الخميس, نوفمبر 28, 2024
Homeمقالات«طوفان الأقصى»، والمؤتمر القومي العربي الـ«33»: أسامة خليفة

«طوفان الأقصى»، والمؤتمر القومي العربي الـ«33»: أسامة خليفة

حملت الدورة الأخيرة من المؤتمر القومي العربي الـ«33» عنوان «طوفان الأقصى»، تأكيداً أنّ بوصلة هذا المؤتمر، كما بوصلة كلّ عربي حرّ، هي فلسطين، وتحرير فلسطين هو الهدف الأسمى لكل عربي ولكل قومي عربي، ومن أجله يسعى جميع العرب كما أكد حمدين صباحي الأمين العام للمؤتمر القومي العربي داعياً إلى أوسع جبهة عربية ما دام تحرير فلسطين بنهج المقاومة هو الصراط المستقيم.

لقد أعادت ملحمة «دورة طوفان الأقصى»، للقضية الفلسطينية أولويتها على المستوى الدولي، كأهم القضايا التي تحتاج إلى حل سريع ومباشر، بعد تجاهل متعمد، وتغييب الجهود السياسية لحل عادل، وفرض سياسة الأمر الواقع، وعلى الصعيد القومي العربي كانت فلسطين ومازالت أولوية لكل العرب تتجسد في الشعار القومي أن فلسطين القضية المركزية للعرب. لقد أدى « طوفان الأقصى»، إلى تحول بالرأي العام العالمي في صالح شعب فلسطين وقضيته، فقد توالت اعترافات دول العالم بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة على التراب الوطني، وتصاعد الحراك الطلابي والجماهيري الداعم للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة وأوروبا، فأين الحراك الشعبي والرسمي العربي من هذا الحراك؟. نشاهد تظاهرات واحتجاجات في بعض الدول العربية دون الأخرى، مع تفاوت نسب مشاركة الجماهير العربية ومدى فعاليتها وتأثيرها، ولاسيما الحركة الطلابية والشبابية التي قيمت بأنها ليست في المستوى المطلوب ولا تواكب الحركة الطلابية في الجامعات الغربية، فقد اهتم المؤتمر القومي العربي بفئة الشباب، حين ساهم في إطلاق مخيمات الشباب القومي العربي ومنتديات تواصلهم، وصولاً إلى العديد من المبادرات والملتقيات والمنتديات. ألا يدل ضعف الحركة الطلابية العربية بالمقارنة بالحراك في الجامعات الأمريكية والأوروبية المطالبة بوقف المجازر والإبادة الجماعية على ضعف الأحزاب والمنظمات العربية وفشل النخبة القومية العربية في الدعم الحقيقي لشعب فلسطين؟. صحيح أن الشعب الفلسطيني ليس وحيداً في المعركة، لكن هذه معركة الأمة، يتحمل معظم عبئها غزة المكافحة وسكانها، وينبغي على القوى العربية أن تفعّل جبهات جديدة مشاركة وعدم الاكتفاء بما تقدمه المقاومة في لبنان واليمن والعراق. والغريب أن دول عربية ما تزال تتبادل السفارة مع الاحتلال، ولا تزال تحتفظ بالعلاقات السياسة والاقتصادية دون استدعاء سفيرها أو الإعلان عن طرد سفير إسرائيل، وإغلاق السفارة بشكل نهائي، رداً على المجازر المرتكبة في فلسطين، فكيف يكون الأمر بالنسبة للمهام الأصعب مثل إدانة الولايات المتحدة لدعمها إسرائيل بالسلاح لقتل النساء والأطفال في غزة والمطالبة بإجراءات عقابية عربية ضد مصالحها في منطقتنا.

بعد 3 أيام من النقاشات المكثفة أيام الجمعة والسبت والأحد 31 أيار إلى 2 حزيران اختتم المؤتمر القومي العربي دورته الـ«33»: بحضور مئتين وخمسين عضواً وضيفاً من الشخصيات السياسية والحقوقية والثقافية والنقابية من الأقطار العربية والمهجر، لم ترتقِ مخرجات المؤتمر إلى مستوى تضحيات الشعب الفلسطيني، مما يطرح التساؤل: هل دور النخبة العربية من أعضاء المؤتمر مقتصر على الدور الثقافي الفكري؟. أما من دور في الضغط على الحكومات من أجل اتخاذ مواقف مهمة مساندة للشعب الفلسطيني؟. أليس المطلوب تفاعلها مع الجماهير العربية في كل مكان لحشدها وتجييشها وتفعيل دورها بأنشطة مؤثرة ومثمرة؟.

