بغداد- على مدى 20 عامًا بعد الغزو الأميركي للعراق، كانت القصور والعقارات والممتلكات التابعة لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وجميع قيادات وأركان حزب البعث لقمة سائغة للكثير من الأحزاب والشخصيات التي تولّت زمام الحكم بعد 2003، وذلك في إطار تنفيذ إجراءات الاجتثاث التي صدرت عقب الغزو، وفق العديد من المراقبين.
وكانت الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة قد أصدرت في مارس/آذار 2018 قرارا تضمّن مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لصدام حسين وأولاده وأحفاده وأقاربه حتى الدرجة الثانية، كما شمل القرار الآلاف من مسؤولي النظام السابق، بينهم 52 قياديا، أبرزهم سكرتير صدام الشخصي عبد حمود، وابن عم الرئيس علي حسن المجيد، ونائبه طه ياسين رمضان، ووزير خارجيته طارق عزيز.
كما تضمّن القرار حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة لـ4257 من المحافظين وأعضاء حزب البعث، ممن هم بدرجة “عضو فرع” في الحزب ومن هم أعلى رتبة، ومن كان يشغل رتبة عميد فما فوق في الأجهزة الأمنية للأمن الخاص والمخابرات والأمن العسكري والأمن العام وفدائيي صدام.
ما القرار الجديد؟
ومؤخرا، صوّت مجلس الوزراء العراقي على قرار إلغاء لجنة الحجز على أملاك وأموال أركان ومسؤولي النظام السابق من المنتمين لحزب البعث، وتوصية الحكومة لمجلس النواب بسحب مشروع قانون التعديل الأول لقانون رقم 72 لعام 2017، القاضي بحجز ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للنظام السابق.
كما تضمّن القرار الأخير إمكانية المتضرر رفع دعاوى قضائية بشأن قرار الحجز أو المصادرة أمام المحاكم المختصة، في حين أن القانون رقم 72 لعام 2017 كان قد أشار -في إحدى مواده- إلى أنه إذا كان هذا الحجز قد وقع على شخص لديه منزل بصورة مشروعة، فيمكنه الاعتراض أمام لجنة تحدث عنها القانون.
واستفاد من القانون رقم 72 العشرات من الذين تمّت مصادرة أملاكهم وعقاراتهم بعد عام 2003، من خلال رفع الحجز عن ممتلكاتهم، وهم ممن كانوا برتبة عقيد فما دون، ومن بين هؤلاء “م. ف” الذي يقول -في حديث خاص للجزيرة نت- إنه استطاع عام 2019 رفع قرار الحجز عن قطعة أرض كان يمتلكها في محافظة ديالى (شرقا) عبر اللجنة التي تحدث عنها القانون، حيث كان ضابطا برتبة مقدم ركن في إحدى الأجهزة الأمنية التابعة لرئاسة الجمهورية قبل الغزو.
من جانبه، يُشير الخبير القانوني علي التميمي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن القرار الصادر من مجلس الوزراء ألغى اللجنة التي نص عليها قانون عام 2017، والتي كانت تضم ممثلين لوزارتي العدل والمالية، وهو ما يعني أن المتضرر بات بإمكانه اللجوء إلى القضاء بدل الاستعانة باللجنة التي تمّ إلغاؤها وفق قرار مجلس الوزراء الأخير.
صفقة سياسية أم تجارية؟
وعلى إثر ذلك، تباينت آراء المراقبين حول خفايا وأسباب توقيت صدور قرار مجلس الوزراء الأخير، بين من يقرّ بأنه جاء ضمن مخرجات الصفقات السياسية التي أدت لتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، ولا سيما أنه أتى عقب قرار مماثل تضمّن منح منتسبي جهاز فدائيي صدام السابق حقوقهم، عبر شمولهم بالرواتب التقاعدية ومستحقات الشهداء، وذلك بعد مرور نحو 20 عامًا على اجتثاثهم.
