لعل الوضع الاقتصادي والتضخم والغلاء في تركيا من العوامل التي ستحدد رغبة الناخبين الأحد 14 مايو/ أيار. هناك من يرى أردوغان رئيسا ناجحا وآخرون يتوقون لمرحلة ما بعد أردوغان. تقرير عن المزاج العام للناخبين من ثلاث مدن تركية.
منذ 20 عامًا وتركيا تحت حكم أردوغان، وستقرر صناديق الاقتراع ما إذا كان سيستمر حكمه خمسة أعوام أضافية يوم (14 أيار/ مايو 2023)، حيث تجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا. وبحسب استطلاعات الرأي، فلأول مرة منذ سنوات، لدى المعارضة فرصة واقعية لهزيمة الرئيس الحالي.
يمكن للأزمة الاقتصادية الحالية أن تقدم مساهمة كبيرة في الهزيمة المحتملة لأردوغان. كان الاقتصاد في حالة ركود منذ سنوات والأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة للأتراك كما اعتادوا. يؤثر التضخم المرتفع للغاية بشكل خاص على الناس بشكل جماعي لأن المنتجات اليومية أصبحت باهظة الثمن بشكل متزايد.
وبينما يبلغ التضخم السنوي 43 في المئة وفقا للأرقام الرسمية، يبلغ حوالي 105 في المئة وفقًا لحسابات “المجموعة المستقلة لأبحاث التضخم” (ENAG)، في إشارة إلى أن السلطات التركية تتستر على الأرقام الحقيقية. كما تراجعت قيمة الليرة التركية بشكل متزايد مقابل اليورو والدولار الأمريكي في السنوات الأخيرة، ففي عام 2014 كان عليك دفع حوالي 2.90 ليرة مقابل يورو واحد، أما اليوم فقد بلغت قيمة اليورو الواحد حوالي 21.50 ليرة.
الولاء لأردوغان رغم كل شيء
يشعر الناس بآثار الأزمة الاقتصادية في كل مكان في تركيا، حتى في المدن المحافظة في البلاد. ومع ذلك، لا يزال كثيرون يوالون رئيسهم. سائق سيارة أجرة من مدينة قونية وسط الأناضول قال لـ DW إنه سيصوت لأردوغان مرة أخرى في هذه الانتخابات، حتى لو لم يكن أداءه الاقتصادي جيدًا. فهو يرى أن العديد من المشاريع الاقتصادية في ظل حكم أردوغان جيدة، بما في ذلك السيارة الكهربائية التركية الجديدة “TOGG”، ويتهم المعارضة بعدم الوقوف خلف الحكومة. يقول سائق التاكسي: “المعارضة تنتقد هذه المشاريع فقط، لو قدمت بعض الدعم لها، فقد تحصل على المزيد من الأصوات”.
أكبر مشكلة للناس في قونية هي الوضع الاقتصادي. ففي استطلاع للرأي أجراه مركز الأبحاث المحلي “DOUSAM” في كانون الثاني/ يناير الماضي، رأى أكثر من 73٪ من الذين شملهم الاستطلاع أن تطور الاقتصاد في السنوات الأخيرة سلبي، فقط حوالي 16٪ متفائلون. على سبيل المثال، يشتكي العديد من سكان قونية من صعوبة العثور على سكن يمكن دفع أجرته، كما يشتكي كثير منهم من افتقار المدينة إلى مترو أنفاق.
يلعب الاقتصاد دورا حاسما، خاصة بالنسبة للشباب، إذ يُظهر مسح “DOUSAM” أن أكبر المشاكل التي يواجهها الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و41 عامًا هي التضخم وما ينتج عنه من ارتفاع تكاليف المعيشة. قال شاب من قونية لـ DW إنه جاء إلى المدينة للدراسة، ويكشف الرجل، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، عن أن مشاكله المالية تتزايد مؤخرًا، وهذا عامل من المحتمل أن يلعب دورًا في قراره التصويت.
تعتبر المدينة من معاقل حزب العدالة والتنمية الحاكم. في الانتخابات البرلمانية لعام 2018، حصل حزب أردوغان على ما يقرب من 60 بالمائة من الأصوات هناك، بينما حصل هو شخصياً على 74.2 بالمائة من مجموع الأصوات كمرشح رئاسي.
لا استثمارات في طرابزون
حتى في مدينة طرابزون المحافظة ذات التوجه القومي في شمال تركيا، لا يبدو أن الأزمة الاقتصادية الملحوظة تعني نهاية حقبة أردوغان. يعتقد الكثيرون في المدينة الواقعة على ساحل البحر الأسود أن أردوغان هو الشخص الذي يمكنه بالفعل تعزيز الاقتصاد.
يراقب إركوت جلبي، رئيس غرفة التجارة والصناعة المحلية، عن كثب الوعود الانتخابية التي قدمها الجانبان. وقال جلبي “هناك بعض الوعود نصدقها وهناك البعض التي لا نصدقها”. ويشكو من أنه لا يتم استثمار الكثير في طرابزون كما هو الحال في المدن المجاورة – مثل ريزه، مسقط رأس أردوغان. ويشكو جلبي قائلاً: “نحن من أقل المدن استثمارًا على ساحل البحر الأسود. لدينا عدد كبير من السكان في الشتات والعديد من السكان المحليين يعملون في الوظائف البيروقراطية. لكن أولئك الذين لديهم المال لا يعيشون هنا”.
