في فيلمه في الجزء الرابع 2008 ، لم يكن “رامبو” بطلا امريكيا بريئا، فهو يؤكد لنا ضرورة ان تتدخل امريكا بعسكرها لحل مشاكل العالم بالعنف والقوة، وفي هذه المرة نجده يلجأ للمنشطات كي يفتل عضلاته، ولحيل ما، كي يبقي على هيبته وسطوته.
لا للسقوط ! نعم، للبقاء على رأس العالم ولو بالهورمونات المنشطة!
خلال الحرب الباردة، راحت سلسلة افلام “جيمس بوند”، تروج للقدرات الفذة للمخابرات الغربية في مواجهة المخابرات السوفياتية، وما كان يعرف ايامها بالمعسكرالاشتراكي، وتواصلت هذه النغمة، حتى في بعض الافلام االلاحقة، من نفس السلسلة، التي انتجت بعد انهيارالاتحاد السوفياتي وان بشكل اخر. أن سلسلة افلام “رامبو” الامريكية للممثل والمخرج الامريكي سلفستر ستالوني (مواليد 1946)، والذي بنى احداث فيلمه الاول في عام 1982 على اساس قصة “الدم الاول” للكاتب ديفيد موريل (مواليد 1943)، واصلت الترويج لاسطورة المنقذ الامريكي، المفتول العضلات، الذي لا يهزم، ويمكنه بواسطة العنف فقط تغيير العالم وانقاذ الضحايا وارشادهم الى بناء حياة أفضل. هكذا رأينا الجندي الامريكي السابق في فيتنام “جون جيمس رامبو”، البارع في استخدام مختلف الاسلحة، وفنون القتال، في فيلم “الدم الاول” ـ الجزء الثاني 1985، وثم تابعناه في فيلم “رامبو” الجزء الثالث 1988، جاهزا دائما، ومستعدا للتدخل في الوقت المناسب لانقاذ الضحايا في اي مكان من العالم. سواء كان ذلك في فيتنام التي سبق له وأسر فيها وعاش تجارب مضنية، أو افغانستان التي كافح فيها الشيوعية. عاد لنا جون رامبو في الجزء الرابع 2008، حيث عرض الفيلم في مختلف دول العالم، وذهب بنا هذه المرة الى بورما ليواجهة قوة عسكرية تتلذذ في قتل الناس. ومع عودة جون رامبو في هذا الفيلم، الذي أنتج بعد عشرين عاما من الجزء الثالث، يعود سلفستر ستالوني، للشاشة بأنتاج قيمته خمسين مليون دولار. فنرى جون رامبو يعيش حياة هادئة، لكن يزج به في عملية انقاذ ناشطين في منظمات خيرية، بعد ان تعرضوا للاعتقال والتعذيب، من قبل القوات العسكرية في بورما، فيقرر التصدي لوحده للقوات العسكرية والامنية، لينقذ الضحايا، محققا البطولات والانتصارات المذهلة.
سجلت سلسلة افلام “رامبو”، ناجحا تجاريا بارزا، وحققت ايرادات مذهلة، وغزت دور العرض في كل مكان، وجعلت من ستالوني نجما من الطراز الاول وضيفا مكرما، على كل حدث ومناسبة. ورافق ذلك امتلاء الاسواق بالعاب وملابس مبنية على اساس احداث هذه الافلام، وكل ذلك عمل جنبا الى جنب لترسيخ افكار الافلام، في ذهن المتلقين، خصوصا من منهم في مقتبل العمر. ظهرت سلسلة افلام “رامبو” في عصر مرتبك، يشهد تفاعل الازمة الفكرية والسياسية للانظمة الشمولية، ومن ثم انهيار دولها، وساهمت هذه الافلام في الصراع الفكري الذي كان دائرا بقوة، من خلال ترويجها لاهمية التدخل الامريكي لحل ازمات العالم. فليس غريبا انه في تلك الفترة، بنيت وتعززت قوات التدخل السريع الامريكية، وانتشرت البوارج العسكرية الامريكية في كل مكان من العالم، ومنها مياه الخليج العربي. وهكذا لم يكن تصرف الرئيس الامريكي رونالد ريغان (1911 – 2004)، في ايام رئاسته، عفويا حين مال على احد رجاله خلال لقاء اعلامي، ودون اطفاء الجهاز اللاقط ليقول بصوت سمعه الجميع: (يجب ان نسرع لمشاهدة فيلم “رامبو”). عد الامر، يومها، دعاية كبيرة للفيلم وافكاره، رغم الحديث