عند مراجعة ماضينا والتمعن في سماتنا وقدراتنا، نلاحظ أننا نحن الشعب الكوردي نملك أغرب السمات في التكوين البشري، تظهر وكأنها مورثات ذات طفرة مختلفة عن غيرنا من الشعوب، صفات عجيبة لا يدركها حتى علماء النفس والوراثة. بعضها على تناقض رهيب كتداخل الدراية مع البلاهة، والعبقرية مع الجهالة، والتي لا تجتمع بعضها في شخصية واحدة إلا عندنا نحن الكورد.
فبالتمعن لشخصيتنا أن كانت على مستوى الأفراد، أو المنظمات والتي تقاد من قبل شريحة، نلاحظ أننا جهلاء ضمن بيئتنا الكوردية، وعباقرة في البيئة الخارجية، كما وأننا نبدع في خلق الحجج المنطقية من العدم، عندما يتعلق الأمر بتبرير الطعن في الكوردي الأخر، إلى درجة نتمكن فيها من جعل حتى الأعداء يصدقون ما نقوله عن بعضنا، من تشويه السمعة، إلى التهم، إلى التخوين وهلمجرا، ترافقها البلاهة في معرفة ما قد سينجم عن أفعالنا تلك.
عباقرة في نشر الأفكار الساذجة والمفاهيم الطوباوية، وجهلاء في معرفة ما ستؤول إليه ثقافتنا على متن المعروض الضحل بين المجتمع.
عباقرة في تمييع ما أستخدمه الأعداء من الأساليب والأفكار لبلوغ أهدافهم، وجهلاء في كيفية الاستفادة من سياستهم الخبيثة التي أوصلتهم إلى ما هم عليه من السيادة على جغرافيتنا.
جهلاء في إقناع الدول الكبرى والإقليمية ومن بيهم الأعداء بعدالة قضيتنا، أو تغيير منهجيتهم تجاه أمتنا، وهي لا تختلف عن جهالتنا في عدم القدرة على تعلم السياسة، وإيجاد بيئة للتفاهم وتذويب الخلافات الداخلية، على الأقل إلى أن ينتهي صراعنا مع الأعداء، وهذا ما أدى إلى استمرارية النظرة الدونية لمعظم دول العالم تجاه قضيتنا وامكانياتنا كشعب، في الوقت الذي نبدي العبقرية في إقناع مجتمعنا على أن القوى الكوردية الأخرى تعادي القضية، وتعمل للقضاء على قادم الأمة.
عباقرة في إقناع الذات على أن الكوردي الآخر هو العدو الأخطر، وعرض الأسباب المؤدية إلى الإيمان بهذه وبحجج تكاد تكون دامغة، وجهلاء في معرفة العدو الحقيقي والذي يبدع في ديمومة الاحتلال.
مبدعون نحن في عرض التحليلات والتدوير والاتهامات، والعمل بدقة في شرخ المجتمع وخلق مجموعات من المريدين وجبهة مؤيدة لما نستند عليه من أراء، ومن الغرابة إننا نحن الكورد ننجح في عمليات الفصل وخلق الخلافات، وتشكيل جبهات متضاربة، وتنقصنا الحنكة والوعي في مسيرات التآلف والخروج بنتائج سليمة من الحوارات.
معظم الذين يقودون الأمة يملكون السمتين بأوضح صورها، ومن يقول أنهما لا يلتقيان في الإنسان الكوردي فليدرس تاريخه وشخصيته وصفاته.
الجهالة جعلتنا لا نعرف كيف نوحد القوة الفكرية والمادية التي يمتلكها شعبنا، فسهلت للأعداء إسقاط القضية والتحكم بقدرنا، طوال القرون الماضية، وألقوهما في مستنقع التناسي. ونحن بدورنا نتناسى خباثة الأعداء ونلقي باللوم على البعض، في عدم قدرتنا على المواجهة، بل وفي الكوارث التي حلت بنا من قبل الأعداء.
فالطفرات الاستثنائية تبعدنا عن إدراك الحقائق، ودون التحرر منها وتنمية الدراية لا يمكن إنقاذ الأمة، ودون التكاتف على الأبعاد السياسية، والتعامل مع الخلافات الداخلية على أنها مركز قوة وليس ضعف، لا يمكن قهر المتربصين بنا.
فرغم المكتسبات التي حصل عليها الحراك الكوردي والكوردستاني داخليا وخارجيا والتي أوصلتها إلى المستويات الدولية، والنمو الواضح للوعي الثقافي-السياسي لشعبنا. نلاحظ أنه لا يزال دون مستوى المواجهة الإستراتيجية لأبسط مخططات الدول المحتلة لكوردستان، والقدرة على حمل القضية بثقلها، فأي حدث، كعملية مطار السليمانية، وجرائم المحتل التركي عن طريق أدواته في عفرين وجنديرس، والتغيير الديموغرافي لغرب كوردستان، وغيرها من المصائب، تبين مدى عجزه، وتعري ضحالة وعيه وقدراته، وتزيد من التشتت ضمن المجتمع الكوردي قبل حراكه.
فعوضا عن التلاحم، في مثل تلك الحالات، وعند مواجهة الأعداء، يتسع الشرخ، وتنقطع الحوارات وتصعب التفاهمات، وتتفاقم الإشكاليات في البعد السياسي، وتتوضح كيف أن المصالح الحزبية أو الشخصية تعوم فوق الخلافات الفكرية والسياسية، وكل ذلك يؤدي إلى سهولة تحكم الأعداء بنا وبعلاقاتنا الدولية.
فعدم قدرة الحراك حاليا على إقناع الدول الكبرى للبحث في قضيتنا بالشكل المناسب، وديمومة عدم القدرة على تأجيل أو تخفيف الخلافات الداخلية وتناقض المواقف، هي من ترسبات القرن الماضي حيث ظروف التبعية وسهولة الرضوخ لسيادة الأعداء، وفي المراحل التي تم فيها تدمير إمكانيات قادة أمتنا، من رؤساء القبائل إلى قادة الثورات طوال القرون السابقة، والتي تفاقمت عند إدراكهم للقضية من البعد القومي، والإحساس بالذات كأمة مختلفة عن القوى والإمبراطوريات التي تحتل جغرافيتنا.
فالمعاناة من الإشكاليات وعدم القدرة على حمل القضية، مترسخة منذ قرون، تحسنها مقارنة بالقوى المحتلة لكوردستان، لا تتجاوز الشكليات رغم ملائمة الظروف، لذلك لا يصح معاتبة مجموعة دون أخر، فكل الأطراف الحزبية والثقافية تتحمل ما يعانيه شعبنا ومسؤولون عن غياب كوردستان، وتقسيمها، قبل العامل الموضوعي.
علينا أن ندرس سماتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية بموضوعية، لنتمكن من وضع الحلول المناسبة، فبدون التخلص منها؛ والتحرر من الأوبئة التي غرزتها الظروف والثقافات الشاذة في ثقافتنا، لا يمكن مواجهة المتربصين بنا، واستخدام إمكانياتنا الخام الهائلة التي نملكها.
دونها سنظل أمة محتلة بجغرافية مقسمة بين الدول، وشعب موالي لأنظمة شريرة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
17/4/2023م