معظم رؤساء الوزراء في بغداد، تناسوا دمار البنية التحتية، والحالة الكارثية التي يعيشها أغلبية الشعب العراقي، وركزوا على خلافاتهم مع حكومة الإقليم الكوردستاني، استخدموها تغطية ملائمة على فشلهم، في إنقاذ الشعب من المجاعة، والدمار المروع للبلد، والفساد المستشري، والسرقات والنهب للميزانية والنفط الخام، والتي تتم على مستوى الدولة، أي الدولة تسرق ذاتها، وتجوع الشعب بشكل ممنهج، وأصبحوا بصراعهم مع الإقليم؛ يغطون على الصراعات بين قوى الشيعة والسنة المعادية للكورد، وما تعبث به حكومة الملالي داخل العراق، إلى درجة نشرهم دعاية بين أبناء مناطق البصرة والكوفة وغيرها على أن تخلفها والدمار المستشري في البنية التحتية هي أن الإقليم الكوردستاني يأخذ إلى جانب حصتهم جزء كبير من حصتهم في الميزانية. لا شك أن الذين يقفون خلف قرار المحكمة الاتحادية العليا هذه، لا يريدون الخير للعراق وشعوبها، جلهم من أيتام الأنظمة العنصرية السابقة، خلقوا شرائح تتبعهم وتنتهج نفس البيئة الثقافة العدائية، فنشرهم لهذا القرار وبهذه اللهجة تأكيد على إحساسهم بالقوة؛ إن كان من المركز أو بدعم خارجي إقليمي، إيران وتركيا تحديدا، يقابلها تراجع مكانة الإقليم سياسيا وعسكريا وربما دوليا. وهي إهانة مباشرة للشعب الكوردي، ولحكومة الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، وكما ذكرنا، تدرج ضمن محاولات القضاء عليها أو تقويض مكانتها، وتحويلها إلى منطقة ذات حكم ذاتي تابع سياسيا واقتصاديا وعسكريا لحكومة بغداد، والتي تحكمها المنظمات الشيعية، وبالتالي ستعود العراق إلى ما كانت عليه في زمن البعث وما قبله، مع تغيير في الأوجه، أي انتقال من الهيمنة العروبية السنية إلى القوى الشيعية التابعة لولاية الفقيه الفارسية. لا خلاف على أن القوى الكوردية المتخاصمة في الإقليم تعلب دور سلبي في هذا التصعيد، كل من جانبه، لا يستثنى أحد. إما بشكل مباشر كما تفعله الأحزاب المتعاملة مع إيران، والتي تفضل التبعية للمرجعية الشيعية على أن تكون سيدة ذاتها، وتطمح في المشاركة أو التبعية لحكومة بغداد على مشاركة حكومة وبرلمان الإقليم الكوردستاني والتي تحكمها الأكثرية من الحزب الديمقراطي الكوردستاني. وتتناسى لكراهيتها للطرف الكوردي الأخر، أن الخلافات الداخلية حالة صحية، فيما إذا كانت القوى ذات منهجية ديمقراطية. لكن وللأسف، القوى الموجودة والحاكمة في السليمانية بمعظم أطرافها لكراهيتها للديمقراطي الكوردستاني تفضل أن تكون أدوات لموالي إيران على أن تكون شريكة لبناء كوردستان المستقبل. وبالمقابل فإن الديمقراطي الكوردستاني، والتي تعمل بمنطق السيادة، والشمولية، والتي أغلقت البرلمان لمرات عدة في وجه قوى منطقة السليمانية، إلى جانب تبعيتها لتركيا بقدر تبعية السليمانية لإيران، والتي كانت ستدرج كبعد دولي، وهي حالة صحية من البعد السياسي والدبلوماسي، لولا استخدامهم هذه العلاقات الإقليمية من أجل الانتقاص من البعض، وعدم التعامل معهم من منطقة التبعية. كما وتفردها خلقت شريحة ذات غنى فاحش بين المحسوبين على السلطة، تفسد وتنهب بطرق قانونية، تتبعهم مجموعات من تجار الحروب، لا تهمها إلا الثروة، سخرت لهذه نوعية السلطة الفردية، والتي أدت إلى تعميق البيروقراطية والفساد الإداري، وغيرها من الإشكاليات التي تظهر مع تفاقم الشمولية في النظام، وكانت من نتائجها الحادثة المزرية الأخيرة التي حدثت ضمن برلمان كوردستان، وتمدّيد خدمة البرلمانيين وعددهم 111 لعام إضافي مرجئاُ الانتخابات، على خلفية نزاعات سياسية بين الحزبين حول كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية، الحدث الذي أستند عليه المحكمة الاتحادية العليا لإصدار قرارها الباطل. وقبلها قطع العلاقة لعدة مرات ما بين السليمانية وهولير. وإغلاق معبر سيمالكا ما بين الإقليم الفيدرالي وغربي كوردستان، دون الاعتبار إلى أن المعاني من كل هذه الإشكاليات هو الشعب وليست الأحزاب أو السلطة في الطرفين. هذا الواقع الكوردستاني عكست ضحالة الوعي، ومدى عمق الكراهية بين الأطراف الموجودة في البرلمان الكوردستاني، والتي تشترك في الحكم، وتقع مسؤولية هذا الواقع المزري على كل الأحزاب الكوردستانية بدون استثناء. لن نأتي على كل السلبيات التي يعاني منها الإقليم الكوردستاني، ولا على سلبيات الصراع الحزبي فيه، وهي عديدة، وربما بعضه يمكن تبريره لقصر العمر الزمني للإقليم، مقارنة بالفترة الزمنية التي تحتاج إليها الدول لبناء ذاتها، فعمر الإقليم الكوردستاني مقارنة بعمر الدول الإقليمية لا شيء، لذلك فهذا الصراع الداخلي والسلبيات سهلت لحكومة بغداد العنصرية ولأئمة ولاية الفقيه محاربة حكومة الإقليم الكوردستاني القليلة الخبرة في الخباثة السياسية وتلاعب المؤامرات الدبلوماسية. لذلك لم تمضي عقد من الزمن على محاولات بناء العراق الفيدرالي لتظهر أول المؤامرات لتقويض سلطة الإقليم الكوردستاني، وتحجيم دورها داخليا وخارجيا، وتقليص جغرافيتها إلى الثلثين من مساحتها الأصلية والتي يجب أن تكون عليه، ولا يستبعد أن تخرج بغداد بقرارات أخرى ضد حكومة الإقليم، تؤثر على علاقاتها الخارجية من الأبعاد السياسية والدبلوماسية، والاقتصادية وحتى ربما الثقافية. لا خلاف على أن قوة حكومة كوردستان ومواجهة بغداد وتجاوزات العنصريين المتسلطين على السلطة، تكمن بمدى التوافق بين الأطراف الكوردية المتصارعة، وتنازلهم للبعض، والابتعاد عن الاستئثار بالسلطات الثلاث، وتطبيق الديمقراطية. دونها لا نستبعد أن يتم تمرير هذا القرار وربما غيره لاحقا، وقد يوافق عليه بعض الأطراف الكوردستانية، وبالتالي تصبح في حكم التطبيق، ويعود الصراع بين هولير وبغداد إلى ما كانت عليه في الماضي الكارثي. علما أن الصراع اليوم يختلف عما كانت عليه سابقا، من حيث الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية وجلها ليست في صالح كوردستان.د. محمود عباسالولايات المتحدة الأمريكية
01/6/2023م