لست عالم تاريخ او عالم آثار وبالتأكيد لست عالم لاهوت ، فأنا رجل علماني ، احترم جميع الأديان ، اليهودية
والمسيحية والاسلام وحتى ديانة زرادشت ، غير المعروفة للكثيرين والتي تقوم على أعمدة ثلاثة ، الأفكار الطيبة
والنوايا الطيبة والأفعال الطيبة وتعطي لكل انسان حق الاختيار بين الخير والشر . وقد كنت على الدوام اتردد في
الدخول الى حقل الغام المعتقدات الدينية في التوراة وغيرها ، لا لشيء سوى انني اعتقد بأن كتابة التاريخ استنادا
لمعتقدات دينية عملية شائكة وأن الانسب هو عدم اسقاط هذه المعتقدات على التاريخ والتعامل معها كمسلمات
دون مراعاة حرية الفكر والتفكير والاختيار دون إكراه .
ما يدفعني لمغادرة الدخول في حقل الألغام هذا هو ما يحدث في بلادنا في ضوء صعود الصهيونية الدينية في دولة
الاحتلال الاسرائيلي ووصولها الى سدة الحكم وإصرار قياداتها على إسقاط الأساطير على التاريخ وما يترتب على
ذلك من تحويل الصراع السياسي الى صراع ديني بل الى حرب دينية . فالصهيونية في بداياتها كانت حركة
علمانية ولكنها استعانت بالدين كأداة من أدوات النهوض بمشروعها الاستعماري ، خاصة بعد ان غاب مشروع
اوغندا الافريقية عن جدول أعمال مؤتمراتها بعد العام 1903 ، وهو المشروع الذي اقترحه في حينه وزير
المستعمرات البريطاني جوزيف تشامبرلين على ثيودور هيرتسل لتكون أوغندا وطنا قوميا لليهود .
من هذه المعتقدات الدينية قصة الخروج . فالأساطير في سفر الخروج تروي أن موسى خرج من مصر الفرعونية
على رأس عدد كبير من القبائل الاسرائيلية بلغ ستمائة الف رجل عدا عن النساء والاطفال . هذا يعني ان العدد
الاجمالي يتجاوز المليونين في أقل تقدير . وتربط تلك الأساطير بين ذلك الحدث وبين خروج بني اسرائيل من نير
العبودية الى رحاب الحرية وتشتق من ذلك عيدا البسته عباءة الدين يسمى عيد الفصح اليهودي .
مثل هذا العدد الكبير تاه في صحراء سيناء اربعين عاما الى ان حط رحاله على تخوم بلاد كنعان . هنا تجدر الاشارة
بأن العلماء المعنيين والباحثين في شؤون العيش في الصحراء يرون في ذلك العدد الكثير من المبالغة . وذهب
الكثير منهم الى ان قبيلة تتألف فقط من خمسة الاف عائلة تشكل اثناء السير خطا عرضه 20 كيلومترا وعمقه اكثر
من ثلاثة كيلومترات ويؤكدون بأنه كلما اتسعت جبهة المسير واقتربت من المليونين أو اكثر ، كلما اصبحت امكانية
العثور على المراعي والمياه مستحيلة ، فضلا عن ان فرص توفير الامن لذلك العدد تصبح منعدمة ، فواحات شبه
جزيرة سيناء يستحيل ان توفر لذلك العدد فرص عيش ، كما ان الاعتماد على المن والسلوى في توفير متطلبات
عيش في الصحراء ضرب من ضروب الخيال ، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن للمن موسم وللسلوى ، التي كانت
تعبر من افريقيا في طريها الى الشمال موسم كذلك . اما عبور هذا العدد قل ام كثر ، نهر الاردن بعد اربعين عاما
من التيه وإقامة معسكر له على ابواب اريحا فمسألة بعيدة عن الواقع ، وهي محض خيال كذلك .
