قبل أكثر من 37 عاماً، دشنت بغداد ساحة احتفالاتها التي ارتبطت في ذاكرة العراقيين بعيد تأسيس الجيش وبأحداث سياسية كبيرة شهدتها البلاد، كانتهاء الحرب العراقية الإيرانية ثمانينيات القرن الماضي، وإعلان النصر على تنظيم داعش عام 2017 ، كما ارتبط اسمها بواحدة من أشهر محاولات الانقلاب أوائل التسعينيات.
تقع ساحة الاحتفالات في جانب الكرخ من بغداد، وأرضها كانت جزءاً من متنزه الزوراء الذي اقتطعت منه قبلها مساحة واسعة لبناء نصب الجندي المجهول، الذي صممه النحات العراقي خالد الرحال، وجرى افتتاحه عام 1983، وهو ذات النحات الذي صمم بعدها بثلاث سنوات قوس النصر ليكون أبرز معالم ساحة الاحتفالات.
تبلغ مساحة الساحة 45 ألف متر مربع (250 دونماً)، بحسب المتحدث باسم أمانة بغداد، محمد الربيعي.
يقول لـ”ارفع صوتك”: “بدأ العمل على تأسيسها عام 1982 من قبل النظام العراقي السابق، واشتهرت بنصب النصر، وهو عبارة عن سيفين متقاطعين أحدهما يقع في مدخل ساحة الاحتفالات، والثاني في نهايتها، وهما يمثلان أيادي الجيش العراقي، وتمر من خلالهما الاستعراضات العسكرية التي تقام احتفالاً بالسادس من يناير سنوياً، أي في عيد الجيش العراقي”.
ويوضح الربيعي: “تنقسم الساحة إلى جهتين، اليمنى حيث تقع المنصة الوطنية للاحتفالات التي تتضمن قاعات كبيرة للاجتماعات ومتحفاً لمقتنيات العراق من الهدايا التي تقدمها دول العالم، لكنه فارغ حالياً. واليسرى، تديرها وزارة الثقافة، وتتضمن مسرحاً وسينما المنصور ومسرحاً خاصاً بالطفل يحمل اسم الفانوس السحري، بالإضافة إلى عدد من قاعات العرض الفنية والمطاعم والكافتيريات والأكشاك الثابتة لخدمة الجمهور”.
كما تحتوي الساحة على “رموز وأبنية تمثل التراث البغدادي القديم أهمها الشناشيل، وكذلك بحيرة اصطناعية عند المنصة بثلاث نافورات راقصة، يتم تزويدها بالماء عبر شبكات مياه خاصة تنزل على شكل نهر باتجاه مسرح المنصور ومسرح الطفل”، وفق الربيعي.
ويشير إلى أنها ترتبط بمتنزه الزوراء عبر بوابة كبيرة، إلا أنها مغلقة حالياً، وسيتم افتتاحها لاحقاً لتسهيل وصول روّاد المتنزه إلى الساحة.
احتفالية مجلس التعاون العربي
في فبراير 1989، شهدت بغداد احتفالات عسكرية وشعبية ضخمة، دُعي فيها العديد من قادة الدول والشخصيات العربية والأجنبية، بالتزامن مع توقيع اتفاقية تأسيس مجلس التعاون العربي. وقالت الحكومة حينها إن سبب تأسيسه كان “في إطار التفاعل والتطوّر الطبيعي للعلاقة بين العراق والأردن ومصر واليمن”.
أطلق على هذه الاحتفالية اسم احتفالات الفاو الكبرى (كانت إيران احتلت شبه جزيرة الفاو لعامين قبل تحريرها في أبريل 1988، وانتهت الحرب بعدها بنحو أربعة أشهر). وخلال ذلك الاحتفال تقدمت الأفواج العسكرية لأول مرة باستعراضها بين جزئي قوس النصر الذي جرى تدشينه في ذلك اليوم.
وحضر الاحتفال ستة من رؤساء الدول وهم ملك الأردن الحسين بن طلال والرئيس اليمني علي عبد الله صالح والرئيس المصري حسني مبارك والرئيس السوداني عمر البشير والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس جيبوتي حسن جوليد ورئيس موريتانيا معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.
لم تصمد اتفاقية مجلس التعاون العربي طويلاً، وانتهت قبل مرور عام من توقيعها، إثر الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990.
محاولة انقلاب
مستلهمين خطتهم من حادث اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، اتفق عسكريون وضباط من الجيش العراقي ومن داخل القصر الجمهوري برُتب مختلفة معظمهم من عشيرة الجبور، يقودهم النقيب سطم الجبوري، على اغتيال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين خلال الاستعراض العسكري السنوي على ساحة الاحتفالات في السادس من يناير 1990.
