تكشف التحركات الدولية نشأة تحالف وشراكات استراتيجية “بلا حدود” بين دول مثل إيران وورسيا والصين وكوريا الشمالية، والتي يرى فيها مسؤولون أميركيون “تهديدا عميقا للعالم بأسره”.
ووفق تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز “الصداقات غير الليبرالية” أو ما يسمى بـ”تحالف الاستبداد الجديد” تزدهر في علاقات متشابكة والتي في مقدمتها العلاقات العسكرية.
هذه التحالفات، قد ينظر البعض إليها أنها تشبه التحالفات التي تجريها الولايات المتحدة، ولكن ما تعتمد عليه واشنطن عادة علاقات رسمية ذات طابع مؤسسي ترتبط بضمانات أمنية قائمة على الصداقة والثقة، والتي قد تخدم أغراضا عديدة وتتخذ أشكالا مختلفة.
واعتمدت الولايات المتحدة خلال العقود الماضية بشكل كبير على شبكة من التحالفات والتي استطاعت من خلالها تحقيق التهدئة والاستقرارا وتشكيل توازنات للقوى لصالح الديمقراطيات الغربية بحسب التحليل.
ويمكن أن تكون هذه التحالفات عبارة عن شراكات عسكرية أو اتفاقيات للتنسيق بين للدول، والتي يمكن أن تكون سرية أو علنية أو رسمية أو غير رسمية، والتي تهدف إلى الحفاظ على السلام أو التحريض على العدوان، فيما يشير التحليل إلى بعض التحالفات تسببت في حدوث زلازل جيوسياسية في الماضي.
ويعرف معد التحليل وهو أستاذ متخصص بالشؤون العالمية في جامعة جونز هوبكنز، هال براندر، التحالف بأنه “مجموعة من الدولي التي تسعى إلى تحقيق أهداف مشتركة”.
وقد تمثل هذه التحالفات بين خصوم الولايات المتحدة “غامضة ومتناقضة” وتفتقر إلى “ضمانات الدفاع الرسمية”، لكنها لا تزال تزيد من القوة العسكرية التي تستطيع الدول حشدها وتقليل العزلة الاستراتيجية التي تواجهها.
وفي منتصف مارس الحالي أعلنت روسيا أن مجموعة من سفنها الحربية وصلت إلى إيران للمشاركة في تدريبات مع إيران والصين بحسب وكالة رويترز.
وذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيان نقلته وسائل الإعلام الرسمية أن التدريبات المشتركة التي تحمل اسم “حزام الأمن البحري – 2024” ستشارك فيها سفن حربية وطائرات.
في السنوات القليلة الماضية أبدت الدول الغربية استعدادا متزايدا لكشف هجمات سيبرانية خبيثة، وتوجيه أصابع الاتهام إلى حكومات أجنبية، وخصوصا الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، وفقا لفرانس برس.
واتهمت كل من روسيا والصين باستخدام وكلاء أو مجموعات وهمية لتنفيذ هجمات إلكترونية، ما يجعل تحديد المصدر أكثر صعوبة.
من “تحالف الاستبداد” إلى “محور الشر”
ويعيد هذا تحليل إلى الأذهان، المصطلح الذي استخدمه الرئيس الأميركي، جورج بوش في خطابه عن حالة الاتحاد لعام 2002، عندما تحدث عن “محور الشر” الذي يهدد العالم.
وبعد عقدين من الزمن لا يزال “محور الشر” صالحا لوصف ما يعتقد البعض أنه تحالف متزايد بين الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية بحسب تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي.
وفي حملتها الانتخابية، حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة، نيكي هايلي، قالت في أواخر أغسطس الماضي “لا يمكننا أن نسمح لمحور الشر هذا أن يكتسب المزيد من الزخم”.
وحذر زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، في مقابلة مع شبكة “سي بي أس نيوز” في أكتوبر أن واشنطن عليها أن تقف “في وجه محور الشر وليس محاولة التعامل معهم”.
