10 سنوات على لحظة انهيار 4 فرق عسكرية وانتشار “داعش”
خمس سنوات كانت كافية ليتحول تجار “السكراب” و”العقارات الحكومية” في الموصل الى واجهات اقتصادية وسياسية بارزة.
قضت هذه المجاميع نصف المدة في هذا التحول الكبير منذ لحظة سقوط الموصل بيد “داعش” قبل 10 سنوات، واليوم هي من تضع قوانين اللعبة.
شركاء هذه الجماعات مسلحون ويحافظون على ما يسمى بـ”الديمغرافية الاصلية” لبعض المناطق لضمان الاصوات بالانتخابات.
في غضون ذلك يرى مسؤولون سابقون عاشوا فترة التحولات، بأن الوضع ليس معتم السواد وفيه جوانب ايجابية؛ هناك نشاط تجاري خاص، وحركة عمران، واستقرار امني نسبي.
ومثل هذا اليوم قبل 10 سنوات (10 حزيران 2014) كانت قد تركت القوات مواقعها في الموصل وانسحبت الى كردستان وصلاح الدين التي ستسقط أجزاء منها بعد ذلك بيد “داعش”.
الموصل حينها كانت تضم فرقتين عسكريتين (الثانية والثالثة)، بالاضافة الى فرقة من الشرطة الاتحادية، و14 فوجا من الشرطة المحلية موزعين على جانبي المدينة.وقبل ذلك كان مسلحون مجهولون يمتلكون سيارات رباعية الدفع بموديلات حديثة، فضلا عن الأسلحة الثقيلة، يسيطرون ليلاً على مناطق في الساحل الايمن للموصل بعد مغادرة الشرطة.
وكانت الاشتباكات مع القوات الأمنية تجري يومياً، وتنتهي في الغالب لصالح المسلحين الذين كانوا يُعتقد حينها بانهم من تنظيم القاعدة (لم تكن تسمية داعش متداولة وقتذاك).
وفي 9 حزيران من ذلك العام، دمر صهريج مفخخ عند فندق الموصل الذي يقع في الساحل الايسر للمدينة، اخر خط صد عسكري يمنع تدفق المسلحين الذين هاجموا على غفلة، وكانت اعدادهم في تصاعد.
وصلت كلفة دخول “داعش” الى الموصل وانهيار 4 فرق عسكرية، امام 2000 مسلح، بحسب بعض التقديرات، الى سيطرة التنظيم على نصف مساحة البلاد، ومقتل 300 الف بين مدني وعسكري.
وكلفت الحرب على داعش نحو 300 مليار دولار، وأدت في محافظة نينوى لوحدها الى مقتل 10 آلاف مدني، وتهديم 54 ألف منزل.
جر الانهيار الامني في نينوى الى سقوط عدة مدن في 5 محافظات من بينها اطراف العاصمة، فيما هجر نحو 6 ملايين عراقي منازلهم ومناطقهم.
ودمرت الحرب بعد ذلك نحو 150 الف وحدة سكنية، بحسب الحكومة، في 48 مدينة، فيما وصلت فاتورة اعادة الاعمار الى قرابة الـ200 مليار دولار.
من السكراب إلى المكاتب!
بعد تحرير الموصل في 2017 بمشاركة فصائل مسلحة، وقيل حينها ان وجودهم كان على خلاف رغبة حيدر العبادي، رئيس الوزراء وقتذاك، تحول جزء من هذه الجماعات الى “تجار” ثم الى “صناع قرار”.
يقول مسؤول سابق في الموصل، شغل مواقع تنفيذية في اتصال مع (المدى) ان “هذه الفصائل باعت في فترة مابعد التحرير كل مايمكن بيعه في المدينة من اراضي وسكراب، وصارت مراكز نفوذ”.
المسؤول الذي طلب عدم الاشارة الى هويته اكد ان بعض الفصائل مع مرور الوقت “اصبحت ضمن منظومة الاحزاب وهي تسيطر الان على الوضع الامني والسياسي”.
في 2018 تحديدا، كانت ذروة تحرك هذه الجماعات في “التجارة غير الشرعية”، حيث تحالفت مع المسؤولين هناك التابعين لفصائل في بغداد.
قامت هذه المجاميع بتقسيم وبيع اراضي حكومية تابعة لهيئة الآثار ووزارتي النفط والدفاع في قلب المدينة، بحسب بعض المعلومات.
وتسربت حينها ان جهات مرتبطة بشخصيات متنفذة في بغداد قامت بتقسيم أراضٍي كبيرة في منطقة التل الاثري التابعة للآثار قرب النبي يونس في الموصل، “الى 500 قطعة سكنية”.
