أثارت قرارات أصدرتها الحكومة المحلية بمنع النساء من الركوب على الدرجات النارية وتدخين الأركيلة في الأماكن العامة بكربلاء، وسط العراق، جدلاً واسعاً في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي .
يرى مؤيدو المنع، “ضرورة المحافظة على قدسية كربلاء الدينية”، بينما يعتبرها المعارضون “تقييداً للحريات الشخصية”.
وكانت وسائل إعلام محلية تناقلت تصريحاً عن مصدر أمني لم تسمّه، أن القوات الأمنية تلقت تعليمات بمنع تنقل النساء في كربلاء على الدراجة النارية برفقة أفراد من عوائلهن، ومنع تقديم الأراجيل لهن النسوي في المطاعم والمقاهي.
وهو أمر ينسجم بحسب توفيق غالب، مدير إعلام محافظة كربلاء، مع “قانون قدسية محافظة كربلاء الذي تم إقراراه قبل سنوات، وكان مبنياً على آراء وفود من رجال العشائر ورجال الدين من أهالي المحافظة، وليس فيها تقييد للحريات كما يقول البعض بل هو تطبيق لقانون تم إقراره عام 2012”.
وكان محافظ كربلاء نصيف الخطابي أعلن في ديسمبر 2021 وبعد زيارة وفد من رجال العشائر ورجال الدين، عن إطلاق حملة توعوية بهدف تطبيق “قانون قدسية محافظة كربلاء”، تضمنت نشر ملصقات لتوضيح فقرات القانون. وفي حينها لاقت الحملة موجة من الاستياء، بسبب اعتبارها “مقيدة للحريات”.
وشرّع هذا القانون مجلس المحافظة عام 2012، وكان من المقرر تنفيذه عام 2017، إلا أنه لم يُفعّل حتى ديسمبر عام 2021.
يُجرم القانون: المجاهرة بسماع الأغاني، عرض الثياب النسائية الداخلية التي وصفها بـ”الفاضحة” على واجهات المحال التجارية، القمار وألعاب الورق وبيع وتناول المشروبات الكحولية.ويمنع إقامة الحفلات الغنائية في الأماكن الخاصة والعامة، والتبرج للنساء ودخول السافرات (غير المحجبات) إلى المحافظة.
يوضح توفيق غالب، لـ”ارفع صوتك”: “قرار منع ركوب الدراجة النارية للنساء جاء على خلفية عدم التزام سائقي الدراجات النارية بشروط السلامة والأمان. الأمر الذي تسبب بحصول حوادث مرورية راح ضحيتها العديد من الأطفال والنساء المرافقين لراكب الدراجة غير الملتزمين بالقواعد المرورية”.
أما بالنسبة لمنع تقديم الأرجيلة للعنصر النسوي، “فكربلاء مدينة دينية شهدت حركة إعمار كبيرة جداً، ونتيجة لذلك انتشرت مطاعم الدرجة الأولى والمقاهي، ووصلتنا انتقادات كبيرة من الزائرين وسكان المدينة بعد رؤيتهم نساء يقمن بتدخين الأرجيلة في تلك الأماكن”، يضيف غالب.
ويؤكد: “نتيجة لتلك الشكاوى، استجابت المحافظة وأصدرت قرارها بمنع تدخين الأرجيلة للنساء، فيما يمكن للمرأة تدخينها في حدود منزلها وليس في الأماكن العامة”.
ويبرّر غالب هذه الاستجابة، بأن التدخين في الأماكن العامة بالنسبة للنساء له “حرمة اجتماعية”، مردفاً “كربلاء مدينة عشائرية مُحافِظة ومقدسة والبيئة الاجتماعية لا تتقبل ذلك”.
مؤيدون ولكن..
يرى المواطن العراقي وليد الصالحي، المؤيد لقرار منع النساء من ركوب الدراجة النارية، أن “ظاهرة ركوب المرأة في كربلاء للدراجات النارية انتقلت من إيران إلى العراق قبل نحو سبع سنوات، حتى أصبح منظر ركوب الدراجة للنساء برفقة الزوج أو أحد أفراد العائلة عادياً ولا يشكل أي غرابة”.
ويضيف لـ”ارفع صوتك”، أن “على المرأة إذا ركبت الدراجة النارية الالتزام بالملابس المحتشمة، وأن تجلس بشكل جانبي، ولا تركبها في الأحياء المقدسة من المدينة”.
وسبب تأييد وليد للقرار، كما يقول: “كنت شاهداً على حادث مروري، حين سقطت امرأة أمام ناظري من دراجة زوجها في الشارع العام، وتعرضت لإصابة بالغة، فيما استمر الرجل بالسير مسافة قبل أن يكتشف سقوطها”.
من جهة أخرى، لا يؤيد وليد منع الأرجيلة للنساء، مبيناً “أغلب الفتيات والنساء في كربلاء لا يخرجن إلى الأماكن العامة إلا برفقة عوائلهن، وقرار تدخين الأرجيلة من عدمه قرار شخصي وعائلي، ومنعه يعدّ تدخلاً غير مبرر في شؤون الناس”.
أم مريم، مواطنة عراقية من كربلاء أيضاً، تؤيد منع ركوب الدراجة النارية، لأنها “ظاهرة دخيلة على المجتمع، ظهرت قبل بضع سنوات وتسببت بحوادث مرورية كثيرة، فالرجل يقوم بوضع عدد كبيرة من أفراد العائلة على دراجة مخصصة لشخص واحد. بالنتيجة يفقد توازنه ويصاب الجميع إصابات خطرة”، على حدّ تعبيرها.
وبالنسبة للأرجيلة، تقول أم مريم وهي أم لطالبتين جامعيتين لـ”ارفع صوتك”: “تدخين الأرجيلة للنساء في كربلاء ظاهرة غير صحية، و منتشرة بشكل خاص لدى الفتيات الصغيرات بعمر المراهقة والجامعة، وأغلبها تتم بعيداً عن رقابة العائلة. وهي مرفوضة اجتماعياً وتسبب نظرة غير لائقة بحق الفتيات في المدينة”.
وبرأيها، فإن هذه القرارات “تحافظ على المرأة الكربلائية، وهي مقدرة ومحترمة ولا يليق بها تصرفات تنافي عادات وتقاليد وقيم مجتمع عريق مثل المجتمع الكربلائي”.
التقينا بشابة من كربلاء، تعرضت لرفض تقديم الأرجيلة لها في عدة أماكن، تقول: “الجهات الحكومية تتحجج دائما بقدسية المدينة لفرض قوانين تحدّ من الحريات الشخصية في المحافظة بالكامل، والتي يفترض أن لا تمتد إلى جميع مناطقها، وتقتصر على المنطقة القديمة فقط”.
وتضيف، متحفظة على ذكر اسمها، أن “قدسية المدينة يتم استخدامها كسلاح لقمع الحريات، وهو يولد إحساساً بالعدوانية تجاه المكان وقدسية المحافظة، التي هي ذريعة للتمييز دون سبب حقيقي”، متسائلة عن السبب وراء “السماح للكافيهات (المقاهي) بتقديم خدمات للعناصر النسائية، ثم بعد سنوات منها يتم المنع بصورة مفاجئة بحجة القدسية؟”.
“مع وضد”
تركب الشابة الكربلائية سارة أحيانا الدراجة النارية برفقة أحد أفراد عائلتها الذكور، دون أن ترى حرجاً في ذلك. توضح لـ”ارفع صوتك”: “المرأة في كربلاء لا تركب الدراجة النارية مثلما يفعل الذكور. ويكون ركوبها إلى جهة واحدة فقط من الدراجة، وهي مرتدية عباءة الرأس التقليدية أو العباءة الإسلامية أو غيرها من الملابس الأخرى التي ترتديها النساء في مجتمع محافظ مثل المجتمع الكربلائي”.
وتقول: “لاحظتُ مؤخراً وجود دعوات صدرت عن عدد من أبناء المدينة لمنع ركوب النساء للدراجات لعدة أسباب، منها ما حصل بعد دخول أنواع دراجات معينة تكون رياضية وكبيرة الحجم وعالية تركب فيها النساء كما يركب الذكور ومن هنا بدأت المطالبات بالمنع”.
“بالإضافة إلى ظاهرة ركوب عدد كبير من الأشخاص على الدراجة النارية حيث يوضع الأطفال على المقدمة، فيما تركب الأم خلف زوجها وهو أمر فيه خطورة على حياة ركاب الدراجات وسائقي المركبات على حد سواء”، تتابع سارة.
وتؤكد، أن أحداً لم يمنعها من ركوب الدراجة، أي أن “القرار لم يُطبق بعد”.
وبالنسبة للأرجيلة، تشرح سارة التي تعمل في إحدى المؤسسات الصحية الرسمية بمدينة كربلاء: “بشكل عام التدخين يسبب أضراراً صحية كبيرة على الإنسان أكثرها ألماً أمراض الجهاز التنفسي السرطانية، بالتالي يجب منع التدخين عموماً رجالاً ونساء”.
“تحولات اجتماعية”
ترى سارة أن سبب جميع قرارات المنع التي تتم في المدن العراقية المقدسة “تأثر الحكومة المحلية بآراء الجهات الدينية، سواء كان ما يتعلق بالحريات الشخصية أو الاستثمارية”.
لكن ما لم يتم أخذه بنظر الاعتبار ، كما تقول، فهو “التحولات الاجتماعية في كربلاء، التي بدأت عام 2014 بسبب احتضانها عددا كبيرا من المهجرين من مناطق سيطرة داعش، الذين حملوا معهم عادات وتقاليد وطريقة حياة مختلفة، تأثر بها سكان المدينة الذين تعودوا على نظام عيش محدد لا يرغب الكثيرون منهم وخاصة المتشددين بتغييره”.
ومن المظاهر الجديدة في كربلاء أيضا “الاستثمارات الكبيرة وإنشاء المجمعات السياحية وتطورت البنى التحتية وشيوع استخدام مواقع التواصل”، وهذا كله بحسب سارة “جعل الشباب يتطلع إلى طريقة حياة مختلفة لا تتناسب مع البيئة الدينية المتشددة لكربلاء، ويحاول الجميع إرغام الشباب خصوصاً الإناث بينهم، على التقيّد بها”.
وتختم حديثها بالقول: “هذه الطبيعة الدينية محترمة ومقدرة من الجميع بلا استثناء ويجب أن تطبق داخل المدينة القديمة سواء من الالتزام بزي محدد إلى منع تدخين الأرجيلة وركوب الدراجات. ولكن، أن يتم تعميمها على جميع أحياء المحافظة فهذا أمر يجب إعادة التفكير فيه”.
ميادة داود