لم يكن هذا الظل سوى “أمي”.. من أقسى ما كتب عن الأم في الأدب العالمي..
الأدب الروسي هو من أجمل ما عرفته البشرية على الإطلاق. ولم ينحصر الأدب الروسي فقط داخل حدود روسيا الشاسعة، بل طار بعيدا عنها لكل بلاد العالم، ليصبح من بين الآداب الأكثر تأثيرا على المستوى العالمي.
من بين أشهر الأدباء الروس أنطون تشيخوف “Anton CHEKHOV”، الذي لُقّب بسيّد القصة القصيرة الحديثة، أنطون تشيخوف الطبيب الذي اخترع فن القصة القصيرة وأهداه للأدب الإنساني، وكان يجد في نفسه ميلاً عجيباً تجاه الحرف والكلمة أكثر من ميله نحو سماعة الطبيب. لذا أبدع مجموعة من الروائع الأدبية الخالدة.
لكن أقسى ما كتب في الأدب الروسي هو حين تحدث تشيخوف عن أمه في مقطع من مذكراته، فقد كانت علاقته بها علاقة خاصة منذ طفولته، حيث كان يهرب من والده ذي الأخلاق الرديئة تجاه حضن أمه الدافئ، كما تعود أن تحكي له حكاياتها المسائية من أجل أن ينام…
وتقول بعض الروايات أنه لما أصبح طريح الفراش وساءت حالته الصحية بعد اصابته بمرض السل الرئوي الذي سبب في موته مبكرا، كانت والدته تقف على رأسه وتشجعه للوقوف ثانية، وتقول له: هيا انهض، أيها القوي.. لا تستسلم للموت أبداً، وقد ظل يحاول الصمود من أجل أمه لكن الموت كان أسرع إلى اختطاف روحه إلى السماء.
يقول تشيخوف في هذا المقطع من مذكراته:
لقد توفيت منذ دقيقتين.. وجدت نفسي هُنا وحدي معي مجموعة من الملائكة، و آخرين لا أعرف من هم، توسلت بهم أن يعيدونني إلى الحياة، من أجل زوجتي التي لا تزال صغيرة وولدي الذي لم يرَ النور بعد، لقد كانت زوجتي حامل في شهرها الثالث، مرت عدة دقائق اخرى، جاء أحد الملائكة يحمل شيء يشبه شاشة التلفاز أخبرني أن التوقيت بين الدُنيا والآخرة يختلف كثيراً، الدقائق هُنا تعادل الكثير من الأيام هناك
“تستطيع ان تطمئن عليهم من هنا”.
قام بتشغيل الشاشة فظهرت زوجتي مباشرةً تحمل طفلاً صغيراً! الصورة كانت مسرعة جداً، الزمن كان يتغير كل دقيقة،كان ابني يكبر ويكبر، وكل شيء يتغير، غيرت زوجتي الأثاث، استطاعت أن تحصل على مرتبي التقاعدي، دخل ابني للمدرسة، تزوج اخوتي الواحد تلو الآخر، أصبح للجميع حياته الخاصة، مرت الكثير من الحوادث، وفي زحمة الحركة والصورة المشوشة، لاحظت شيئاً ثابتاً في الخلف، يبدو كالظل الأسود، مرت دقائق كثيرة، ولا يزال الظل ذاته في جميع الصور، كانت تمر هنالك السنوات، كان الظل يصغر، و يخفت، ناديت على أحد الملائكة، توسلته أن يقرب لي هذا الظل حتى اراه جيداً، لقد كان ملاكا عطوفاً، لم يقم فقط بتقريب الصورة، بل عرض المشهد بذات التوقيت الأرضي، و لا ازال هُنا قابعاً في مكاني، منذ خمسة عشر عام، أُشاهد هذا الظل يبكي فأبكي، لم يكن هذا الظل سوى “أمي “.