يقول اثيل النجيفي وكان في وقت سقوط الموصل محافظا لنينوى ان “المكاتب الاقتصادية وأصحاب النفوذ يفرضون انفسهم على كل المرافق الحكومية في المحافظة”.
ويضيف في حوار مع (المدى) “انا أصنف هذه الحالة كجزء من منظومة الفساد المنتشرة في كل العراق ولكنها تأخذ في محافظة نينوى شكلا اوضح”.
ويؤكد: “طبعا ينتج عن ذلك ضعف الخدمات وعدم القدرة على توجيه الاستثمار الحكومي بالطريقة المثلى”.
استولت هذه الجماعات بعد التحرير، على منازل المسيحيين، الذين تناقصت اعدادهم بشكل هائل في المدينة بعد ان خيرهم “داعش” بين البقاء او دفع الجزية.
ما يقارب من 100 عقار ملك لمسيحيين، تم تحويلها لأشخاص آخرين بأسماء مزوّرة، بحسب تقارير غربية. قسم من هذه الاملاك ذهبت لأشخاص محليين متنفذين ولم تتمكن الجهود من إرجاعها لمالكيها الشرعيين.
وفي العام نفسه (2018) قال حاكم الزاملي، رئيس اللجنة الامنية في البرلمان آنذاك إن “بعض القطعات العسكرية الماسكة للأرض انشغلت بالقضايا المادية وبيع الاراضي والإتاوات والرشى وتهريب السكراب والمخدرات والبضائع وتهريب النفط”.
وأوضح ان “تلك المجاميع بدأت تهدد الناس وتمارس الابتزاز وقتل المواطنين الموالين للدولة وغير المتعاونين معهم”.
تسمى الان هذه المجاميع بـ”المكاتب الاقتصادية”، ويقول المسؤول السابق في الموصل: “تعمل هذه المكاتب بالشراكة مع فصائل مازالت في الميدان، على انشاء مدن مغلقة لاحزاب معينة”.
ويضيف: “استخدمت هذه الجماعات طريقة عزل بعض المناطق تحت تسمية الحفاظ على الديمغرافية الاصلية في منع عودة نازحين، والإبقاء على طائفة او قومية معينة لاستخدامهم في الانتخابات”.
تحدث اغلب هذه الاعمال في مناطق شرق الموصل. ويقول ديلدار زيباري وهو عضو سابق في مجلس محافظة نينوى ان “لواء 30 (حشد الشبك) يعرقل بعض الاحيان دخول بعض السكان الى سهل نينوى”.
ويشير زيباري في اتصال مع (المدى) الى ان “بعض الفصائل في تلك المناطق تمنع البناء الجديد”.
مناطق خارج السيطرة
من جانب اخر يرى زيباري ان تلك الجماعات تساعد في الحفاظ على الامن الذي يبدو مستقرا الى حد ما في الموصل وباقي المدن المحيطة.
يقول عضو مجلس المحافظ السابق: “الوضع الامني جيد، لكن مناطق الجزيرة الواصلة الى الانبار مازالت هشة، ولا تمكن السيطرة عليها بالامكانيات العراقية الحالية”.
كذلك يشير زيباري الى وجود مسلحين باتجاه قضاء مخمور في سلسلة الجبال المعروفة بـ”قرة جوغ”، والوضع الخاص في سنجار.
كذلك يبين زيباري ان “سنجار، شمال الموصل، اصبحت قضية دولية وليست للحكومة العراقية القدرة على حل النزاعات هناك، والفصل بين الجماعات المسلحة الكثيرة”. “داعش” كان قد تسبب بمجازر بحق الإيزيديين في سنجار، بقتل اكثر من 3 آلاف شخص واختطاف اكثر من 7 آلاف اخرين.
ويقول اثيل النجيفي، ان “الوضع الامني في الموصل افضل بكثير مما كان، فلم يعد الهاجس الامني يشغل المواطن كما كان قبل ٢٠١٤ “.
ويضيف: “كما ان فرص العمل والاستثمار الاقتصادي قد تحسن كثيرا عما كان عليه في السنين الاولى بعد انتهاء العمليات العسكرية. هناك أنشطة اقتصادية متزايدة وإعمار ولكن دور القطاع الخاص فيه اكبر من دور المؤسسات الحكومية..
اما الوضع السياسي، يقول المحافظ السابق: “مازالت نينوى تعيش حالة المقاطعة واليأس من الإصلاح السياسي ولهذا نجد نسبة مقاطعة الانتخابات في تزايد”.
بغداد/ تميم الحسن