لم يكن الأسبوع الماضي في سنجار وناحية بعشيقة شرق الموصل في شمال العراق، طبيعيا بالنسبة للعائدين من سكانها؛ لأن المدينتين شهدتا أحداثا ساخنة، اعتبرها مراقبون سياسيون وأمنيون “شرارة” قد تؤجج الصراع وتهجّر الأهالي مجدداً.
يقول الناشط المسيحي في مجال حقوق الإنسان والأقليات، كامل زومايا، إن “الصراعات في أي دولة في العالم طاردة للأمن العائلي وللمجتمع وبهذا يتقلص دور الحياة المدنية، فكيف إذا حصل للأقليات التي تعرضت إلى إبادة جماعية كالأيزيدين والمسيحيين وغيرهم في سهل نينوى وسنجار؟!”.
ويرى أن “فكر تنظيم داعش ما زال موجودا ولم ينته بعد التحرير، وما حدث من خطاب كراهية وفبركة أخبار ضد الأيزيدين الأسبوع الماضي يؤكد الحاجة إلى العمل الكثير من أجل استئصال الفكر الداعشي من المنطقة”.
ويوضح زومايا لـ”ارفع صوتك”: “من المفترض أن تكون هناك سياسة واقعية لترسيخ التعايش السلمي ونبذ الكراهية ومحاولة زرع الثقة في نفوس أبناء الأقليات، خاصة في سنجار، وضرورة نزع السلاح وإعادة النازحين بعد استقرار المنطقة سياسياً وأمنياً، ومن بعدها تكون هناك عودة آمنة لسكانها”.
وبعد ما شهدته سنجار من تدهور في 27 أبريل الماضي عقب إعادة أكثر من 50 عائلة عربية نازحة إليها دون إجراء تدقيق أمني لأفرادها، الامر الذي أغضب الأيزيديين، حيث طالبوا بالتدقيق الأمني في ملفات العائدين “لحماية المدينة من تسلل عناصر تنظيم داعش بينهم”.
أما سهل نينوى فشهد هو الآخر توترا وتصعيدا سياسيا من قبل قوى تابعة للإطار التنسيقي والحشد الشعبي في مقدمتها فصيلا “حشد الشبك” و”بابليون”، اللذان يسيطران عسكريا على سهل نينوى منذ تحريره من داعش نهاية عام 2016.
ويرفض الفصيلان تولّي غزوان الداودي مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، منصب مدير ناحية بعشيقة، الذي كُلف به رسمياً منتصف أبريل، من قبل إدارة محافظة نينوى.
ولوّح كل من “حشد الشبك” و”بابليون”، بتنظيم تظاهرات والتحرك لمنع شروع الداودي في مهامه، ليعلنا لاحقاً عن تأجيل التظاهرات، منتظرين نتائج اللجنة الوزارية التي شكلتها الحكومة العراقية للتحقيق في أوضاع بعشيقة.
“مستقبل أكثر قلقا”
من جهته، يقول رئيس منظمة “ميثرا للتنمية والثقافة اليارسانية”، رجب عاصي كاكيي، إن “مستقبل الأقليات في العراق أصبح أكثر قلقا، بعد ما حصل في سنجار. وازدياد خطاب الكراهية والعنف من قبل جهات متطرفة وعدم وجود جهة بإمكانها محاسبتهم وانعدام دور الادعاء العام في المحاكم العراقية، أمور تدفع الأقليات للهجرة خارج البلاد”.
وأوفد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في 27 أبريل الماضي لجنة من مكتبه إلى ناحية بعشيقة للوقوف على المشاكل الإدارية فيها.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء في بيان إن “السوداني شدد على ضرورة ألا تنعكس المشاكل الحاصلة هناك على الاستقرار الأمني في المحافظة، أو تؤثر في تقديم الخدمات لمواطنيها”، مؤكدا على “ضرورة إشاعة روح الأخوة بين أبناء المكونات في نينوى، والابتعاد عن خطابات الكراهية والتفرقة، وتفويت الفرصة على من يحاول زعزعة الاستقرار”.
وكشفت مصادر مطلعة في إدارة محافظة نينوى لـ”ارفع صوتك”، أن “اللجنة الوزارية أنهت عملها في بعشيقة ورفعت تقريرها عن مشكلة منصب مدير الناحية إلى رئاسة الوزراء، ومن المقرر أن تصدر قرارها النهائي بهذا الشأن خلال الأيام المقبلة”.
ويصف مدير المنظمة الأيزيدية للتوثيق، حسام عبدالله، أوضاع الأقليات “بالتائهة التي لا تعرف أن تحكم نفسها بنفسها في مناطقها التي تشكل فيها غالبية السكان”.
ويوضح لـ”ارفع صوتك”: “نطالب منذ سنوات أن يكون للأقليات دور على أقل تقدير في إدارة مناطقهم، لكن على ما يبدو أن أطرافاً عديدة في العراق لا ترغب في وجود إدارات واضحة لأبناء الأقليات في مناطقهم”.
“بالتالي، تعيش الأقليات اليوم تائهة بين سلطتي بغداد وإقليم كردستان، وتائهة في مناطقها بسبب تعدد القوات التي تسيطر على تلك المناطق وعدم وجود تفاهم بين القوات المختلفة”، يضيف عبدالله.
ويتابع أن حالة “التيه” التي تعيشه مناطق الأقليات تنعكس على المطالبة بالحقوق الأساسية في مقدمتها الاعتراف بالإبادة الجماعية والاعتراف باستقلالية مناطقها وإدارتها بأنفسهم، وغيرها من المطالب والحقوق التي لا يطالبون فيها.
دلشاد حسين