هذا السؤال تم تداوله مؤخرا بأشكال مختلفة، من قبل العديد من الخبراء الاقتصاديين ورجال الاعلام المتخصصين، توافقا مع استمرار الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، وتحقيق روسيا نجاحات عسكرية وان بوتائر متباطئة، رغم كل المساعدات اللوجستية التي تقدم لأوكرانيا من قبل واشنطن وحلف الناتو وعموم دول الاتحاد الأوربي.
منذ بداية الغزو الروسي، فرض الاتحاد الأوروبي ما مجموعه تسع حزم من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا. وقد وصفت بأنها عقوبات غير مسبوقة، وصدر العديد من التوقعات بانها ستقود الى انهيار الاقتصاد الروسي.
فرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قالت في أواخر شباط الماضي أن العقوبات سيكون لها “أقصى تأثير على الاقتصاد الروسي”. فيما صرح وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير في آذار، أن العقوبات ستؤدي إلى الانهيار السريع للاقتصاد الروسي.
لكن البروفسور ياري إلورانتا، أستاذ التاريخ الاقتصادي بجامعة هلسنكي، رأى أخيرا في لقاء مع هيئة الإذاعة الفنلندية Yle، أن أهمية العقوبات لم تُفهم بشكل صحيح، وأنها جاءت مرتبطة بتوقعات مفرطة في التفاؤل، وهي لا تعمل بالطريقة التي يهدد بها السياسيين.
كانت التقديرات حسب تقييمات البنك الوطني الفنلندي، في بدء فرض العقوبات، ان الاقتصاد الروسي للعام 2022 سينكمش بنسبة تصل الى 15 في المائة، ولكن أحدث المعطيات بيّن ان الاقتصاد الروسي عانى انكماشا بنسبة 4 في المائة فقط، ومن المتوقع حدوث انخفاض مماثل هذا العام. وهكذا فلم يحدث الانهيار المتوقع، ليركع اقتصاد روسيا كما توقعوا في الغرب.
وتعتقد الخبيرة الاقتصادية الفنلندية هيلي سيمولا التي تتابع الاقتصاد الروسي، أن الانهيار المتوقع للاقتصاد الروسي لم يحدث لسببين أساسيين، حيث تمكنت روسيا من تجنب أزمة مالية واسعة النطاق، بعد فرض البنك المركزي الروسي قيودًا صارمة على السوق المالية، كما ان البلاد حصلت على عائدات تصدير قياسية بفضل ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري (الفحم، النفط والغاز الطبيعي)، الذي يعتبر أهم منتجات التصدير الروسية.
من جهته اشار أستاذ التاريخ الاقتصادي البروفسور ياري إلورانتا، الى انه فوجئ بقوة النظام المالي الروسي “الذي تبين انه يعمل بشكل أفضل مما كنا نظن، حتى أنني فوجئت بمدى سرعة الرد على الموقف”. ويعتقد الخبراء “أنك لا يمكنك إنهاء الحروب أو الإطاحة بالديكتاتوريات بمساعدة العقوبات” كما يؤكد إلورانتا، وتتفق معه الخبيرة هيلي سيمولا. لكن الاثنين يعتقدان أن العقوبات الاقتصادية مهمة، فوفقا لإلورانتا أضعفت العقوبات قدرة روسيا على إنتاج تكنولوجيا ومعدات عسكرية جديدة، وان هناك انخفاضا في إنتاج الآلات والمعدات على وجه الخصوص. وعلى سبيل المثال، انخفض إنتاج سيارات الركاب والحفارات بنحو 80 بالمائة مقارنة بالعام الماضي. كما شهدت تجارة التجزئة وصناعة الغابات انخفاضًا كبيرًا.
وتشير كبيرة الاقتصاديين هيلي سيمولا في أحاديثها لوسائل الاعلام الفنلندية الى أن العقوبات وسيلة مهمة للغاية لتقليص فرص روسيا في استمرار الحرب. وقد خفضت العقوبات دخل الدولة الروسية وجعلت من الصعب على الصناعة العسكرية الروسية مواصلة الإنتاج. وتؤكد سيمولا أن العقوبات تتطلب وقتًا ليتبين تأثيرها.
ويعود ياري الورانتا ليقول “أن آفاق الاقتصاد الروسي في السنوات الخمس الى العشر القادمة ستكون قاتمة حقا”، مدعيا ان روسيا أحرقت الجسور مع أهم شركائها التجاريين، فأوروبا كانت اكثر زبائنها روسيا قيمة، ولعقود من الزمن كانت الدعامة الأساسية للتجارة الخارجية لروسيا. فحوالي ثلثي غازها وأكثر من نصف نفطها كان يباع إلى أوروبا. كما أن هجرة العقول منها تسارعت بسبب الحرب وستتسبب في اضعاف ظروف التطور والنمو.
ووفقًا للتوقعات التي نشرها بنك فنلندا في تشرين الاول الماضي، فإن الروس سيواجهون تغيرات عديدة مؤلمة جزئيًا في مستوى المعيشة. ومن المتوقع أن تنخفض قريبا عائدات التصدير بشكل كبير، فالحظر الأوربي على استيراد النفط الخام الروسي وسقف أسعار النفط الروسي الذي حددته دول مجموعة السبع دخل حيز التنفيذ، وفي الفترة القادمة سيدخل الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على استيراد المنتجات النفطية الروسية حيز التنفيذ. فهل ستعثر روسيا على شركاء جدد لتعويض الفجوة التي خلفها الاتحاد الأوروبي؟ وهل حقا ستسد الأسواق الاسيوية الفجوة الاوربية؟
وفقا لمحللي مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف الفنلندية CREA، وهي منظمة غير حكومية، زادت الهند والصين وتركيا وماليزيا والإمارات العربية المتحدة ومصر مشترياتها من النفط الخام الروسي، بل ان عدة مصادر تشير الى محاولات روسيا لإيجاد مشترين جدد لنفطها عبر مختلف الخصومات والعقود والعملات الوطنية ومختلف الطرق. فهكذا ووفقا لفايننشال تايمز باعت روسيا نفطا إلى سريلانكا الغارقة في أزمة اقتصادية وتعاني من نقص في الوقود، في صفقات بين البلدين هي الأولى من نوعها منذ 2013.