30/4/2023
من المتفق عليه تأريخياً وعلمياً بأن الدين بتعريفاته المتعددة والشاملة، وبما يحتويه من أفكار و آراء ومذاهب ومدارس وفلسفات التي تبنتها شعوب العالم بقاراته السبع، يتكون من عناصر ثلاث، أو اركان أساسية ثلاثة هي: الأسطورة، المعتقد، الطقس..
والطقس هو عملية ممارسة أجتماعية ودينية تحدث نتيجة ممارسات فردية وجماعية وتضم عدد من النشاطات كالصوم والصلاة والاحتفالات كالزواج والولادة والوفيات، وماينتج عنها من فعاليات وممارسات، وتشمل ايضاً طرق التواصل الحياتية، وهو فعل من أفعال الاندماج الاجتماعي، وللطقوس الدينية قدسية خاصة عند العديد من شعوب العالم، أو ربما جميعها، ومنها الايزيدية خاصة عندما يتعلق الامر بالروحانيات والميثولوجيا والميتافيزيقيا، وأحياناً تشمل هذه الطقوس الحركات البدنية كالرقص المتزامن مع الموسيقى، كالسما و دبكة باحة العين البيضاء(گوفه ندا ده رێ کانیێ). حیث یشارك فيها الجميع، ويعد طقس مقدس، ومشاركته واجب ديني، كما هنالك طقوس يشملها الغناء، ويعد جزء مهم منه، كما عند الطرق الصوفية الإسلامية، يرافقها حركات بهلوانية قد تراها غريبة ومثيرة، أضافة الى طقوس أخرى في مجتمعات متعددة، وهذه الطقوس تمارس أحياناً في البيوت والمزارات والمقابر والاديرة والكنائس. كذلك تمارس عند الايزيدية في معبد لالش والمزارات الأخرى، ومن هذه الطقوس الملفتة للنظر والمهمة، والتي تمارس بقدسية واهتمام هو طقس الطاووس(السنجق) * الذي يتجول في القرى الايزيدية جميعا مرتين في السنة، بصحبة القوالين و متولي لالش و نقيب الطاووس و رجال دين اخرين، وبأشراف مباشر من الأمير(ميرێ شێخا) و رئيس القوالين. حیث تبدأ الجولة من قرية بحزاني بمراسيم خاصة لسنا بصددها الان، وتنتهي في قرية باعذرة، مركز الامارة الايزيدية، حيث يوضع الطاووس في خزينة الرحمن. للمزيد من المعلومات بأمكان القارئ الكريم مراجعة التفاصيل في الكتب والمجلات وصفحات التواصل. ما يهمنا في هذه المراسيم، هو طقس شرب الماء من الكأس(الجام) البرونزي او النحاسي، مايسمى عند الايزيدية (شێربکێ شیخادي)، وهو باعتقادي طقس مثير للجدل والاهتمام، فرجل الدين الذي يحمله ويسقي به الايزيدية، يدعي بأن محتواه هو من ماء العين البيضاء المقدس في لالش، والناس لا تعارض ادعائه، رغم علمهم اليقين بأنه ليس سوى ماء اعتيادي يتم التزود به من البيت المضيف للطاووس، او من بيوت أخرى اثناء تجواله في القرية.
تبدأ عملية الاسقاء بهذا القدح ليلة تواجد الطاووس لجميع اهل القرية من الحاضرين صغاراً وكباراً، نساءاً ورجالاً، حيث ينادى رجل الدين الساقي بصوت مرتفع بأن هذا الماء الموجود في الكأس هو من ماء العين البيضاء، التبرك به وشربه، ودفع مبلغ من المال مقابل ذلك، هو طقس مقدس، كما هو واضح في الرابط المرفق للمقال. وتنتهي العملية بشرب جميع الحضور من نفس القدح، في ظاهرة هي ليست غريبة في بادئ الامر لأنها مقدسة ومتواترة لدى الجميع دون استثناء، ولكن المثير والمرعب حقاً هو انه لا يعقل ان من بين هؤلاء الحضور ان لا يكون مريضاً او عدد من المرضى يحملون امراض مختلفة وفايروسات ومايكروبات، او ربما امراض مستعصية تنقل بكل سهولة وانسيابية بين المشاركين في هذا الطقس (المخيف)والمقبول في نفس الوقت من قبل الجميع، الادهى والانكى من هذا ان رجل الدين المحترم يتجول صباح اليوم التالي في جميع بيوت القرية، كي لايترك شخصاً، مسناً او عجوزاً مقعداً دون ان يشارك في هذه العملية الخطيرة للغاية، والتي تعد حاضنة للامراض والاوبئة، وبهذه العملية ومن خلال زيارة السنجق وطاقمها لجميع قرى وبيوت الايزيدية، لم يبقى ايزيدي او أيزيدية واحدة لم تصاب بمرض او وباء من جراء شرب هذا الماء الملوث بالجراثيم والميكروبات، فوق ذلك كله، القدح او الكأس المقدس نفسه مصنوع على الأكثر اما من مادة النحاس او البرونز، والتي تتعرض للاكسدة بكل سهولة، ما لم يتم (تبيضها و طلائها) في كل سنة، وهذا ما اشك فيه. وبالتالي قد تكون مصدر تسمم لكل انسان يشرب او يأكل من هكذا اواني.
