وجه رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، اليوم الأحد، رسالة شديدة للأطراف السياسية في العاصمة بغداد، وفيما أكد عدم تنازل كردستان عن حقوقها، أشار الى أن مشكلته لا تقتصر على قضية الرواتب والمسائل المالية.
وقال بارزاني خلال مؤتمر (كردستان مهد التعايش السلمي)، بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية، وتابعته السومرية نيوز، إن “إقليم كردستان ماضٍ نحو ترسيخ ثقافة التعايش التي يتميز بها”، مشدداً على “عدم التنازل عن الحقوق التي كفلها الدستور لمواطني الإقليم”.
وطالب رئيس حكومة كردستان، سلطات بغداد بـ”احترام الدستور وأخذ العبر من التاريخ، إذ أن ما يمكن أن نحققه بالسلام والاستقرار لن يتحقق بالحرب والظلم وفرض الإرادات”.
وفيما يلي نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة…
نرحب بكم، ونثمن جهود وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في تنظيم هذه المناسبة في اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية.
على امتداد تاريخ البشرية وإلى يومنا هذا، أدت الخطابات والشعارات العدائية والتحريض على العنف إلى كوارث جسيمة، وحتى في عصر التقدم والتكنولوجيا الحالي، لا تزال هذه الخطابات مثيرة للقلق، إذ نرى عواقبها جلّية للعيان، فالحروب وأعمال العنف ما زالت تدور رحاها في العديد من البلدان والمناطق في العالم.
السيدات والسادة:
كما ورد في الشعار التي حملته هذه المناسبة، كانت كوردستان على مر الزمان مركزاً للتعايش السلمي، وقد احتضنت منطقتنا هذه، منذ آلاف السنين، تنوعاً من مختلف القوميات والديانات والمعتقدات، وأصبح التعايش وقبول الآخر جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا ونمط حياتنا.
يتعايش، في معظم أرجاء كوردستان، الكورد والتركمان والكلدان والآشوريون والسريان والأرمن والعرب، ويعيش المسلمون والمسيحيون والإيزيديون واليهود جنباً إلى جنب، وفي أوقات الشدّة يمدّون يدّ العون إلى بعضهم بعضاً.
شخصياً أنتمي إلى منطقة تحتضن المسجد والكنيسة والكنيس وكلها تقع في نفس القرية، وسأظل افتخر واعتز دائماً بهذه الثقافة، وسأبذل قصارى جهدي للحفاظ على هذه الثقافة الرائعة وترسيخها.
أيها السيدات والسادة
على الرغم من أن إقليم كوردستان يعد مركزاً وملاذاً لجميع القوميات والأديان والمذاهب التي شعرت تحت ظلاله بالسلام والطمأنينة، ومع ذلك تعرضت هذه الواحة المسالمة لهجمات من جانب من يتبنون الأفكار المعادية، محاولين تقويض ثقافة التعايش في الإقليم، بل ومحاولة محو وإبادة القوميات والأديان داخل كوردستان.
إن تاريخ وطننا الحديث يشهد بوضوح على المآسي التي عاناها بسبب الفكر الشوفيني والعدائي الذي ينفي وجود أمتنا. لقد تعرض بلدنا لكوارث فادحة وإبادات جماعية عديدة، فالتدمير والحرق ودفن الأحياء وحملات الأنفال والهجمات الكيميائية كانت نتيجة لهيمنة تلك الأفكار والعقليات التي ضربت المساواة والعدالة عرض الحائط، ورفضت الاعتراف بحقوق القوميات الأخرى.
اليوم، لم يبق الكثير من الذين هاجمونا، بيد أننا بقينا. وهذا لم يحدث إلا بفضل الحفاظ على هذه الثقافة وفكر التعايش.
يدرك الجميع أنه خلال ثورة أيلول، وعلى الرغم من أعمال القتل التي اُرتكبت ضد مواطنينا، أصر البارزاني الخالد على عدم السماح بأن تتحول هذه المعركة إلى صراع بين الكورد والعرب. بل كان يشدد دائماً على أن حربنا كانت ضد الأنظمة الاستبدادية، وليس ضد القوميات.
وخلال الانتفاضة، التي انطلقت بعد ثلاث سنوات فقط من حملات الأنفال والهجمات الكيميائية، تم أسر الآلاف من الجنود العراقيين في إقليم كوردستان، لكن فخامة الرئيس مسعود بارزاني دعا إلى احترامهم وحمايتهم.