قصة الخروج من مصر الفرعونية أمر مشكوك به ، وسوف نأتي على ذلك لاحقا بشهادات من علماء تاريخ وعلماء
آثار اسرائيليين معاصرين . أما قصة غزو يوشع بن نون لبلاد كنعان واحتلاله لمدينة اريحا بعد انهيار أسوارها
تحت ضغط أبواق جيشه ، فلها وجهان كل منهما يثير الاستهجان ويدعو للرثاء . فمدينة اريحا لم يكن لها وفق
علماء التاريخ وعلماء الآثار أسوار ، فقد كانت هي وغيرها من مدن كنعان في حينه محمية مصرية لا حاجة لها
بالأسوار . أما قصة احتلالها وما رافق ذلك من إبادة جماعية لسكانها لم تنج منه سوى الزانية راحاب فهي غير
مشرفة ، تماما كما هي قصة احتلال مدينة عاي الكنعانية ، حيث أباد جيش بن نون فيها الرجال والنساء والأطفال
وحتى الحيوانات . الإبادة الجماعية في اريحا وفي عاي ، أمر غير مشرف بل هو مخجل وقد تبرأ منه المؤرخ
الاسرائيلي في جامعة تل أبيب شلومو زاند في كتابه " اختراع الشعب اليهودي " ، حيث يقول " إن احتلال بلاد
كنعان وإبادة سكانها حسب سفر يوشع بن نون ، والتي ترتقي الى مرتبة أول مجزرة في تاريخ البشرية، لم تقع
أساساً وهي إحدى الأساطير التي دحضتها الأركيولوجيا كلياً "
وعودة الى سفر الخروج ، فإن الكثيرين من علماء التاريخ والأثار ، ينفون قصة الخروج من أساسها . سوف
نتجاوز هنا ما جاء في دراسات وأبحاث علماء تاريخ وآثار اوروبيين وأميركيين ونكتفي بما يقوله علماء
اسرائيليين معاصرين . هنا يجدر التنويه أن خلافا جوهريا يدور في إسرائيل على هذا الصعيد بين مدرستين :
الأولى تقرأ التوراة وتجري حفريات من أجل إثبات صحة أساطيرها ، والثانية تجري حفريات، وبعدها تعود إلى
التوراة لتنقض تلك الأساطير . البروفيسور زئيف هيرتسوغ من جامعة تل أبيب ومثله البروفيسور اسرائيل
فينكلشتاين من نفس الجامعة يؤكدان أن الحفريات الأثرية تنفي قصة الخروج من مصر بقيادة موسى. فهذه القصة، التي
يفترض أنها حدثت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ليست موجودة على الاطلاق في المخطوطات المصرية القديمة، وفي
مقدمتها مخطوطات تل العمارنة المصرية، كما يؤكدان أن حركة كالتي تصفها التوراة، تجمع حشد كبير وخروجه من مصر
وعبوره البحر الأحمر إلى سيناء، لو حدثت لما تجاهلتها المخطوطات التي تم تدوينها آنذاك ، فليس في تاريخ مصر
الفرعونية ما يشير الى مجرد وجود لبني إسرائيل القدماء في مصر الفرعونية ، فلا وجود لأي رمز، ولا أي كلمة، لا في
المخطوطات ولا على جدران المعابد ولا في الكتابات على القبور ولا على ورق البردى شيء من هذا كعدو محتمل لمصر، أو
كصديق أو كشعب مستعبد. ولا يوجد في مصر أية موجودات بالإمكان ربطها مع مجموعة إتنية أجنبية ومختلفة سكنت في
أرض جاسان أو الدلتا الشرقية في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، كالتي تظهر في القصة التوراتية حول بني إسرائيل .
هل يعني ذلك مسا بالديانة والمعتقدات اليهودية . بالقطع لا ، فهذه الديانة موجودة , وهي ديانة لم تكن بلاد كنعان أو فلسطين
موطنها الأصلي أو نقطة انطلاقها وانتشارها . وعلى كل حال فإن الديانات كما نعرف عابرة للحدود وليس من الحكمة توطينها
، وهي لم تكن في البداية ديانة توحيدية ، فالتوراة وأسفارها كما يؤكد العلماء كتبت بعد مئات السنين من موسى وبن نون .
حتى التلمود لم تكن بلاد كنعان موطنه الأصلي ، صحيح أن هناك تلمود فلسطين او تلمود اورشليم ، وهو في غاية التواضع
لأن التلمود الجامع الشامل المانع كتب في بابل في بلاد ما بين النهرين ، ما يعني ان توطين الديانات مسألة عقيمة وعديمة
الجدوى . فضلا عن ذلك فإن " يهوه " لم يكن الإله الوحيد للقبائل الاسرائيلية ، فقد عبدت تلك القبائل التي استوطنت أرض
كنعان وسط بحر من الشعوب الكنعانية ، آلهة بلاد كنعان . يهوه كان اقرب الى اله الكنعانيين إيل ، إله صارم شديد العقاب
سريع الغضب ، خلافا للإله بعل إله الكنعانيين كذلك ، إله الخصب والمطر ، الذي كانت له قيامته في مثل هذه الأيام حيث
تتجدد الحياة وما يصاحبها من طقوس احتفالية ، وكانت له مكانته كذلك عند تلك القبائل لمئات السنين . غير ان الاعتراف
بوجود الديانة وطقوسها لا يعني التسليم بها كمرجعية تاريخية او مرجعية للتاريخ ، وهو ما حاولت الصهيونية بشكل عام
وتحاول الصهيونية الدينية هذه الأيام بشكل خاص فرضه كأمر غير قابل للفحص . إسقاط الدين بأساطيره على الحياة العامة
والتاريخ ، كما يجري في دولة الاحتلال الاسرائيلي هذه الأيام تحديدا له تداعيات خطيرة ، فهو يفتح أبواب جهنم وما اكثرها .
وخيرا يفعل ابناء الطائفة السامرية في هذه البلاد وهم يحتفلون بعيد فصحهم ويقدمون قرابينهم على جبل جرزيم ويغلقون
بذلك أحد أبواب جهنم
تحية طيبة
لكنك لم تقل أنهم من إثناعشر ولداً فقط ولخمسة أجيال فقط فكيف كانوا يتكاثرون وفرعون متربص بهم يقتل ذكور المواليد ؟
ثم أن المصيبة هي في عبور البحر بتأييد من القرآن, وهم قد هربوا من فيثوم المدينة التي كان يبنيها رعمسيس الثاني بالسخرة كقاعدة عسكرية , موقعها الحالي هو عند مدينة الإسماعيلية غرب شمال قناة السويس التي حفرت في القرن التاسع عشر فأي بحر عبروا وهم متجهون نحو فلسطين ؟