«انفجار داخلي كارثي»، هكذا حدد خفر السواحل الأميركي الذي عثر على حطام الغواصة “تيتان”، التي تشغلها شركة أوشن غيت إكسبيديشنز ومقرها الولايات المتحدة، السبب الرئيسي وراء دمار تلك الغواصة، التي كانت تقل 5 أشخاص في رحلة إلى السفينة تيتانيك التي غرقت قبل أكثر من 100 عام.
بدأت الأحداث تتصاعد عندما رصد نظام الكشف الصوتي العسكري السري ما اشتبهت البحرية الأميركية بأنه انفجار داخل الغواصة تيتان بعد ساعات فقط من بدء رحلتها، وعلى رغم أن ذلك الرصد لم يحسم الشكوك بأن صوت الانفجار جاء من “تيتان”، لكنه ساعد في تضييق نطاق البحث عن السفينة قبل اكتشاف حطامها، الخميس، وفق ما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
في تصريحات صحفية، تحدث الأدميرال في خفر السواحل الأميركي جون عن تفاصيل بشأن الواقعة. وقال، إن مركبة آلية يمكنها الغوص في الأعماق أرسلت من سفينة كندية اكتشفت “حقل حطام” من الغواصة “تيتان” في قاع المحيط على بعد حوالي 488 مترا من مقدمة السفينة تيتانيك، وعلى عمق 4 كيلومترات من سطح الماء، في زاوية نائية من شمال المحيط الأطلسي.
لكن الغواصة “تيتان”، المزودة بوسائل داعمة للحياة، منها أكسيجين لمدة 96 ساعة، وإمكانها الوصول إلى 4000 متر عمقا، فقدت الاتصال مع سفينة الدعم بعد مضي حوالي ساعة و45 دقيقة من رحلتها، في حادث مروع راح ضحيته 5 ضحايا من أثرياء العالم، حيث بلغت تكلفة الرحلة السياحية الاستكشافية إلى حطام تيتانيك، 250 ألف دولار للشخص الواحد.
مَن هم ضحايا الغواصة؟
كان من بين ركاب الغواصة “تيتان” المنكوبة الملياردير البريطاني هيميش هاردينغ (58 عاما)، وهو ملياردير بريطاني، ورئيس شركة “أكشن أفييشن” للطيران الخاص ومقرها في دبي، لا تقل ثروته عن مليار دولار، بحسب تقديرات صحيفة “ذا صن” البريطانية.
ولم يكن اسم هاردينغ غريبا على المغامرات، إذ إنه احتل عناوين الصحف في عام 2019 لكونه جزءًا من طاقم طيران حطم الرقم القياسي العالمي لأسرع طواف حول العالم عبر كلا القطبين. وفي عام 2020، أصبح هاردينغ من أوائل الأشخاص الذين غاصوا في منطقة “تشالنجر ديب” بأعماق المحيط الهادئ، والتي يُعتقد أنها أعمق نقطة في محيطات العالم. كما دفع مبلغا كبيرا من المال كي يستقل أحد صواريخ شركة “بلو أوريجين” للسياحة الفضائية المملوكة للملياردير جيف بيزوس.
شارك هاردينغ صورة لنفسه على إنستغرام، وكتب: “نظرًا لأسوأ شتاء في نيوفاوندلاند (الساحل الذي ترقد قبالته سفينة تايتانيك) منذ 40 عامًا، فمن المحتمل أن تكون هذه المهمة هي المهمة الأولى والوحيدة المأهولة إلى تايتنيك في عام 2023.. سنحاول الغوص غدًا”.
وأشادت عائلة هايميش هاردينغ به في بيان قائلة إنه “مستكشف شغوف” و”زوج محب وأب كرس حياته لابنيه.. ما حققه في حياته كان متميزا وإذا كنا سنواسي أنفسنا قليلا.. نقول إننا فقدناه وهو يفعل ما يحبه”.
خوف من الرحلة
ضمت الرحلة ركابا آخرين من بينهم شاه زاده داود (48 عامًا) رفقة نجله سليمان (19 عاما). وهو مستثمر في قطاعات الزراعة والصناعة والقطاع الصحي. والعائلة لديها مؤسسة تحمل اسم “داود”، تصنف ضمن أكبر الشركات في باكستان.
