باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
تحتل قضية أسرى الحرية مكانة هامة في وجدان الشعب الفلسطيني، وتحرير الأسرى هي أمر ملح ومن أولويات أجندة النضال الوطني، يلزم السلطة الوطنية والفصائل الفلسطينية السعي الدائم بكل الوسائل لإجبار الاحتلال على تحرير الأسرى بصفقات تبادل دون مساومة على حرية أي أسير، بما يقتضي تبييض السجون، إعلاءً لشعار «نحن قوم لا نترك أسرانا في سجون العدو»، وتحريرهم ضرورة وطنية مهما بلغت وغلت أثمان ذلك.
تمارس اسرائيل سياسة الإهمال الطبي والموت البطيء وتتعمد إدارة مصلحة السجون نشر الأمراض، والقيام بتعذيب الأسرى داخل زنازين الاحتلال، مما يؤثر على حياتهم وصحتهم وأجسادهم، أدى ذلك إلى استشهاد 238 فلسطينياً من الحركة الأسيرة منذ العام 1967، حتى أن الأسير الذي يقضي فترة حكمه ويطلق صراحه لا يخرج من سجون الاحتلال سالماً معافى بل مصاباً بمرض عضال.
وتشير الإحصائيات إلى وجود قرابة ألف وسبعمئة أسير يعانون من أمراض مختلفة، بينهم مئة وثمانون أسيراً يعانون من أمراض خطيرة، وخمسة وعشرون أسيراً يعانون من مرض السرطان، بالإضافة إلى سبعين أسيراً يعانون من إعاقات جسدية ونفسية وحسية.
تصاعدت الإجراءات القمعية في سجون الاحتلال مع تعيين إيتمار بن غفير (زعيم حزب “القوة اليهودية” اليميني المتطرف) وزيراً للأمن القومي، ومنذ تسلمه منصبه أعلن أنه ماضٍ في مخططه باتجاه تبني قانون يفرض عقوبة الإعدام على الأسرى، وهو ما يعكس توجهاً حكومياً إسرائيلياً معلناً لاغتيال ممنهج للأسرى عن سبق إصرار وانتقام لاسيما بعد عملية طوفان الأقصى، وتُحمّل الفصائل الفلسطينية وهيئة شؤون الأسرى إسرائيل كامل المسؤولية عن حياة الأسرى، وسط الصمت المريب لمنظمة الصليب الأحمر الدولي حيال موقفها ودورها تجاه الأسرى في هذه المرحلة الخطيرة. وما جرى مع الشهيد خضر عدنان طوال فترة إضرابه المفتوح عن الطعام إلى يوم استشهاده دون مبالاة بحقه في الحياة تعد جريمة قتل متعمد.
شرعت قوات الاحتلال ومنذ إعلان الحرب على غزة بحرب أخرى على الأسرى عبر قطع الماء والكهرباء ومصادرة أدواتهم الكهربائية، ومنعتهم من الخروج إلى ساحة السجن، وأغلقت المطبخ ودكان السجن، وحددت كميات الطعام بوجبتين فقط يومياً، ومنعت العلاج وقطعت الاتصال معهم ومنعت المحامين من زيارتهم، وكدَّست أعدادهم في الغرفة الواحدة، ومنعت وضع أسرى «حماس» و«فتح» في أقسام واحدة، وإلغاء مهام الممثلين عن الأسرى أمام مصلحة السجون، وتقليص عدد زيارات عائلات الأسرى، مرة واحدة كل شهرين، بدلاً من زيارة مرة كل شهر، وغير ذلك من عمليات الانتقام الإسرائيلية بحق الأسرى تشمل سلسلة قرارات تمس أوضاعهم الحياتية والحقوقية حيث تنفذ مصلحة السجون الإسرائيلية خطة شاملة للتضييق على الأسرى الفلسطينيين وفق رؤية بن غفير، الهدف من ذلك تحويل حياة الأسرى الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق.