لذا اقترح ان تجري العملية بصيغة أخرى تفادياً للامراض والاوبئة، وهي ان يقوم رجل الدين الذي يقوم بالمهام بالتوصية للايزيدية اوالايزيدي بعدم شرب الماء مباشرة من القدح، بل ان يسكب قليلا منه في راحة يديه، بعدها يكون القرار له، يشربها او يمسح بها يديه. والى السادة والسيدات الرافضين لمحتوى المقال و مافيه من مقترحات ان يراجعوا الموضوع بتمعن ودقة لعدة مرات بعيداً عن التعصب والأفكار الغيبية العمياء التي لاتمت بالموضوع بصلة، كي يتبين لهم بوضوح ما هو الأفضل للحفاظ على أرواح أبنائهم واخوتهم، وكذلك لأظهار الصيغة والصورة الجميلة التي تليق بأصل هذا الدين العريق والعظيم.
*السنجق: وحدة إدارية او ولاية في العهد العثماني، لها سلطان او والي يمثلها. وتعني ايضا الراية او العلم.
مقالنا يتعلق بجولة الطاووس(السنجق) في ولات شيخ ، والقياس هو نفسه، لبقية السناجق، التي تتجول في بقية مناطق تواجد الايزيدية .
الأخ العزيز بدل فقير حجي
بعد التحية
لن أعلق على الموضوع قيد البحث، ولكن ما رأيك في مقارنة بحثية تستند على منهج روحاني (وليس صحي أو تاريخي) مع الكأس المقدسة (heiliger Gral) عند المسيحيين و (كاس شيخادي) .. لتعم الفائدة ويؤخذ الموضوع من جانب مهم أوجدت هذه الممارسة من أجله.
تحياتي لكم برا
عزيزي الاخ بدل الاغرب من هذا هو عند زيارة السنجق الى قرية ما فان جميع اهل القرية صغارا وكبارا هم حافي القدمين بدون احذية في ارجهم بينما حامل السنجق وعازف الدف الشباب المقدس غير حافي القدمين حامل حذاء في رجله لا ارى اي مبرر لهذا وشكرا
ظاهر اعلام مرض كورنا لا يزال مسيطر على جنابك العزيز ..نفس العادة موجود في الكنائس ..وعند الصائبة وعند الكثير من الاديان في هند…..اولا اما الجميع يعرف انا الماء ليس ماء زمزم ولا ماء كاني سبي …ولكن الكأس يتم تعميده بماء زمزم وكاني سبي …..ومئات سنين نفس الممارسة موجودة ولم نسمع بان المرض انتقل عن طريق شيربك شيخادي ..بين الأيزيدية ولم نسمع بكارثة انتقل من الشريبك ومن سنجق وكل ئيزيدي ايضا يقبل طاووس وفي نفس المكان …وملاين الايزيدية كانوا يقبولون عتبة شيخادي وايادي والدك فقير حجي ولم يصير كارثة نقل مرض من عتبة شيخادي وايدي والدك ..ربما مريض تقبل ايد المرحوم فقير حجي وياتي اخر ويتقبل نغس ايده ولم يصير كارثة انا اتعجب كيف تكتب هكذا مقال يا اخي بدل
تحية طيبه
بالتاكيد هذا الطقس ظاهرة غير صحية وممكن جدا ان ينتقل الفيروسات بهذه الطريقة ، وهو طقس ديني ، والدين بصوره عامه لا يعترف بالعلم بل بالميتافيزيقيا،
واذا كنا نمارسة من دون ان نفكر بالنتائج الصحية؟ هذا لانه لم يكن لدى الانسان بصورة عامه( والايزيدي خاصة بسبب تحريم التعليم) معرفة كافية بعلم الڤايروسات وغير ذلك من هذا القبيل.
اما الان وبفضل التقدم العلمي وبوجود وسائل التواصل والبرامج العلمية على الكثير من المنصات ، يستطيع الانسان ان يتعلم الكثير ليس عن الصحة فقط، بل الكثير من العلوم ( الاجتماعية والانسانية وغيرها)
تحيه للمفكر والاستاذ فقير بدل على شجاعته في طرح هكذا مواضيع مهمة .