الأحد, ديسمبر 22, 2024
Homeاراءشذرات عن بعض المجتمعات الأيزيدية ليس بحثا : مراد سليمان علو

شذرات عن بعض المجتمعات الأيزيدية ليس بحثا : مراد سليمان علو

الحيّة التي لا تغير جلدها تهلك، كذلك البشر الذين لا يغيرون أفكارهم يهلكون ـ نيتشه.

(1)
لا شك إن معظم أفراد المجتمع الأيزيدي الواحد (الشنكالي مثلا) ـ الأيزيديون عبارة عن مجتمعات متعددة كما لا يخفى ـ يخدعون بعضهم البعض، ولو جاء شخص أوربي وعاش بيننا سيحسب أول الأمر باننا نعيش في إخاء ووئام تماما كما مجتمع المسلسل الكارتوني المعروف (سنان) بل قد تأخذه الحميه والعاطفة ويغني معنا كلمات أغنية تتر المسلسل المعروفة: “ما أحلى أن نعيش… في بيت واحد… الخ من كلمات تلك الأغنية الشجية التي حفظناها من زمن الطفولة.
ولكن لا تمر على هذا الضيف الخفيف الظل بضعة أيام حتى يكتشف بأننا في أعمالنا غيرنا في أقوالنا، وإننا أغلبنا منافقون. وأحسبه سيضرب أخماسا بأسداس ولسان حاله يقول (هكذا أذن… يا كرفان).
لن أحاول كشف هذا الغطاء الثقيل عن المجتمع، فهذا عمل كبير وضخم يحتاج بحوث وجهود أمثال خريجو علوم الاجتماع وعلم النفس ليقفوا على أسباب هذا التناقض العجيب، والنفاق الملون، ويضعوا استنتاجاتهم ومقترحاتهم في النهاية.
بطبيعة الأحوال لا يشذ عن هذه القاعدة الغالبة بعض الكتاب والشعراء وسيكون التركيز عليهم أكثر. ومشكلة هؤلاء وغيرهم أنهم ما يزالون مصرين على ريائهم وازدواجيتهم ويطلبون من الآخرين ليل نهار أن يكونوا فضلاء، وهم لا يرون الخشبة التي في عيونهم. بل يتظاهرون بأنهم مجبولين من طينة الملائكة، ومعصومون عن الأخطاء.

(2)
بما إن معظمنا مشارك بهذه الفضيحة العلنية، فلا يغرب عن بالنا أن الشعب الأيزيدي كغيره من شعوب المنطقة له حلم كما يحلم الفرد الواحد بالمرأة الجميلة والبيت المريح والطعام اللذيذ.
وعقيدة (المنقذ الإلهي) ليست سوى حلم راود الشعوب القديمة ومازال أحفادهم لديهم نفس الحلم، فالشعوب تتألم من ظلم حكامها وما تزال تعجز عم إزاحة الظلم والجور فتعتنق عقيدة المنقذ الإلهي الذي هو المسيح عند النصارى والمهدي لدى الشيعة وشرفدين لدى الأيزيدية وكل شعب مقهور لديه منقذه الذي سيأتي يوما ويملآ الدنيا عدلا وإنصافا بعد الظلم والجور.

(3)
يقول عالم النفس الشهير (أدلر):
“إن الإنسان يحمل في ثنايا نفسه تنازعا خطيرا. أذ هو يشعر بالنقص من جهة، وهو من الجهة الأخرى يشعر بحبه للشهرة والمنزلة الاجتماعية. وإذا عجز عن ذلك تعمد إلى التخريب.
وهذا بالضبط ينطبق على معظم أفراد مجتمعنا فهو (إما يلعب أو يخرب الملعب).
لا يصبر حتى موعد قدوم (شرفدين) ليأخذ له بثأره، بل قد لا يؤمن بهذه العقيدة بتاتا ويريد أن يغير الأمور بيديه. لا يمكن لوم الناس، فلا يتسنى للجميع التفكير بما هو خطأ أو صواب. هذا هو حالهم منذ بدء الخليقة. أشخاص عاديون لا يهمهم في دنياهم غير مواويل خدر فقير وأغاني دخيل أوصمان، ولا يفكرون سوى بالنجاة من الفرامين، والهروب إلى أوربا ليتسكعوا في شوارعها المضيئة. وهم بذلك مشاريع لخداع الآخرين لهم. وفي نفس الوقت لا يريدون المخاطرة بما لديهم، بل يستخدمون قضيتهم النبيلة وهي (الجينوسايد) الأخير عليهم في كل وقت ومكان في سبيل تحقيق مآربهم الشخصية، وخاصة الأشخاص من ذوي النفوذ منهم. ويؤسفني أن أنقل لكم هذه الحقيقة.
على أية حال، هم يشتهون أن يحققوا رغباتهم؛ ونحن بأيدينا أقلامنا نعريهم ونكشف حقيقتهم ونرعبهم. وحياة مجتمعاتنا أغلبها تجري على هذا النحو، ولابد دون الشهد من أبر النحل كما يقول المثل السائر.

