شرعية القرارات والأحكام المسنودة على أي دستور حالة نسبية، بإمكان السلطة أن تجعل أقذر القوانين مواد فوق دستورية شبه مقدسة، أو فارغة بدون قيمة، خاصة لدى الأنظمة الشمولية، كالتي تحتل كوردستان، العراق، وإيران، وتركيا، وسوريا.
فلا علاقة لقرار المحكمة الاتحادية العراقية العليا، والتي أصدرتها في جلستها الثامنة تحت الدعوى (248 / لعام 2022) والدعاوى المماثلة، المتعلقة بالطعن في دستورية تمديد ولاية برلمان كردستان لمدة عام بعد انتهاء الولاية القانونية أو التي صدرت سابقا لعرقلة مسيرة تطور الإقليم الكوردستاني، بالدستور وبنوده، ولا بشرعية بقاء برلمان إقليم كوردستان أو عدمه.
ومحاولة أسناده إلى الدستور العراقي تغطية على موقف (سياسي منحاز وباطل) معادي للشعب الكوردي وقضيته، يحركها قادة أحزاب عنصرية، يحاولون السيطرة على النظام بأسلوب صدامي، والذين قالوا بأنهم يطبقون القوانين الموجودة ضمنها، تناسوا ومعهم المحكمة الاتحادية العليا أنهم خرسوا طوال عقدين من الزمن أمام البند الدستوري رقم 140 ولم يتم تطبيقه، والمادة هذه أوضح بكثير من عملية التلاعب بمشروعية البرلمان الكوردستاني أو عدمه.
وبالمناسبة، لو عدنا إلى الماضي وبعد إزالة دستور البعث، وكتابة الدستور الجاري، لا يمكن للجنة الكوردية التي شاركت في وضع الدستور السماح بتمرير مثل هذا البند المتناقض مع النظام الفيدرالي، أو تمرير أي بند بمثل هذه الصيغة، لكن وللأسف مساعدة أحد الأحزاب الكوردستانية وعن طريق الرئيس السابق لبرلمان كوردستان (الدكتور يوسف محمد صادق) والتي لا تثق بذاتها، وتضع نفسها في وضع الموالي والتبعية لقوى إقليمية، تسهل التلاعب ببعض مواد الدستور بشكل عام وتحريف بعضه الآخر، حسب الرغبات والاتجاهات السياسية، العرقية، والمذهبية، والتي تتصاعد وتخمد مع قوة أو ضعف السلطة، وإلا لماذا لم تثار هذه القضية؛ ويتم البحث فيها طوال العقدين الماضيين؟
بنود الدستور العراقي أو معظم دساتير الأنظمة الفاشلة، والفاسدة، والشمولية، تلغيها وتطمسها أو تفرضها القوى المهيمنة، تجعلها قانونية أو فارغة من مضمونها حسب المصالح، وقرار المحكمة الإتحادية العليا هذا أو غيره، تعكس الحالة المزرية التي تمر بها العراق ومدى الفساد المستشري بين القوى المسيطرة على الحكم، وهو نتاج البيئة العنصرية ضد الشعب الكوردي والتي لا زالت مستشرية ويتم إنماءها من جديد وبأوجه مختلفة، وتظهر بشكل مزري من خلال عمليات محاربة النظام الفيدرالي في العراق، النظام الذي سيؤثر على الداخل الإيراني والتركي مع الزمن فيما لو نجح في مسيرته وتعمقت فيه المنهجية الديمقراطية، لذا فهم يدركون أنهم بتحجيمها سيتمكنون من طمس القضية الكوردية في الدول الأربع المحتلة. المؤامرة عراقية الوجه، إيرانية – تركية الفعل والمنهج، كل بطريقته.
بغض النظر عن التبعات الكارثية التي سيخلفه هذا القرار في حال تم تنفيذه، في كل المجالات:
1- الاقتصادية، من إلغاء أو إيقاف المشاريع والخطط السنوية التي لا تدرج ضمن مخططات المركز، وتقليص ميزانية الإقليم إلى سوية حصة المحافظات، وقطع أو تخفض رواتب البيشمركة، والموظفين، وغيرها من القضايا الاقتصادية كتحجيم تطوير البنية التحتية والإسكان وبناء الجامعات والمدارس وغيرها من القضايا الاقتصادية.
2- في المجال السياسي، يعملون على تقليص دور الحكومة الفيدرالية إلى سلطة على مستوى الإدارة الذاتية، تابعة لوزارة الداخلية العراقية.
3- سيصبح الإقليم بدون سلطة تشريعية وهو البرلمان الذي بث القرار بحقه.
4- السلطة القضائية تكون تابعة للسلطة القضائية في بغداد وتطبق الدستور العراقي.
سيتم:
أولا، إلغاء دستور الإقليم وما يتبعه من الإشكاليات، قد تصل إلى الطعن في مشروعية بعض جوانب النظام الفيدرالي.
ثانيا، سيحاولون القضاء على قوة الإقليم العسكرية، وهنا الأهم، سيعملون على جعل البيشمركة فرق تابعة لوزارة الدفاع في بغداد.
أي عمليا، هدفهم القضاء على الفيدرالية الكوردستانية بشكل عملي، ليبقى أسم على هيكل. لا فرق بين مؤامراتهم هذه وبين ما كان يقوم به زعماء البعث والمقبور صدام حسين، فهم اليوم يقلدونه، ويحاولون تطبيق منهجه.
فما يجري اليوم هي نسخة من الماضي البعثي، وامتداد لمرحلة بدأت تظهر منذ سيطرة نوري المالكي على رئاسة الوزراء، والمؤامرات التي نسقها مع داعش والحشد الشعبي ضد الكورد، والتي راحت ضحيتها أهلنا الإيزيديين في شنكال والشعب الكوردي في مناطق كوردستان الأخرى، وتنسيقه مع أئمة إيران لتقليص دور الإقليم، ومن بينها دعمه لبعض أعضاء حزبه كحنان الفتلاوي وغيرها من الذين كانوا في البرلمان وعملوا على تجميد المادة 140 والتي افتخرت بها الفتلاوي بشكل علني في أحدى الأقنية التلفزيونية، وقالت أنها عملت ضد الدستور، ولم تتحرك حينها المحكمة الدستورية الإتحادية.
كما وصمتت المحكمة العليا أمام بعض نوابه الذين اشتغلوا على تخفيض حصة الإقليم من الميزانية العامة، متناسين نهبهم لثروات كوردستان طوال قرن من الزمن، لكنها وبالعكس دعمت الذين أثاروا إشكالية النفط، من منع حكومة كوردستان عقد اتفاقيات مع الشركات الخارجية بدون موافقة المركز إلى محاربة عمليات التنقيب والاستخراج، وغيرها من الإشكاليات التي رسخوها كقضايا رئيسة لكل من اتبع المالكي من رؤساء الوزراء، بل ومنهم من قام بتعميق هذه الخلافات وتوسيع الشرخ، وتضخيمها إلى أن أصبحت أحد أهم المشاكل التي يعانيها منها العراق بشكل عام، ألا وهو الصراع بين حكومة المركز والإقليم.
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
1/6/2023م