سكن ميسور التكلفة… للسياح العرب فقط
يوضح جلبي أن السياح العرب وحدهم هم المسؤولون عن الحفاظ على الاقتصاد في طرابزون. ويقول: “تبلي طرابزون بلاءً حسنًا نسبيًا بفضل الأموال التي يجلبها السياح العرب”.
يرى الصحفي المحلي في طرابزون إليف كافوس أن الاعتماد على هؤلاء السياح ليس مستدامًا اقتصاديًا: “المدينة تعتمد فقط على السياح العرب. من غير الواضح ما الذي سيحدث إذا توقفوا عن القدوم. يجب تنويع السياحة” حسب كافوس. وفقًا لمكتب الإحصاء التركي (TÜIK)، جاء حوالي 600000 سائح إلى طرابزون في عام 2022، معظمهم من قطر والإمارات العربية المتحدة. الهدف الرسمي للمدينة هو استقبال مليون سائح في عام 2023.
بالنسبة للعديد من سكان طرابزون، يعد الانخفاض الهائل في القوة الشرائية من أكبر المشاكل. وفي حين أن العديد من السكان سعداء بقدوم السياح العرب لزيارتهم، يشتكي آخرون من أن ذلك يضعف قدرتهم الشرائية. يقول جامع النفايات قادر يلماز: “العرب يشترون الكثير من المنازل. ولهذا السبب ترتفع الأسعار”. يجد المزارع وناخب حزب العدالة والتنمية فورال أوكسوز هذه مشكلة أيضًا: “من الخطأ السماح للعرب بشراء المنازل. وهذا بدوره يضر بقوتنا الشرائية”، كما يرى أوكسوز.
أمل في مستقبل من دون محسوبية
في حين أن العديد من المدن المحافظة تعول على الرئيس الذي حكم لفترة طويلة، يعتقد العديد في أماكن أخرى في تركيا أن مرشح المعارضة كمال كيليجدار أوغلو يمكن أن يفعل ما هو أفضل بكثير. تنحدر ديدم كالكان في الأصل من تونجلي في شرق الأناضول وتدرس في مدينة أخرى. ستدعم كليجدار أوغلو في الانتخابات. في رأيها، حُكمت تركيا بشكل سيء للغاية على مدار العشرين عامًا الماضية. قالت كالكان “أنا طالبة حاليًا. أشعر بالقلق من أنني لن أتمكن من العثور على وظيفة في المستقبل”. وتشير إلى مشكلة أخرى، وهي المحسوبية: “الجميع يتوقع شيئًا إضافيًا بسبب المحسوبية. أنا مقتنعة أنه في ظل حكم كليجدار أوغلو، سيحصل الجميع على ما يستحقونه. ولهذا السبب لدي أمل”.
الأمنية الرئيسية للجميع: اقتصاد أفضل
لم تصوت مدينة تونجلي الواقعة شرقي الأناضول أبدًا للأحزاب اليمينية في تاريخ الجمهورية التركية الممتد لمائة عام، حسب الإحصائيات. يأتي منافس أردوغان كمال كليجدار أوغلو في الأصل من تونجلي المدينة المتأثرة بالعلويين، والتي يفخر بها كثير من الناس بالعلوية. في حين أن الكثيرين سعداء بأن علوي من تونجلي يمكن أن يصبح رئيسًا، فإن رغبتهم الرئيسية هي اقتصاد أفضل.
تعتقد يغمور كسكين أن التغيير سيبدأ بانتخاب كيليجدار أوغلو. وقالت كسكين لـ DW: “كل ما أتمناه هو أن يعمل الفائز على تحسين الاقتصاد”. في أكثر شوارع تونجلي ازدحاما، تبيع هي نفسها الخضروات التي تجمعها من الجبال. الشابة ستصوت للمرة الثانية في حياتها في انتخابات هذا العام. قالت كسكين: “أتمنى أيضًا أن يتم خلق العديد من فرص العمل للشباب. إذا حاولنا بجد، يجب علينا أيضًا أن نحصد الثمار”.
المشكلة الأكبر للشباب من تونجلي هي البطالة. عروض العمل للشباب في المدينة محدودة للغاية. نتيجة لذلك، يغادر كثيرون المدينة. تعد الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكلفة المعيشة من أكثر الموضوعات التي يجري مناقشتها هنا.
كثير من الناس في تونجلي مقتنعون بأن حقبة كليجدار أوغلو المحتملة ستحقق المزيد من العدالة لتركيا. يعتقد توبراك ذلك أيضًا، فقد ذهب إلى نفس مدرسة كيليجدار أوغلو ويعرفه. يتذكر الأوقات في المدرسة الابتدائية بالكلمات التالية: “كان كمال يحضر الخبز دائمًا إلى المدرسة. لم يأكل خبزه، بل كان يتقاسمه دائمًا مع الآخرين”.
كما أن كليجدار أوغلو يدرك جيدًا الدور المحتمل للاقتصاد في الانتخابات. ونشر مقطع فيديو مدته أربع ثوان على تويتر قال فيه: “إذا كنت اليوم أفقر من أمس فالسبب الوحيد هو أردوغان. أتمنى لك أمسية سعيدة”.
بوراك أونفيرين/ ترجمة: زمن البدري