إننا سنحافظ دوماً على هذه الثقافة الجميلة، وسيكون خطابنا مبنياً على المحبة والتعايش السلمي، واحترام المساواة والعدالة، ولن نسمح باستيراد أي فكر يدعو للكراهية أو العنف داخل الإقليم. وللأسف، يبدو أن البعض لم يستخلصوا العبر من دروس التاريخ، إذ نشهد محاولات جديدة لنشر الفكر الشوفيني وإلغاء الآخر وفرض الإرادات.
لقد قدمنا تنازلات جمة من أجل تأسيس عراق اتحادي وديمقراطي، وبذلنا أقصى جهودنا لإنشاء عراق جديد يشعر فيه كل مكون بوجوده وبضمان حقوقه وخصوصيته. ومع ذلك، نلاحظ أن هذه العملية تنحرف تدريجياً عن المسار المطلوب، وأن العراق يتجه باتجاه تجارب الماضي المرير.
هناك محاولات لانتهاك حقوقنا الدستورية، إلى جانب نشر خطاب الكراهية والعداء ضد إقليم كوردستان بطريقة مضللة، والادعاء بأن ازدهار إقليم كوردستان وتطويره يأتي على حساب أجزاء أخرى من العراق، إذ يريد هؤلاء بهذا الأسلوب إخفاء سوء إدارتهم وفسادهم وإهدارهم للثروة العامة.
في السنوات التي دار فيها اقتتال طائفي في أجزاء واسعة من العراق، أصبح إقليم كوردستان ملاذاً للجميع. فكل الطوائف التي كانت تتقاتل مع بعضها البعض في أجزاء أخرى من العراق أصبحت جيراناً لبعضها بعضاً في إقليم كوردستان.
وإبان الحرب ضد إرهابيي داعش، لاذ مئات الآلاف من المواطنين من باقي أجزاء العراق بالإقليم، ولا يزال معظمهم لا يريدون مغادرة المخيمات أو العودة إلى ديارهم، لأنهم ما زالوا يشعرون بالخوف وعدم الاطمئنان.
نحن فخورون بأن لدينا مثل هذه الثقافة، ويجب علينا جميعاً أن نسعى جاهدين لتطوير أفكارنا وروحية التعايش بيننا. وندعو الشعب والمسؤولين المخلصين في باقي أجزاء العراق إلى منع انتشار أفكار العنف وإنكار الآخر، واستخلاص العبر من التاريخ الدموي في العراق.
ولنعمل جميعاً نحو ترسيخ السلام والتسامح وتكريس إمكاناتنا من أجل ذلك، لنصبح عاملاً لإحلال السلام وإنهاء الحروب وإراقة الدماء، ليس في الإقليم والعراق فحسب، بل في جميع أنحاء المنطقة والعالم بأسره.
السيدات والسادة..
أخيراً، لا بد من التأكيد على أن الالتزام بالدستور العراقي يمثل الضمانة الوحيدة للاستقرار وحماية حقوق جميع المكونات العراقية.
لقد عانت كوردستان وجميع مكوناتها من محاولات عديدة للتطهير والنفي كحملات الأنفال والهجمات الكيميائية واحتلال الحرث والنسل وحرق الأخضر واليابس والتهجير وإلغاء الهوية القومية، لذلك نطالب بالتعويض عن كل ما لحق بنا من ظلم، وفقاً للدستور.
إن مشكلتنا لا تقتصر على قضية الرواتب والمسائل المالية، فهم الآن تجاهلوا وانتهكوا معظم حقوقنا الدستورية، وأحد الأمثلة الواضحة على ذلك هو التهديد المستمر الذي يتعرض له الفلاحون الكرد والتركمان في كركوك وضواحيها، حيث يتم الاستيلاء على أراضيهم الزراعية. يريدون ربط جميع حقوقنا بالمسألة المالية والرواتب، ومن ثم استغلال هذا الموضوع ضدنا.
وأطالب سلطات بغداد باحترام الدستور وأخذ العبر من التاريخ، إذ أن ما يمكن أن نحققه بالسلام والاستقرار لن يتحقق بالحرب والظلم وفرض الإرادات.
كما أدعو مواطني كوردستان المخلصين والأطراف السياسية في الإقليم، إلى عدم نسيان نضالات وتضحيات شعبنا، وعدم التخلي عن قيمهم العليا تحت أي ضغط أو من أجل المصالح الفئوية الضيقة، والمضي قُدما في ترسيخ هذه الثقافة واحترام القيم المقدسة التي نتميز بها، من أجل وطن مزدهر وقوي.