وكانت الخطة تقضي بأن يقع الهجوم خلال العرض العسكري على الهواء مباشرة، أثناء مرور فرقة الدبابات التي كان يُفترض أن تقوم إحداها بقصف المنصة، وفي الوقت ذاته تقوم إحدى الطائرات المشاركة بالاستعراض الجوي بإطلاق صاروخ على المنصة.
شارك في مخطط الانقلاب عدد من عناصر الحماية الخاصة بالقصر الجمهوري، التي كان مخططاً لها الاستيلاء على القصر الرئاسي وتصفية من فيه من القيادات، والسيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى السيطرة على بعض الوحدات العسكرية، فالهدف لم يكن فقط اغتيال الرئيس بل تغيير نظام الحكم بأكمله.
لكن الاستعراض العسكري في ذلك اليوم سار بشكل طبيعي كما تم التخطيط له رسمياً، وكان الرئيس العراقي برفقة ملك الأردن يحيي الكراديس بوجه متجهم.
وعُرف لاحقاً، أن الانقلاب فشل بسبب وشاية لم يُعرف صاحبها في ذلك اليوم، وألقي القبض على المخططين وأُعدِم العسكريون منهم رمياً بالرصاص، فيما حكم بالإعدام شنقاً حتى الموت والحبس المؤبد على المدنيين.
بعد هذه الحادثة بنحو ثمانية أشهر، اجتاح الجيش العراقي الكويت.
ما بعد 2003
بعد سقوط نظام البعث عام 2003، سيطرت القوات الأميركية على ساحة الاحتفالات واتخذت منها ومن منشآتها مقراً لها.
يبيّن الربيعي لـ”ارفع صوتك”: “أُغلقت المنطقة أمام الجمهور بالكامل، ثم تحولت إلى السلطة العراقية عام 2006، وجرى اعتبارها جزءاً من المنطقة الخضراء المُحرّم الدخول إليها إلا من الجهات الأمنية، حيث تمركزت فيها الفرقتان الأولى والثانية”.
ويضيف: “جرى افتتاح المنطقة مرات عديدة بشكل جزئي من قبل رؤساء وزراء سابقين، وشهدت عدة استعراضات عسكرية واحتفالات ومظاهرات، كما تمت إزالة أغلب الكتل الكونكريتية و افتتاح مسرح المنصور عام 2019”.
وتشهد ساحة الاحتفالات بشكل دوري استعراضا عسكرياً بالتزامن مع عيد تأسيس الجيش العراقي في السادس من يناير من كل عام، كما تشهد احتفالات شعبية في المناسبات الوطنية، كيوم إعلان النصر على داعش بدعوة من رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، والاحتفال الشعبي بفوز المنتخب العراقي ببطولة كأس الخليج أوائل العام الحالي.
وفي عام 2019 جرى افتتاح مجمع المنصور في ساحة الاحتفالات، بعد إزالة 600 كتلة كونكريتية كانت تحيط به مع المنشآت الأخرى لـ15 سنة، ليعود ويستقبل العروض المسرحية والحفلات الموسيقية منذ ذلك التاريخ.
في الساحة أيضاً، تجمهر أنصار التيار الصدري وأتباعه في صيف 2022 للتظاهر وإقامة صلاة الجمعة، بعد مطالبات بحل البرلمان وإعادة الانتخابات احتجاجا على تأخر تشكيل الحكومة واختيار السوداني لرئاسة الوزراء، وكانت تلك أول مرة تشهد فيها الساحة تجمعات احتجاجية منذ تأسيسها.
وبحسب الربيعي، فإن إعادة تأهيل الساحة هذه المرة “ستكون مختلفة وشاملة، بعد أمر من رئيس الوزراء محمد السوداني برفع القوات الأمنية منها، وتسليمها إلى أمانة بغداد لتكون تحت إدارتها وإشرافها”.
وبدأت أمانة بغداد فور استلامها للساحة بإعادة إعمارها، حيث استبدلت التربة القديمة لـ50 دونما بأخرى جديدة، وزرعت أكثر من 200 ألف متر مربع من النجيل والمرشات ضمن الجانب الأيسر المقابل للمنصة.
ويؤكد الربيعي أن افتتاح الساحة، سيتم عبر مرحلتين، الأولى مع أول أيام عيد الأضحى الحالي، والثانية في شهر أغسطس المقبل حيث سيتضمن الافتتاح فعاليات فنية متنوعة على مدى سبعة أيام، وسيتم فتح بوابتها المطلّة على متنزه الزوراء.
ميادة داود