رغم انخفاض درجات الحرارة، في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، توافد الفنلنديون الأحد الماضي، لاختيار
رئيس جمهوريتهم الثالث عشر والذي سيشغل منصبه لست سنوات قادمة، وبلغت نسبة اقبال الناخبين نحو
71 بالمائة. كان الأوفر حظا الذي فاز بالتصويت وبنسبة 51,6 بالمائة ألكسندر ستوب (65 سنة) مرشح
حزب الاتحاد الوطني الفنلندي، وهو حزب يميني تقليدي يعتبر من أقدم الاحزاب الفنلندية. وصفت
الانتخابات الرئاسية الحالية، بأنها صعبة، وتغلب فيها ألكسندر ستوب على منافسه بيكا هافستو (66
سنة)، وزير الخارجية السابق، الذي حصل على نسبة 48,4 بالمائة من الأصوات، وشارك كمرشح
مستقل مدعوما من قبل حزب الخضر ورابطة الناخبين.
يذكر ان الجولة الأولى من الانتخابات جرت في 28 كانون الثاني، اشترك فيها تسعة مرشحين، بينهم
امرأتان، توزعوا على الخارطة السياسية للبلاد، من اليسار إلى اليمين المتطرف، وإذ يشترط قانون
الانتخابات الرئاسية الفنلندي حصول المرشح على نسبة تصويت50 + 1، كانت هناك دورة انتخاب ثانية
للأوفر حظا، اشترك فيها الكسندر ستوب وبيكا هافستو، وتلقائيا انقسم الجمهور الانتخابي بينهما، فدعمت
أحزاب اليسار (حزب الخضر، الاجتماعي الديمقراطي وحزب أتحاد اليسار) المرشح بيكا هافستو، حيث
شاركه قادة ورموز أحزاب اليسار حملته الانتخابية، بينما دعمت الكسندر ستوب أحزاب اليمين ( الاتحاد
الوطني الفنلندي، اليمين المتطرف). لم يكن الفوز سهلا، فمرشح اليسار حصد غالبية الأصوات في
العاصمة وضواحيها وأهم المدن الكبرى، لكن انحياز حزب الوسط (حزب المزارعين سابقا) لدعم مرشح
حزب اليمين رجح كفته بنيله أصوات الناخبين في المناطق الزراعية.
وصفت الانتخابات على لسان الناخبين في الشارع الفنلندي، بانها انتخابات مملة، للتشابه بين برامج أغلب
المرشحين، فجميع الاحزاب الفنلندية من اليمين إلى اليسار سبق وصوتت لدخول فنلندا إلى حلف الناتو
وعارضت الغزو الروسي لأوكرانيا ودعت لدعم اوكرانيا ماديا وسياسيا، وأيضا كون منصب رئيس
الجمهورية، يعتبر بروتوكوليا، حيث تم الحد كثيرا من صلاحياته، فمنذ عام 1991 فقد صلاحية حل
البرلمان من جانب واحد والدعوة لإجراء انتخابات جديدة، وأصبح الرئيس يتم انتخابه مباشرة، وليس من
قبل البرلمان، هكذا تم انتخاب الرئيس مارتي أهتيساري عام 1995 بأول انتخابات مباشرة . وأصبح نظام
الحكم أكثر برلمانية، فرئيس الجمهورية ليس له رأي يذكر في الإدارة اليومية للبلاد، لكن لديه دور
دستوري في السياسة الخارجية بالتعاون مع الحكومة، وهو القائد الأعلى لقوات الدفاع الفنلندية.
يذكر ان مرشحة حزب اتحاد اليسار، خلال الحملات الانتخابية للدور الأول، شذت وحدها عن السرب
وطالبت بفرض قيود على الاتفاقات الفنلندية الأميركية والحفاظ على فنلندا كدولة خالية من الأسلحة
النووية
وعارضت المطالب بحق فنلندا في التسلح النووي، وروجت لكون عضوية حلف الناتو لا تمنع من العمل
من أجل نزع السلاح النووي في العالم. كما تميزت بموقفها المؤيد للقضية الفلسطينية ودعم شعب غزة
وإيقاف إطلاق النار والمجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
الرئيس الجديد، الكسندر ستوب، الذي سيباشر مهامه اعتبار من الأول من اذار القادم، شهدت مسيرته
السياسية صعودا سريعا، فقد كان منذ عام 2004 عضوًا في البرلمان الأوروبي، ممثلا عن حزبه، وعند
الاطاحة بوزير الخارجية الفنلندي 2008، أثر فضائح جنسية، تم استدعاؤه من بروكسل من قبل حزبه
ليحل محله، ثم تولى منصب وزير الشؤون الأوروبية والتجارة اعتباراً من عام 2011، ثم أصبح رئيساً
للوزراء في الفترة 2014-2015، بعد تغيرات داخل حزبه الحاكم، حيث أصبح رئيسا للحزب، وأدار
حكومة ائتلافية من أحزاب اليمين واليسار، اعتبرت بالنسبة له مهمة صعبة، ولكنها اعتبرت إعداداً جيداً
للجوانب التصالحية الايدلوجية وممهدة للدور الرئاسي، يذكر ان الرئيس الفائز حامل للدكتوراه في الفلسفة
ومتزوج من محامية بريطانية تحمل الجنسية الفنلندية، ويوصف بأنه ليبرالي اجتماعي متحضر مؤيد
لأوروبا قوية، وفي خطاب الفوز أعلن بأنه يوعد بأن يكون رئيسا لكل الفنلنديين، وسيمنح كل طاقته لبلده
ليعم السلام، ويتوقع بأنه سيلعب دورا إيجابيا في إحلال الهدوء والسلام في المنطقة، اذ كان يوصف بكونه
خلال رئاسته للوزراء يجيد التعامل مع الجانب الروسي، ففي فترة توليه رئاسته للوزراء 2014 اتخذت
حكومته قرارا ببناء محطة للطاقة النووية بالشراكة مع شركة الطاقة الروسية المملوكة للدولة (روسا
توم)، ووصف في حينها الانتقادات للقرار بأنها (معادية للروس) وإن كان في عام 2022 عاد ليعتبر ذلك
من أكبر اخطائه، وكشفت وسائل الاعلام الفنلندية بانه في بداية الحرب في اوكرانيا ارسل رسائل
شخصية لبعض القادة الروس، منهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يحثه فيها على (وقف هذا
الجنون)، كما أنه خلال حملته الانتخابية لم يكن ميالا لنقض الاتفاقات مع روسيا حول وضع جزيرة
أولاند الفنلندية في بحر البلطيق، كونها منطقة منزوعة السلاح.