وقد تصاعدت هذه الإجراءات في الأسابيع الماضية، وكشف نادي الأسير الفلسطيني أن قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات واسعة في الضفة الغربية، وهي حملة متصاعدة بشكل غير مسبوق منذ السابع من تشرين الأول /أكتوبر الجاري، تاريخ إطلاق فصائل المقاومة في غزة عملية طوفان الأقصى.
حيث شنت السلطات الإسرائيلية حملة اعتقالات طالت نحو 1500 أسيراً فلسطينياً اعتقلتهم إسرائيل منذ بدء طوفان الأقصى، معظمهم من قيادات وكوادر حركة حماس، تعرضوا للتعذيب والتنكيل، اتهمت هيئة شؤون الأسرى والمحررين إسرائيل بممارسة التعذيب والعقاب الجماعي بحق هؤلاء المعتقلين الفلسطينيين وقد تجاوز عدد المعتقلين في سجون الاحتلال عن 6500 من رجال ونساء وأطفال.
وبينت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير أن الاحتلال ينتهج الاعتقال وسياسة التهديد، والضرب بحق المعتقلين،
وقد اعتقل الشيخ عمر دراغمة (58 عاما) القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واقتاده الجنود بالضرب والدفع من منزله في مدينة طوباس في 9 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، مكبلاً ومعصوب العينين، وبعد أسبوعين من اعتقاله، وبالتحديد في 23 تشرين الأول /أكتوبر الجاري، أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن الأسير عمر دراغمة تدهورت حالته الصحية بشكل أدى لاستشهاده في سجن مجدو بعد تحويله للاعتقال الإداري، ووفق المحامي أنه تعرض لتعذيب شديد وضرب أدى إلى إصابته بنزيف بالمعدة سببت وفاته.
كما اعتقل عرفات حمدان (25 عاما) بشكل وحشي مع 18 أسيرا ًمن قرية بيت سيرا قرب مدينة رام الله، من بينهم 6 أطفال، استشهد الأسير عرفات حمدان، بعد يومين من اعتقاله ولم يكن يعانِي أي أمراض غير السكري، ما تعرض له عرفات هو قتل متعمد ناجم عن حقد مع سبق الإصرار، وأكدت هيئة شؤون الأسرى أن الاحتلال يرتكب جرائم قتل ضد الأسرى، وحذرت من عمليات تصفية في السجون.
وخلال مؤتمر صحافي بمدينة رام الله حول «مستجدات قضية الأسرى والانتهاكات المتصاعدة بحقهم وحق عائلاتهم»، دعا مجلس الوزراء الفلسطيني الأطراف السامية في اتفاقية جنيف الرابعة لعقد اجتماع عاجل لحماية الأسرى، واحترام المواثيق الدولية، ووقف سياسة الاعتقال الإداري، وتطبيق المعايير الدولية على الأسرى وفق اتفاقية جنيف الرابعة، كما طالب الجمعية العامة للأمم المتحدة بعقد جلسة خاصة لاستصدار قرار يحمّل فيه إسرائيل المسؤولية القانونية والجنائية عن سياسية الإهمال الطبي والقتل العمد لأسرانا في السجون، والإفراج عن الأسرى المرضى والنساء والأطفال.
يبدو أن مؤسسات دولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر تقاعست عن تحمّل مسؤولياتها تجاه الأسرى والأسيرات، خاصة بعد اغتيال أسيرين خلال 24 ساعة فقط، دون توفر معلومات دقيقة حول ظروف استشهادهما، مما جعل
النشطاء وأهالي الأسرى يتهمون هذه المؤسسات بالتقصير في أداء دورها في حماية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وخاصة في هذه الظروف التي تستغل فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي الحرب على قطاع غزة للانفراد بتعذيب الأسرى، والتنكيل بهم في ظل التعتيم على وضع السجون، وتصعيد حملة الاعتقالات خلال الأسابيع الثلاث الماضية، فمنذ بداية الحرب على غزة لا توجد أخبار عن الأسرى، وسُحبت كل الإنجازات التي كانوا قد حصلوا عليها بالدم والإضرابات.