(4)
من العجيب أن نرى مجتمعا كاملا يندفع في أعمال تؤدي إلى تفكيكه في النهاية. وعندما تسأل طائفة منهم عن سرّ طردهم للكفاءات خارجها، أو التوقف عن عمل الخير تجاه المحتاجين أو سبب إصرارهم في مدح فلانا من الجلاوزة مثلا سيحاول أن يتستر على أفعاله السيئة بل ربما دافع عن أعمال سواه التي تماثله في السوء دون شعور بالذنب، ويختلق مبررات وأسباب لا صحة لها.
وهكذا نرى الكاتب يلجأ إلى كتابات رقيعة، والشاعر يكتب قصائد لا تمت لمجتمعه بصلة، فهو في وادي والمجتمع في واد آخر. والباحث أعطى لنفسه إجازة مفتوحة وترك قلمه يعلوه الزنجار دون أن يستعمله في بحث مفيد. وشيخ العشيرة تراه يختلي بعضو مجلس المحافظة أو عضو البرلمان ليتفقا على شأن ليس للناس فيه فائدة ترتجى سوى تلك العزيمة التي أقامها الشيخ على شرف ضيفه الفاسد مثله، ويظن الناس إنها من أجلهم فيتناولون الثريد واللحم بتلذذ، ويدعون لشيخ عشيرتهم بالتوفيق.
إننا نتأسف أن نرى هذه الظواهر الاجتماعية السلبية قد نخرت جسد المجتمع الشنكالي وأضحت عادات لها من الصعب اجتثاثها وإزالتها، ولكن يبدو إن الطبيعة تأخذ مجراها والمجتمع إلى زوال. فقد قيل قديما عجلة الحضارة لا تتوقف.
ولو عاين أخصائي اجتماعي هذا الأمر سيجد إن المساوئ التي تفتك بالناس لا يظهر منه للعيان سوى عشره وتسعة أعشاره الباقية مخفي وهو بذلك يشبه جبل الجليد العائم الذي ارتطمت به سفينة تايتانيك ولم نبالي بالضحايا من الركاب قدر تأثرنا بموت (جاك) من أجل عيون (روز).
كلنا نخضع لهذه الاختبارات سهلها وصعبها. قبل بضعة سنوات أرادت ابنتي أن تلتحق بنا في ألمانيا فلقد هاجرنا أو بالأحرى هجرنا من ديارنا وبسب القوانين الألمانية المدنية لم تستطع أبنتنا أن ترافقنا بموجب قرار (لمّ الشمل) باعتبارها بالغة وتقدر أن تتخذ قراراتها بنفسها، المهم كما هو متبع في حالات كهذه طرقت جميع الأبواب الرسمية كي تلتحق بنا ولكن دون فائدة. وبعد شعور باليأس اضطررنا التعامل مع مهرب، فما كان من المهرب إلا أن استغل حاجتنا وضعفنا فأستولى على مبالغ نقدية لأكثر من عشرين ضحية من ضحاياه وهرب إلى تركيا.
هذا المهرب أيزيدي وهو يتمتع الآن بأموال المحتاجين في تركيا، وعلى من يرغب أن يهاجر عليه أن يكرر المحاولة ليستمتع هو الآخر في أوربا، وينسى حادثته، بل ربمّا عمد على إلحاق الأذى بآخرين أبرياء مثلما تأذى هو، وهكذا هو الحال دائما ولله في خلقه شؤون.
المشكلة إن المجتمع بدأ يفقد قيمه الاجتماعية دون أن يعي أفراده ذلك. بعد ذهبنا إلى ألمانيا نشرت الصحف المحلية إن رجلا أيزيديا عثر على حقيبة يد نسائية تعود لامرأة عجوز. كانت الحقيبة تحتوي على عشرات آلاف اليوروات وبطاقات شراء وأوراق ثمينة وجدها المهاجر الأيزيدي على قارعة الطريق فذهب وسلمها لأقرب مركز شرطة. ربمّا لو كان الحدث قد وقع له وهو ما يزال في شنكال، أقول ربما كان سيحتفظ بتلك الأموال ولو سلمها للشرطة ربما الشرطة كان الضابط سيستولي عليها كلها أو بعضها.
الناس تدرك القيم وتعرف ما هو الصح وما هو الخطأ ولكنها تراوغ في محاولة الحصول على السمعة والجاه والمال والسلطة بأي ثمن.
ذلك المهاجر عرف إن المجتمع الألماني يحتقر من يستولي على حقوق وأموال غيره من الأفراد فسارع إلى مركز الشرطة ليسلمهم تلك الأموال وحصل مقابل ذلك على الشهرة والشكر والتعاطف. نشر صورته وصورة عائلته في الصحف الوطنية وشاهده الناس في التلفزيون وهو مرفوع الرأس شامخ.
ولوكان ما يزال في الوطن لوجد نفسه مندفعا نحو الاحتفاظ بتلك الأموال اندفاعا لا شعوريا يصعب الفكاك منه عكس تواجده في ألمانيا.

(5)
لا شك إن مجتمعنا متصل بما تتصوره المجتمعات والحكومات الأخرى عنه وخاصة تلك الأوربية المتنفذة؛ ولهذا نحاول دائما أن نصبغ على أنفسنا صبغة الضحية والخوف من الآخر، فنحن نعلم أنهم ينظرون إلينا ويتتبعون أخبارنا ويهمنا أن يغدقوا علينا نحن المسؤولين عن القضية ورؤساء العشائر والمدافعين عنها والكاتبين عنها، فننتظرهم أن يساعدوننا بالأموال والمناصب والامتيازات. وخلاصة الأمر الجميع بات يستغل القضية لمنفعته الشخصية، فإلى أين تريدون أن تسيرون بنا؟
إلى الملتقى في الجزء الثاني.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular