صدر حديثاً عن دار” كنوز للنشر والتوزيع” القاهرة، كتاب “محطات من واقع الأيزيديين”، للكاتب والباحث “علي سيدو رشو” الذي انشغل منذ فترة بالكتابة والبحث في شؤون الأيزيديين ومظالمهم، بعد أن تكشفت له شبهات وأباطيل ومظلوميات جزافية أثارها كتاب وباحثون، اغرقوا ـ كما يقول ـ من عسفهم في قلب وتشويه حقائق الأيزيديين. إذ بادر إلى تصويب الصورة النمطية المتشكلة ذهنياً لدى القارئ بالعربية، وإثراء المكتبة العربية ـ من ثم ـ بما في جعبته من رؤى وأفكار وحقائق يراها صائبة عقلانية وموضوعية.
يقع الكتاب في 414 صفحة من القطع الكبير، ويعرّج عبر محطاته على محاور إشكالية جريئة وخلافية تتعلق بالأيزيديين، فيفشي بمصطلحات جديدة غير مسبوقة التداول ويفرّج عن وقائع وأحداث وأفكار عاش الكاتب تفاصيلها بذاته، أو تلقاها من مقرّبين عاصروها.
يرتب الأستاذ الجامعي علي سيدو رشو، موضوعات وجعه الإنساني الحضاري كخرزات سبحة لالشية مقدسة، مركزاً على العلاقة بين الأيزيدي والآخر المختلف. وهو إذ يخوض في الدين والتراث والعقيدة، والتاريخ والجغرافيا، والمجتمع والإنسان، تتصاعد في أعماقه أسئلة مصيرية كبرى من نوع “لماذا تخلف الأيزيديون”، وكأن للسان حاله ان يسائل: “لماذا يباد أصلاً الأيزيديون”. المساءلات تتفاقم وتتحول تداعياتها إلى وجع حضاري مزمن أو تتشكل، فتضيف خرزة قهرية جديدة إلى سبحة مغبونية الأيزيديين، بل تؤرخ للقهر الأيزيدي القديم/ الجديد المتمخض عن تواصله الإنساني بالآخر.
يسعى المؤلف، مرتكزاً على السؤال عن تخلف الأيزيديين وعلى معطيات أخرى مشابهة، أو أكثر إيلاماً وسلبية تلامس راهنهم عبر رحلة تحريه عن الحقيقة إلى تشخيص المظلومية الأيزيدية بصورة تلائم معاييره وأدواته البحثية وسويته الفكرية ـ الثقافية، بعد أن تنامت في أعماقه مناقشات مصيرية غدت محوراً مركزياً أو قل محطات كبرى، نازل مكرهاً بها واقع مجتمعه المرير، كيما يعلِّم على معاناة الأيزيديين، وتداعياتها الإبادية المتفاقمة، من استلاب وإلغاء وصهر، وإفراغ من خصوصية تميّزهم وإعدام حضاري.
يحدد المؤلف، إن بصورة مباشرة أو غير مباشرة المسؤولية عن تراجع مجتمع أيزيدييه ويعيدها، أيا كانت النسب، إلى عوامل ذاتية تتعلق بالأيزيديين أنفسهم وأخرى موضوعية تتعلق بالآخر المختلف أو المخالف.
يفهرس الرجل وكأنه اهتدى حقاً إلى اعتلالات أيزيدييه، فيخوض في محاور عديدة منها “الأمن القومي الأيزيدي”، و”الأيزيديون وحقوق الإنسان”، و”الإبادة الجماعية”، ولا يكتفي بعلاقة الأيزيدي بالآخر، بل يعرّج ـ كذلك ـ على شكل تعاطي الأيزيدي مع نفسه، فيخوض في “الأيزيدياتي”، و”الإصلاح”، و”التراث”، لكن ما قد يثير هنا التساؤل: هل ثمة ما يمكن أن يطلق عليه، في الواقع، بـ “الأمن القومي الأيزيدي”؟ هل يؤيد أهل الاصطلاح هذا التوصيف؟
واذا ما افترضنا جدلاً، أن المختصين وتالياً الواقع يقرّان به، فهل ترضى المكونات العراقية الكبرى، من سنة وشيعة وكرد وكذلك الصغرى؟. وعليه من ههنا، كيف سيكون فضلاً عن التشريعات الخاصة والعامة والدستورية، موقف السلطات العراقية والكردسانية؟
ثم هل يتفاعل الأيزيديون أنفسهم مع ما اصطلح عليه “محطات من واقع الأيزيديين” بـ”الأمن القومي الأيزيدي “بالقبول أم بالامتناع؟.
وفي المجمل، وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع محاور وتفاصيل كتاب “محطات من واقع الأيزيديين”، فان الإشارة تقتضي هنا إلى أن الباحث امتاز بتفكيكه – وإن بطريقة غير مباشرة – “الدونية” التي اعتل بها الأيزيديون كعقدة أزلية إلى عواملها الأولية، واستطاع على ضوء ذلك هتك الذهنية الوصائية التي يمارسها عليهم الآخر، هذا الذي لا يجد الأيزيدي فكاكاً من التواصل معه أو الاحتكاك به.
يميز الأستاذ المساعد في هيئة التعليم التقني بجامعة الموصل، الذي نزح عن الموصل مع قوافل كبيرة من الأكاديميين والعمال والموظفين والتجار وأصحاب المهن الحرة من الأيزيديين والمسيحيين والصابئة المندائيين وسواهم من أبناء الأقليات الدينية والمذهبية المختلفة، بعد تصاعد نشاط “القاعدة” واستهدافها المختلفين على الهوية بين ثابت الأيزيديين ومتحولهم، ويقارب موضوعاته منحازاً إلى الثوابت بمنهجية ابن خلدون، مبرزاً في الآن ذاته ملامح فكرية تقرّبه كثيراً من الكواكبي.
لن ينال من أهمية الكتاب، إن طفحت عثرات لغوية – إن نحوية أم صرفية هنا- أو هفوات طباعية او حتى إملائية هناك، وإن كان على المؤلف والناشر أن ينتبها إن منفردين أو مجتمعين، إلى تلك النواحي قبيل الإصدار. ثم، و…ليس توخياً للإغراق ـ هنا ـ في الشكلانية. لكن يا حبذا لو أفرد المؤلف كل محطة من محطاته عن واقع الأيزيديين استقلالية ذاتية، نظراً لاستقلالها موضوعياً وأفرغ ـ من ثم ـ محتوى كل منها في كتاب أو حتى كتيّب خاص يضمن سلامة المكتوب من الاتهام، بالحشو أو اللاتجانس أو التداخل.
وههنا ستقف هذه القراءة المتواضعة… لن نتمادى أكثر في كشف أو بعثرة أسرار كشكول الباحث علي سيدو رشو الذي تدلل سيرته الذاتية على أنه تسلّل قبل أن يستقر به المقام في ألمانيا، مكرهاً إلى مصر، حيث نشط أستاذاً زائراً في العلوم الزراعية، لدى الجامعة الأميركية في القاهرة.
هذه حدود المكاشفات وكفى بها، فمن حق القارئ أن لا تُفسَد عليه متعته في استنباط الاختلاف، أو التوافق والتماهي مع مضامين الكتاب.
وللحقيقة فسكك “محطات من واقع الأيزيديين ” جديرة بالطروق والخوض في الاكتشاف.
المصدر:النهار
https://www.annahar.com/arabic/section/237-%D8%AD%D8%B1%D8%B1-%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%83/03042023103114617/%D8%B5%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%AD%D8%B7%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%8A%D9%86