المتنكر الروسي (باسيل كورباه) مبعوثاً لمصالحة الايزيدية مع الدولة العثمانية!
يسأل رئيس احدى قبائل شنكال الشيخ إسكندر يوسف الحايك: مَنْ هذا السائح؟
يقول له الشيخ إسكندر: “انه كبير من كبار الأمة الروسية وقد جاء الى هذه البلاد متنكراً، وهو يبغي ان يدرس حالة اليزيدية ليتمكن من العمل في سبيل مصالحتهم مع الدولة العثمانية.”
*لا ندري، هل فعلاً ان كان السائح الروسي قد جاء ليدرس حالة الايزيدية ويصالحهم مع الدولة العثمانية كما يقول الشيخ إسكندر، أم ان الشيخ أراد بهذا القول كسب ود رئيس القبيلة الايزيدية ليتنازل عن أخذ الخوة منهم؟ (خليل)
يرد عليه رئيس القبيلة الايزيدية (الذي يلقبه الشيخ إسكندر بالأمير): أصحيح ما تقول ان السائح جاء لهذه المهمة؟!
يجيب الشيخ إسكندر: “نعم مولاي، وقد أحببت ان أبوح لك بهذا السر كي تحسن معاملته فيحفظ جميلك ويحمل الدولة على ان تعقد معكم صلحاً يناسبكم، وقد قيل له انكم تعتدون على المارة وتتقاضونهم رسوماً باهظة”
يقول رئيس القبيلة الايزيدية: “ارغب في البحث معه بشؤوننا فترجم له قولي. ثم يفتتح الأمير (يقصد رئيس القبيلة) الكلام فيقول:
“بلغني يا سيدي أنك من الأمة الروسية، فهل أتيت الى هنا للتنزه والسياحة، أم لغرض آخر؟
يجيب السائح: “أتيت سائحاً ومتنزهاً وقاصداً أموراً لها علاقتها بدولتي.
يقول الأمير: “وهل يعنينا شيء من ذلك؟”
السائح” “نعم سيدي، فقد عهد اليّ أن أقف على ما هو جار عندكم لأن الدولة العثمانية تتهمكم بتعكير صفو الأمن العام في هذه الربوع وبالاعتداء على المارة الذين تتقاضونهم رسوماً باهظة غير مراعين في هذا الأمر رجالها الأخصاء المولجين إدارة احكامها، ولم نكن لنصدق ذلك لو لم نتحقق بذاتنا، وها أنك ترافقنا الان لتقبض هذا الرسم.”
التصرف العقلاني للأمير الايزيدي الشنكالي:
الأمير: عذراً يا سيدي وعفواً فاني قد تخليت لكم عن الرسم، وأرجو منكم ان تعتبروني رفيق سفر يصحبكم حتى “وردية” فلربما احوج لامر لي خدمتكم، أو مساعدتكم. وخدمتكم واجبة فان دولتكم المحبوبة ما فتئت تحافظ علينا منتصرة لنا في سائر مشاكلنا مع الدولة العثمانية.”
يقول السائح: “لماذا تتقاضون المارة رسماً؟”
يجيبه الأمير: “اننا نتقاضاهم رسماً اسوة بالقبائل المجاورة التي تتقاضى المارة رسوماً مختلفة، وكلما مرّ أحدنا بأراضيها دفع لها الخوة نظير كل غريب.”
(يفهم من قول رئيس القبيلة الايزيدية ان حال تقاضي الرسم/الخوة كان دأب القبائل غير الايزيدية أيضاً، وليست حالة محصورة بالقبائل والعشائر الايزيدية فقط ليصفهم بعض الكُتاب “بالسلابين وقطاع الطرق” الى غير ذلك من الأوصاف المشينة! علماً ان مثل تلك الحالات، وفي ذلك الزمن، كانت تدخل باب الشجاعة ومقاومة ظلم الدولة! خليل)
يأتي السائح ليقول: “علمنا انكم منذ بضعة أشهر وقفتم في وجه والي الموصل أثناء مروره بأراضيكم، وطلبتم منه رسماً باهظاً فأثار عملكم هذا سخط الدولة التي بعثت برجالها لمحاربتكم. فلماذا سلكتم هكذا مع ذلك الوالي؟”
يجيب الأمير: “يا مولاي كانت الدولة العثمانية قد فرضت علينا ضريبة فاحشة، ولم نكن ندفع شيئاً من مثلها فيما مضى، فكان قصدنا من سلوكنا المعهود مع والي الموصل ان نفوز بالرسم فندفع الضريبة الجديدة. على ان ذلك الوالي كان كذاباً مكاراً.”
وهنا يدور في رأس الأمير الشنكالي مصلحة الايزيدية عموما ومنطقته خصوصاً، سائلاً من الشيخ إسكندر: “بما يا ترى نجعل هذا السائح يشهد فينا شهادة حسنة عند رجوعه الى بلاده، فتظل الدولة الروسية تنتصر لنا وتحمينا من شرّ بني عثمان؟” (ص 106)
يجيبه الشيخ إسكندر: “عليكم يا مولاي بملاطفته ومجاملته. وليس ما يمنع من اهدائكم اليه ما تستحسنون، فأننا ماكثون في الموصل زمناً غير يسير. وفور وصوله الى وردية يقدم لك الرسم الذي تريد.”
وما كدت أذكر لفظة الرسم- يقول الشيخ إسكندر- حتى صاح بي ذلك الأمير: “حاشاي ان آخذ فلساً واحداً، وسأهتم في ارضائه بهدية ثمينة. فما رأيك في أمر هذه الهدية؟”
يقترح عليه الشيخ إسكندر: “بإمكانكم يا مولاي أن تقدموا له ذكراً أو أنثى من الخيل الكريمة الأصل، أو سيفاً قديماً من السيوف المرصعة” ويزوده الشيخ إسكندر بخبر آخر ألا وهو زيارتهم الى معبد الشيخ عدي، والدراسة المدققة لحالة الشعب اليزيدي، كون ذلك يهم السائح في الدرجة الأولى، ولأنه جاء الى هنا لأجلكم خصيصاً. (ص 107)
كاد الأمير الايزيدي الشنكالي يطير فرحاً عند سماعة زيارتنا الى معبد الشيخ عدي، قائلاً: “أنت مؤكد بانكم ستزورون الشيخ عدي؟” يجيبه الشيخ إسكندر بنعم، هذه الزيارة من ضمن البرنامج. وكان سروره عظيماً عندما تأكد من زيارتنا للشيخ عدي. (107)
تتبع الحلقة الخامسة والأخيرة (في وصف معبد لالش عام 1914)