظر أن مجموعة واسعة من الكتاب الكورد وإعلاميهم، توسعوا في تحليلاتهم وانتقاداتهم ضمن العامل الذاتي وبالكاد يبدون موقفا ضد الاعتداء التركي على الجغرافية الكوردستانية، بل وبعضهم يجد مبررا لهذه العملية وغيرها، تحت غطاء حجج مشابهة كالتي يوردها الجانب التركي، على أنه هناك تحريض داخلي يؤدي إلى قيام تركيا باعتداءاتها، أو ما تقدم عليه الدولة الأخرى المحتلة لكوردستان، تدخل ضمن سياق حماية أمنها الداخلي! وقد كان موقف رئيس حكومة إقليم كوردستان الفيدرالي السيد (نيجيرڤان برزاني) حكيما ووطنيا؛ عندما دعا الأطراف الكوردية المتخاصمة إلى التحلي بالحكمة والهدوء.
لا يستبعد على أن يكون للأمريكيين علما بالعملية من الجانب السياسي وليس العسكري، وموافقة من قبل الروس لعملية القصف، وفي هذه الحالة ستكون الرسالة موجهة فقط للحراك الكوردي المتحالف مع الإيرانيين، أي محور قنديل – السليمانية، مع غياب الجانب الإيراني، فمن غير المتوقع أن يكون هناك ضباط أمريكيين مع الوجود الإيراني. ولذلك لا تصريحات من الجانبين تدعو إلى التوقف عندها، كما وتبرئة تركيا ذاتها من العملية متفق عليه، وهي خباثة سياسية لتمررها أمريكا على أنها لم تأتي من أحد أعضاء الناتو لحالة تواجدت فيها ثلاث ضباط أمريكيين، فمثل هذه العملية يتوجب رد أمريكي ما، أي أن هناك خلط ما بين الإدارات الأمريكية العسكرية والأمنية والسياسية.
بين ما تم في إسرائيل، وموقف الشعب اليهودي والحكومة والمعارضة من القصف الصاروخي الذي أقدمت عليه أدوات إيران، بيد حماس، وموقف الحراك الكوردي، من القصف التركي لمطار السليمانية وغيرها من مناطق كوردستان، هوة لا يدركها إلا الواعون لقضيتهم، ولقادم أمتهم. ففي إسرائيل كان التكاتف وتناسي الخلافات، وتراجع حدة الإضرابات. أما بين الكورد فقد توسع الشرخ، وتفاقمت الخلافات، وكثرت الشكوك في الغايات وفي وطنية البعض.
لذا علينا ألا ننجر إلى ما يخططه أردوغان والأنظمة الأخرى المحتلة، لنا كحراك كوردي، وأن لا نتناسا قضايا الوطنية، ومن بينها قضية عفرين، وألا نسمح له بفرض القضايا التي تخدم مصالحه، ومنها توسيع الشرخ الكوردي-الكوردي، وديمومة الخلافات، ولنكن سياسيا، نختلف ونتحاور بشرط أن تظل القضية الكوردستانية هي الهدف والغاية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
8/4/2023م