قالت أجهزة مخابرات أميركية قبل نحو أسبوعين إن الولايات المتحدة تواجه “نظاما عالميا هشا على نحو متزايد” وسط ضغوط سببها التنافس بين القوى الكبرى وتحديات عابرة للحدود وصراعات إقليمية.
جاء ذلك في تقرير أعدته أجهزة المخابرات قبل أن يدلي رؤساؤها بشهاداتهم في مجلس الشيوخ.
وقالت الأجهزة في التقرير السنوي لعام 2024 الذي تصدره لجنة من المخابرات الأميركية بشأن تقييم التهديدات “الصين الطموحة والقلقة وروسيا التي تميل إلى المواجهة وبعض القوى الإقليمية، مثل إيران، وجهات فاعلة غير حكومية بقدرات متزايدة كلها تمثل تحديا لقواعد النظام الدولي القائمة منذ فترة طويلة، فضلا عن تفوق الولايات المتحدة داخله”.
تحذيرات من الخلل بالتوازن العالمي
ولعل أبرز تطور يظهر قوة العلاقات داخل هذا التحالف استخدام روسيا، الخميس، للفيتو خلال التصويت على مشروع قرار لمجلس الأمن يجدد تفويض لجنة مكلفة مراقبة تطبيق العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية على خلفية برنامجيها النووي والبالستي المحظورين.
ودافع الكرملين، الجمعة، عن استخدامه الفيتو وقال إن العقوبات الدولية على كوريا الشمالية تعيق الحوار والسلام في شبه الجزيرة الكورية ولم تساعد في تحسين الأمن الإقليمي.
وينتهي تفويض اللجنة في نهاية أبريل، وتخضع كوريا الشمالية منذ 2006 لعقوبات دولية مرتبطة خصوصا ببرنامجها النووي.
ومنذ عام 2019، تحاول روسيا والصين عبثا إقناع المجلس بتخفيف هذه العقوبات التي لم يحدد تاريخ نهايتها.
وقالت الصين الجمعة إنها تعارض “فرض عقوبات بشكل أعمى” على كوريا الشمالية وامتنعت عن التصويت على مشروع القرار الذي عطلته روسيا في مجلس الأمن.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصيني لين جيان إن “الوضع الراهن في شبه الجزيرة الكورية ما زال متوترا، وفرض عقوبات بشكل أعمى لا يمكن أن يحل المشكلة”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إن “أفعال روسيا اليوم قوضت بشكل ساخر السلام والأمن الدوليين، وكل ذلك من أجل دفع الصفقة الفاسدة التي أبرمتها موسكو مع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية”.
بدورها، قالت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية في بيان إن سيول “تؤكد بوضوح أن روسيا، رغم وضعها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، اتخذت قرارا غير مسؤول”.
ويحذر تحليل فورين أفيرز من جهود هؤلاء الخصوم من خلل تبادل المزيد من تكنولوجيا الدفاع المتقدمة أو التعاون على نطاق أوسع في الأزمات والصراعات، بما قد يخل بـ”التوازن العالمي” بطرق أكثر إثارة للقلق، إذ لا يتطلب الأمر سوى نسخة “غير ليبرالية ومعدلة من حلف شمال الأطلسي لإحداث نوبة توتر بين قوى عظمى متمددة”.
وتمنح التوترات المتزايدة أسبابا أقوى للدعم المتبادل بين هذه الدول، إذا أن العزلة التي فرضها الغرب على روسيا لم يجعل أمامها سوى خيار الدخول في شراكات مع الصين وإيران وكوريا الشمالية، ولكن واشنطن قد تكون قادرة على إبطاء هذا الأمر، مثلما فعلت عندما هددت الصين بفرض عقوبات قاسية إذا قدمت أسلحة فتاكة لروسيا لتستخدمها في أوكرانيا.
ويحث تحليل فورين أفيرز المسؤولين الأميركيين للتنبه إلى تطور هذه الشراكات بين المنافسين بطرق غير متوقعة، خاصة وأن تطورات الحرب في أوكرانيا دفعت إلى نضوج العلاقات الاستراتيجية بين موسكو وبيونغ يانغ وطهران، ناهيك عن العلاقات التي ترسخت على مدار عقود مع بكين.