في حديث لشبكة “إن بي سي” الإخبارية، قالت عظمة شقيقة شاه زاده الكبرى، إن سليمان أبلغ أحد أقاربه بأنه “خائف من الذهاب في الرحلة”، إلا أنه يريد إرضاء والده الذي كان مفتونا بـ”تايتانيك”. وأضافت: “أفكر بسليمان الذي لم يتجاوز عمره 19 عاما وهو تحت الأعماق ويلهث لالتقاط أنفاسه”. وقالت، إن شاه زاده مهووس بالسفينة “تايتانيك” منذ صغره، حيث كان يشاهد عندما كان طفلا في باكستان A Night to Remember، وهي دراما بريطانية عن غرق سفينة رحلات بحرية تعود لعام 1958.
ووفقًا لصحيفة “ديلي ميل”؛ ولد شاه زاده داود في باكستان لكنه انتقل إلى المملكة المتحدة وأصبح مواطنًا بريطانيًا. هو واحد من أغنى الرجال في باكستان.
قائد «رحلة الموت»
اختفى ستوكتون راش، 61 عاما، يوم الأحد مع 4 آخرين على متن غواصة “تيتان” التابعة لشركة “أوشن غايت اكسبديشن”، خلال نزولها لمدة 8 ساعات على ارتفاع 12500 قدم، إلى قاع المحيط الأطلسي قبالة ساحل نيوفاوندلاند بكندا.
قال راش في مقابلة بثت على شبكة “سي بي إس” نوفمبر من العام الماضي، إن حلمه كان أن يصبح رائد فضاء، وبعد حصوله على شهادته، طيار مقاتل.
راش هو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “أوشن جيت إكسبيديشنز”، التي تدير الغواصة المنكوبة، وكان هو قائدها خلال الرحلة. وقامت شركته بأول رحلة غواصة مأهولة ناجحة لحطام تايتنيك في عام 2021. وعلى موقعها الإلكتروني، تفتخر الشركة بأن غواصة “تيتان” التي تتسع لخمسة ركاب يمكنها الغوص على عمق 13000 قدم بضغطة زر واحدة.
تخرج في جامعة برينستون بقسم هندسة الطيران عام 1984، بينما في عام 2009، أسس “أوشن جيت”، وهي شركة خاصة مقرها في إيفريت الأميركية. وفي عام 1989 صنع بنفسه طائرة تجريبية.
نهاية نارجوليه بعد 35 غطسة ناجحة
بول هنري نارجوليه (77 عامًا)، كان خامس ضحايا الغواصة المنكوبة “تيتان”، وهو خبير بحري فرنسي زار موقع حطام تيتانيك 35 مرة.
كان نارجوليه مدير الأبحاث تحت الماء في شركة “آر إم إس تيتانيك”، وهي شركة أميركية تمتلك حقوق إنقاذ الحطام الشهير وتعرض العديد من القطع الأثرية في معارض تايتنيك. سبق له أن قاد أول رحلة استكشافية إلى تيتانيك في عام 1987.
وأجرت شركته 8 بعثات بحث واسترداد بين عامي 1987 و2010، وفقا لموقعها على الإنترنت.
لغز مثير
أثيرت أسئلة حول سلامة الغواصة “تيتان” في عام 2018 خلال ندوة لخبراء صناعة الغواصات وفي دعوى قضائية رفعها رئيس العمليات البحرية السابق في أوشن غيت وتمت تسويتها في وقت لاحق من ذلك العام.
وبدأت الغواصة السياحية التي يبلغ طولها حوالي 6,5 أمتار رحلتها الأحد وكان يفترض أن تطفو على السطح بعد سبع ساعات، لكن الاتصال فُقد بعد أقل من ساعتين من إبحارها، وهي تتمتع نظريا بقدرة على الغوص لمدة 96 ساعة.
وقال المدير السابق للعمليات البحرية في الشركة إن كوة الرؤية في مقدم الغواصة صممت لتحمل الضغط على عمق 1300 متر وليس أربعة آلاف متر.
وغرقت سفينة “تاتانيك” في رحلتها الأولى في أبريل/ نيسان 1912 بعدما اصطدمت بجبل جليد ما أدى إلى غرق 1500 من ركابها وأفراد طاقمها. وعثر على حطامها في 1985 على مسافة 650 كيلومترا من السواحل الكندية في المياه الدولية للمحيط الأطلسي. ويستقطب الحطام منذ ذلك الحين صائدي كنوز وسياح.