يعود تاريخ تواجد الأحزاب الكردية المعارضة لإيران في كردستان العراق إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، إثر القمع الذي مارسه نظام ولي الفقيه بقيادة روح الله الخميني ضد الكرد واعتباره إياهم “كفاراً”، إبان سيطرته على الحكم في إيران في انقلاب عام 1979.
ويخوض الكرد في إيران منذ بداية القرن العشرين حتى اليوم، نضالاً ضد الأنظمة الإيرانية المتعاقبة، انقسم بين السياسي والجماهيري وآخر مسلح، قابله العنف المفرط من الأنظمة.
استقرت هذه الأحزاب في كردستان بموافقة من النظام العراقي السابق الذي كان يخوض الحرب مع إيران، وكانت مقراتها تنتشر في مناطق بازيان وقسلان وبمو وزركويز وأطراف السليمانية وأطراف محافظة أربيل وفي جبال قنديل، ورغم تواجدها في ظل سيطرة النظام السابق، الا انها تمتعت بعلاقات سرية قوية مع كافة أحزاب كردستان العراق التي كانت تقاتل النظام السابق لنيل حقوق الشعب الكردي.
وكانت الأحزاب الإيرانية الكردية توفر الغطاء للأحزاب الكردية في العراق خلال مقاومتها لنظام حزب البعث، حتى أنها كانت تنقل جرحى بيشمركة كردستان العراق تحت غطاء مقاتليها إلى بغداد والمدن الأخرى لمعالجتهم، ثم تعيدهم إلى مواقعهم.
وما زالت متمسكة بعلاقاتها الوثيقة مع الأطراف السياسية في إقليم كردستان، لذلك يرى مراقبون للشأن الكردي أنه من الصعب أن يرضخ الإقليم لمطالب النظام الإيراني في نزع سلاح هذه الأحزاب وإغلاق مقراتها وتسليمها إلى الحكومة العراقية.
ويبلغ عدد الأحزاب الإيرانية الكردية المعارضة عشرة تقريبا، غالبيتها مسلحة. نذكر منها: الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وأجنحة حزب الكوملة الكردستاني الثلاثة، وحزب الحرية الكردستاني (باك)، وحزب الحياة الحرة الكردستاني (بيجاك) الجناح الإيراني لحزب العمال الكردستاني المعارض في تركيا، وحزب “كومنيست” الإيراني، ومنظمة النضال الكردستاني في إيران وحزب سربستي كردستان وحزب استقلال كردستان.
وأوقفت هذه الأحزاب نشاطاتها وشن الهجمات والعمليات العسكرية ضد إيران انطلاقا من أراضي كردستان العراق، ملتزمة بالتعهدات التي قطعتها على نفسها لحكومة الإقليم، وفق تصريحاتها وبياناتها.
ولا تمتلك سوى بعض المقرات في إقليم كردستان وهي مقرات سياسية، أما مقاتلوها فيتواجدون في المناطق الجبلية الوعرة الواقعة بين كردستان العراق وإيران، فيما يتركز نشاطهم السياسي والجماهيري داخل المدن الكردية في إيران.
وتنتشر مقرات ومخيمات الأحزاب واللاجئين الإيرانيين الكرد في أطراف محافظات أربيل والسليمانية وحلبجة، وكانت خلال السنوات الماضية هدفا للعديد من الهجمات الجوية والبرية التي يواصل الحرس الثوري الإيراني شنها على الإقليم منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن.
وتشير إحصائيات غير رسمية ألى أن أعداد اللاجئين الإيرانيين الكرد في كردستان العراق بلغ حتى نهاية العام الماضي نحو 35 ألفا غالبيتهم من الأطفال والنساء، وتعرضت مخيماتهم في سبتمبر 2022، لهجوم عنيف استخدم خلاله الحرس الثوري مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المفخخة، أسفرت عن مقتل أكثر من 17 شخصا، فيما أشارت مصادر صحية في الإقليم إلى أن أعداد الجرحى تخطى 58 جريحا.
وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي لجميع هذه الأحزاب يتمثل في “نيل حقوق الكرد في إيران وتحرير أراضيه من النظام الإيراني”، إلا أن مطالبها تختلف من حزب لآخر.
الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الكوملة يمثلان أقدم هذه الأحزاب، ويطالبان بـ”النظام الفيدرالي وتأمين حقوق الكرد في إطار إيران فيدرالية ديمقراطية”، ويؤكدان أن “النظام الفدرالي لن يتحقق إلا بتغيير النظام الحالي في طهران”.
بينما يطالب حزب الحرية الكردستاني (باك)، بـ”استقلال كردستان إيران وتحرير كافة مدنه من النظام الإيراني وإنشاء دولة كردية”، يشاركه في هذا المطلب حزبا “سربستي كردستان” وحزب “استقلال كردستان”.
أما حزب النضال الكردستاني، فيطالب بـ”الحكم الذاتي للكرد وتأمين كافة حقوق الشعب الكردي في إطار إيران”، وهو متحالف مع “حركة مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة.
ويطالب حزب الحياة الحرة (باجاك)، وهو الجناح الإيراني لحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، بـ”نظام الإدارة الذاتية في كردستان إيران”، في وقت يدعو حزب “كومنيست” إلى “منح الكرد في إيران حق تقرير المصير كي يقرروا مستقبلهم بأنفسهم”.
وبحسب قيادات كردية، أنشأ الحرس الثوري الإيراني خلال السنوات الماضية العديد من القواعد العسكرية في المرتفعات الحدودية مع إقليم كردستان العراق، وكثف من تحشيد قواته المدججة بالدبابات والمدافع الثقيلة على الشريط الحدودي مع انطلاقة الاحتجاجات الشعبية في إيران العام الماضي، عقب مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني على يد شرطة الآداب الإيرانية بحجة عدم التزامها بالحجاب.
وتتهم إيران الأحزاب الكردية المعارضة بتنظيم هذه الاحتجاجات وقيادتها في المدن الكردية داخل إيران، وغيرها من المناطق.
وشن النظام في طهران بالتزامن مع هذه الاحتجاجات هجمات صاروخية ومدفعية، واستخدم الطائرات المسيرة في قصف القرى والبلدات الحدودية في كردستان العراق بحجة استهداف هذه الأحزاب ومقراتها خلال الأشهر الماضية، ما أسفر عن إلحاق أضرار مادية بالقرى والغابات والمزارع، وأدت إلى تهجير المئات من السكان المحليين.
دلشاد حسين