عن احراج البيت الابيض، بسبب ذلك. لكن، لا شئ، في البيت الابيض، يأتي عفو الخاطر. وهوليوود طوال تاريخها، كانت الحضن الاكبر لصناعة (الحلم الأمريكي) والترويج لافضلية الرأسمالية على غيرها من أنظمة اقتصادية وأجتماعية. فهوليوود اداة بالغة الاهمية لاعادة كتابة التاريخ سينمائيا، وفقا للرؤية الرسمية الامريكية. فمثلا عن الحرب العالمية ضد الفاشية الهتلرية، نجد في الافلام ان امريكا كسبتها بجدارة، وجيشها هو من أنقذ العالم من فاشية هتلر. ولا مكان هنا، لتضحيات ونضالات الشعوب الاخرى التي قدمت الملايين من الضحايا! وهكذا اذ تواصل هوليوود انتاج افلام “رامبو” متباكية على حقوق الانسان والديمقراطية، فأنها تريد ترسيخ تلك الافكار التي تصور امريكا منقذة للعالم. ففي رامبو الجزء الرابع 2008، حاذر جون رامبو ان يذهب الى العراق لتدور احداث قصته هناك، رغم التهاب الساحة كما نعرف. وحسب تصريح سلفستر ستالوني نفسه، في أحد لقاءاته الصحفية، فقد ذكر انه لم يجرؤ على انتاج فيلم تدور احداثه في العراق حيث يوجد الجنود الامريكيون هناك بالفعل. كان على جون رامبو اذن، ان يجد له جغرافية اخرى، للقيام ببطولاته الخارقة وللترويج لافكاره، بعيدا عن الواقع المر الذي يعيشه الجنود الامريكيون في العراق، نتيجة التخبط في السياسة الامريكية، التي يبدو انها في الانتخابات التالية ستأتي برئيس امريكي ديمقراطي، لترقيع الامر( حصل ذلك في الانتخابات العامة الامريكية التي جرت في 4 /11/ 2008 وفاز المرشح الديمقراطي ، باراك اوباما ـ مواليد 1961 ـ مقابل المرشح الجمهوري جون ماكين ـ مواليد 1936ـ، ونصب أوباما رئيساً في 20/ 1/ 2009.)، لكن هوليوود ظلت أمينة لافكارها في تلميع صورة الحلم الامريكي . فالممثل سلفستر ستالوني، وفي الوقت الذي يعرض فيلمه الجديد على شاشات السينما، أعلن وفي الرابع والعشرين من كانون الثاني / يناير 2008، ومن على شاشة قناة “فوكس نيوز” تأييده للمرشح الجمهوري جون ماكين في سباقه للرئاسة. وهو هنا ـ كمناصر للجمهوريين ـ كمن يصدر بيانا جديدا في استمرار الحاجة لتدخل رامبو لايجاد حلول لمشاكل العالم. لكن يتطلب القول ان الممثل ستالوني العجوز، البالغ من العمر 61 عاما، ايام تصوير الفيلم، فاته انه وفي عدة لقاءات صحفية، اضطر للاعتراف بانه في فيلمه الاخير احتاج الى ممثلين بدائل، لتنفيذ بعض المشاهد العنيفة، لحد انه كان يخشى، احيانا، على حياة البدائل من قسوة التنفيذ. وستالوني نفسه ـ وهذه قصة كتب كثيرا عنها في الصحافة ـ اضطر لاستخدام هورمون منشط من نوع “التيستوستيرون”، لفتل عضلاته خلال تصوير الفيلم. واجرت مجلة “التايم” الامريكية لقاءا مطولا معه، دافع خلاله، عن نوع المنشط الذي استخدمه. وفي الوقت الذي اعتبر العديد من النقاد، ان فيلم رامبو الجديد بجزءه الرابع ، لم يقدم جديدا ، سوى المزيد من مشاهد العنف، التي تكاد تكون الابشع في سلسلة افلامه، فأن جون رامبو في عودته الجديدة ، ودون ان يدري يقول لنا ان السياسة الامريكية ، في ترويجها لاستخدام القوة كحل لمشاكل العالم وترويج الديمقراطية، صارت سياسة عجوزا، بحاجة الى بدائل، وهورمونات منشطة لتحسين مستوى ادائها. كأني هنا بامريكا عليها ان تعود الى فلم “روكي” الاول 1976 للممثل ستالوني نفسه، حيث كان كل هم الملاكم روكي بالبوا، يتركز ليس على كسب النزال، بل على الصمود جولات اكثر قبل الهزيمة !