وكشفت هيئة شؤون الأسرى تفاصيل اقتحام سجن الدامون (سجن الأسيرات) يوم الخميس 19 تشرين أول/ أكتوبر من قبل قوة كبيرة من السجانين، محاولةً إفراغ محتويات الغرف، وعندما اعترضت الأسيرات على ذلك تعرضن للضرب وإلقاء قنابل الغاز في الغرف دون مراعاة للقاصرات وكبيرات السن والمريضات، وتم وضع عدد منهن في العزل الانفرادي.
أغلق أهالي أسرى ونشطاء فلسطينيون صباح اليوم الخميس 26/10/2023، مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة البيرة، لنحو ساعة، احتجاجاً على ما يقولون إنه تخلٍّ من هذه المؤسسة الدولية عن دورها تجاه الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. وأمهل النشطاء وأهالي الأسرى اللجنة الدولية خمسة أيام لاتخاذ خطوات عملية في ملف الأسرى بشكل جدي، مهددين باتخاذ خطوات تصعيدية أكبر في حال عدم القيام بذلك، وسلموا رسالة عن مطالبهم لإدارة مكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر تحت عنوان «حياة الأسرى والأسيرات والمعتقلين والمعتقلات مقدسة ولن نبقى مكتوفي الأيدي» متوعدين بإغلاق كافة مكاتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الضفة الغربية إذا لم يقوموا بواجبهم على أتم وجه، والعمل على وقف الإجراءات الانتقامية التعسفية التي تمارَس بحق الأسرى والأسيرات في السجون، والضغط على الجهات المختصة لوقف مثل هذه الإجراءات، مؤكدين أن على اللجنة الدولية للصليب الأحمر تحمّل مسؤولياتها تجاه هذا الأمر، والتحرك الفوري والعاجل لرصد ظروف الأسرى الصعبة في ظل حالة عزل يقبعون بها، وفي ظل حصارهم في الغرف، وخطورة الأوضاع في سجون الاحتلال وتعرض الأسرى لعملية انتقام عنيفة في حالة تفتقر لأدنى مقومات الإنسانية، يتعرضون لاقتحامات وتفتيش مكثفة، مشبهة حالة السجون بسجني أبو غريب وغوانتانامو، مما يتوجب أن تنشر اللجنة الدولية ما تواجهه، ويواجهه الأسرى في سجون الاحتلال على العلن والقيام بالدور المنوط بها، وعدم تبني رواية الاحتلال.
في حين تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الانتهاكات بحق الأسرى والأسيرات الفلسطينيين، الخطيرة وغير المسبوقة، وتقوم بحملات الاعتقال المكثفة والعنيفة في الضفة الغربية، نرى في الجانب الآخر أن كتائب القسام تقوم بمبادرات لإطلاق سراح أسرى لديها لأسباب إنسانية.
كانت كتائب القسام قد أفرجت عن إسرائيليتين مسنتين مساء الإثنين (23 تشرين الأول /أكتوبر)، لتصبحا بذلك ثالث ورابع رهينة يفرج عنهم لأسباب إنسانية. وكان قد أفرج عن أول رهينتين مساء الجمعة 20 تشرين الأول /أكتوبر، وتحملان الجنسيّة الأمريكيّة، بعد الإفراج عن أم إسرائيلية وطفليها 11 تشرين الأول /أكتوبر.
تحتفظ كتائب القسام بنحو مئتي أسير، والبقية موزّعون لدى فصائل المقاومة الأخرى، في أماكن لا يمكن حصرها في ظل الوضع الميداني القائم، وليس واضحاً بعد عدد الأجانب الذين اقتادتهم حماس، علماً أن بينهم مزدوجي الجنسية، وبعضهم لا يحمل الجنسية الإسرائيلية، ينتمي الرهائن الأجانب إلى 30 جنسية مختلفة، قدموا بغرض السياحة، وقد جرى توقيف أغلبهم في غلاف غزة في الحفل الموسيقي الذي داهمته كتائب القسام، كان من الصعب التحقق من هويتهم أثناء المعركة، وأكد أبو عبيدة أنه سيُطلق سراحهم حين تسمح الظروف الميدانية بذلك.