ويذهب في هذا المنحى عضو لجنة النزاهة بالبرلمان العراقي النائب هادي السلامي، ليؤكد أن مثل هذه القرارات لا تصدر إلا ضمن صفقات سياسية، من ضمنها صفقة تشكيل الحكومة الحالية، حيث تم الإعداد لهذه الصفقة مُسبقا على أساس توافقات سياسية بين الأحزاب، وفق تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول السلامي إن مديريات التسجيل العقاري في العراق شهدت عمليات فساد كبيرة خلال السنوات السابقة، جرى خلالها الاستيلاء على عشرات الأملاك والعقارات والأراضي، سواء كانت تابعة لأعضاء حزب البعث أو المواطنين العاديين، وفق قوله.
في مقابل ذلك، هناك مَن يُرجّح أن القرار الأخير يمثل صفقة تجارية لأجل شراء تلك العقارات والأملاك بعد رفع الحجز عنها بأسعار زهيدة، ولا سيما أن أغلب مالكيها باتوا إما في عداد الأموات أو أنهم خارج العراق ولا يستطيعون العودة لبلادهم.
ما أبرز طرق التزوير؟
في السياق، يكشف محامٍ تولى لنحو 8 أعوام قضايا تتعلق باسترداد عقارات وأملاك، منها ما كان تابعا لقياديين وأعضاء في حزب البعث، أن أغلبها كانت تابعة للدولة، في حين استولت عليها قوى سياسية وشخصيات متنفذة بعد عام 2003.
ويستشهد المحامي الذي فضّل عدم ذكر اسمه -في حديثه للجزيرة نت- بمثالٍ على ذلك، وهو منزل عزت إبراهيم الدوري نائب صدام حسين في حيّ الطيران ومنزل وطبان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام بمنطقة الغابات اللذين يقعان في محافظة نينوى (شمالا)، حيث لا يزال يستولي عليهما أحد الفصائل المسلحة.
ويكشف عن أبرز طريقتين نقلت من خلالهما ملكية عقارات البعثيين لأشخاص آخرين، حيث تتمثل الأولى بنقل الملكية غيابيا حينما يكون صاحب العقار مجهول محل الإقامة، إذ يتم تبليغه رسميا عبر نشر دعوة نقل الملكية مرتين في صحيفتين رسميتين، مع الانتظار مدة 10 أيام، وبعدها تقام دعوة تمليك بقرار غيابي، حيث يمرر القرار إلى دائرة التسجيل العقاري ليُسجل العقار باسم المشتري الجديد، وفق قوله.
أما الطريقة الثانية، فتكون من خلال الحجز باستخدام القوة، ولا سيما تلك العقارات التي عليها أحكام بمصادرة الأموال المنقولة، أما الأموال غير المنقولة فقد تمّ تقاسمها بين أحزاب وشخصيات مُتنفذة، وفق المحامي الذي أدلى بشهادته للجزيرة نت.
ويختتم المحامي مؤكدا أن العاصمة العراقية بغداد تأتي في مقدمة المحافظات التي تضم أملاكا وعقارات للبعثيين مُصادرة، بما يشمله ذلك من قصور وفلل تقع في المناطق الراقية بأحياء المنصور والجادرية وزيونة والكرادة وشارع فلسطين، تليها محافظات نينوى (شمالا) وذي قار (جنوبا) وصلاح الدين (شمال بغداد).
ما الخطوات اللازمة؟
من جانبه، يُشدد الخبير الاقتصادي قصي صفوان على ضرورة تفويض ديوان الرقابة المالية -أعلى هيئة رقابة مالية تتولى مراقبة المال العام وحمايته- لأجل متابعة عملية وضع اليد على مثل هذه العقارات والممتلكات، والإشراف على آليات إعادتها لأصحابها الأصليين.
كما يرى قصي ضرورة التكفل بالإشراف على نقل ملكية هذه العقارات أو بيعها، من أجل منع استغلال وابتزاز أصحابها من قبل جهات متنفذة قد تعمل على الضغط عليهم لأجل التخلي عنها بأقل من أسعارها الحقيقية أو التقديرية، مقترحا أن تقوم الدولة بشرائها مع عدم السماح لجهات أخرى بذلك، بغية منع جميع عمليات الابتزاز والاستغلال، وفق تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، يُقدر الخبير الاقتصادي عدد أملاك وعقارات الرئيس الراحل صدام حسين فقط بنحو 600 قصر وعقار، تبلغ قيمتها الحقيقية مليارات الدولارات، فضلا عن آلاف العقارات الأخرى لمسؤولي النظام السابق وقيادات حزب البعث في مختلف المحافظات العراقية.