أما العسكريون الاسرائيليون ومن بينهم رتب رفيعة، ترغب حركة حماس في مبادلتهم بأكثر من 6 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء ومرضى، يعانون في السجون الإسرائيل اشد المعاناة والقهر، وقد أوضحت حركة حماس مراراً أن التفاوض حول ملف الأسرى والرهائن، لن يبدأ قبل إنهاء الحرب على غزة، بالمقابل كان الموقف الأمريكي والإسرائيلي متعنتاً في الإصرار على إطلاق ما يسمونه «رهائن» دون قيد أو شرط، وماذا عن أسرى فلسطين؟. وبعضهم أمضى أكثر من أربعين عاماً في الأسر. وأمام الحقائق في الميدان عن استحالة الوصول إلى الأسرى الاسرائيليين وتحريرهم من قبضة الفصائل الفلسطينية من خلال عملية عسكرية شاملة أو عملية كوماندوس، شهد ملف الأسرى العسكريين والرهائن المدنيين الإسرائيليين والأجانب المحتجزين في غزّة، تطورات بارزة في يوم الخميس 26 تشرين أول/ أكتوبر، حين أبلغت إسرائيل وسطاء بينهم قطر ومصر أن إسرائيل مستعدة للنظر في صفقة تبادل أسرى واسعة النطاق مع حماس تؤدي إلى إطلاق سراح إسرائيليين لدى حركة حماس، تتضمن نقل الوقود لغزة، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، ووقف إطلاق نار، وأشارت تقارير إعلامية إلى اقتراب إبرام صفقة بين الفصائل الفلسطينية بغزة وإسرائيل، تشمل وقفا لإطلاق النار.
لم يصدر تعقيب من حماس بهذا الخصوص، وأعلنت كتائب القسام عن مقتل نحو 50 من الأسرى المحتجزين في غزة جراء غارات إسرائيلية، وكان المتحدث باسم كتائب القسام أعلن في بيان نقلته وسائل الإعلام يوم 16 تشرين الأول / أكتوبر، أنّ عدد القتلى من الرهائن نتيجة القصف الإسرائيلي بلغ 22 شخصاً من بينهم أجانب، وحسب احصائيات وزارة الصحة الفلسطينية، وحتى يوم الخميس 26 تشرين أول/ أكتوبر، نجم عن القصف الإسرائيلي استشهاد 7028 فلسطينياً، بينهم 2913 طفلاً و1709 امرأة و397 مسنا، وأصابت 18484 شخصاً، إضافة إلى أكثر من 1950 مفقوداً تحت الأنقاض.
وفي ظل مواصلة الجيش الإسرائيلي ولليوم الـ22 استهداف غزة بغارات جوية مكثفة دمّرت أحياء بكاملها وتصاعدها بشكل عنيف جداً في الليلة الماضية، وتسببت في قتل وجرح وفقد العشرات من الفلسطينيين في يوم واحد، فمن المرشح ازدياد أعداد القتلى من الأسرى الإسرائيليين والأجانب بالنيران الاسرائيلية. وعبرت الإدارة الأمريكية عن تصاعد مخاوفها بشأن مصير هؤلاء منذ إعلان الجيش الإسرائيلي استعداده لبدء عمليّة عسكرية في قطاع غزّة، لكن وسائل إعلام نقلت صباح 23 تشرين الأول /أكتوبر، أنباء عن قرار الجيش الإسرائيلي تأجيل هذه الحملة، استجابة لضغوط مارستها إدارة الرئيس الأمريكي، وتناقلت الصحف مخاوف لدى عائلات الأسرى، خشية أن يؤدي اجتياح إسرائيلي كامل إلى تعريض حياة الأسرى والرهائن للخطر الموت المحتمل، تعالت أصوات عائلاتهم للمطالبة بتحريرهم في أسرع وقت عبر صفقة تبادل، في الوقت الذي دعا فيه جنرالات سابقون ووزراء سابقون نتنياهو إلى عقد صفقة تبادل شاملة مع حماس.