ولولا ما تضمن البيان الختامي من مهام «تدعيم الوحدة العربية، وتعزيز دور المقاومة»، لما اختلف عن البيان الختامي للقمة العربية الرسمية لجهة اللغة والألفاظ «تؤكد، وتدعو، وتثمن، وتتحدث..»، حيث أوضح البيان الأبعاد والدلالات الاستراتيجية لعملية «طوفان الأقصى»، وأكد على الدور البارز لجبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق، ثمّن دور سوريا وإيران، أشاد بموقف الجزائر وجنوب أفريقيا المتقدم تجاه فلسطين المحتلة، وأثنى على موقف الدول التي قطعت علاقتها بـ«إسرائيل»، واعترفت بفلسطين. ودعا الدول إلى وقف التطبيع ومقاطعة كيان الاحتلال وداعميه.

وبدورنا نثمن تأكيد المؤتمر القومي العربي، التزامه بالمقاومة نهجاً لمواجهة كل احتلال أو عدوان أو حصار. فمنذ بداياته عمل على دعوة أعضائه إلى القيام بمبادرات على هذا الصعيد، في دعم المقاومة الفلسطينية وانتفاضات شعبه، لكن التنفيذ في طوفان الأقصى اقتصر على محور المقاومة، وكان ممثلوها الحالة البارزة في هذه الدورة، وما ميّز المؤتمر حقيقة، كلمات قادة من قوى محور المقاومة، كلمات كان لها طابعها السياسي النضالي، وليس البحثي الفكري المتعمق الذي يرجحه مؤسسو المؤتمر ورؤساؤه السابقون ومفكروه على السياسي الآني.

تستمد هذه الدورة أهمية من كونها الأولى التي تنعقد في ظل تداعيات معركة «طوفان الأقصى»، باعتبارها معركة مصير ستحدد مصير القضية الفلسطينية، ومصير الاحتلال والمنطقة كلها، بل وله آثاره الكبيرة على مصير الفكر القومي.

يشكل طوفان الأقصى فرصة مناسبة لتحقيق القضية التي تبناه المؤتمر القومي العربي في دورته الـ«32» المنعقدة يومَي الأحد والاثنين 30 – 31 تموز/يوليو 2023، وهي قضية «نحو جبهة عربية عالمية من أجل حق الشعوب بالاستقلال والنهوض والتنمية»، وما يجري في العالم من تضامن مع الشعب الفلسطيني يشكل فرصة ينبغي استغلالها. واستغلال ما مثله الموضوع الفلسطيني وطوفان الأقصى كونه مجمّعاً موحّداً للاتجاهات الفكرية المختلفة للأحزاب والقوى والشخصيات البارزة المنضوية في عضوية المؤتمر، من اتجاهات إسلامية ويسارية وعروبية قومية، بدلاً من تكرار النقاشات والخطب والجدل الذي تنعكس أصداءه في الشارع تعصّباً وتناحراً.

انتقد البعض هذه التجربة بأن الكثير من الخطاب والممارسة السائدين المرتبطين بهذا الفكر أو الرافعين لشعاراته لم يكونا دائماً بمستوى رقيّ هذا الفكر وعمقه واستشرافيته، وأن المناقشات في أغلبها كانت مناقشات سياسية وحزبية، وكأنّ المؤتمر هو مجرد منبر يقول فيه عضو المؤتمر كلمته ويمشي، ويوجه من خلالها رسالة ويمضي، فيما كان المطلوب أن يكون المؤتمر أيضاً سبيلاً لكي يقدّم أعضاؤه خلفيات فكرية وثقافية واستراتيجية لمواقفهم، ورؤى فكرية وثقافية لتحليل ظواهر خطيرة تعيشها الأمّة.

إن مراجعة بسيطة لتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، يبين أن حال العرب والعروبة، تُقرأ من خلال حال القدس، فإذا كانت القدس بخير، فالأمة بخير، والعكس صحيح، وهذا يؤكده الرابط بين تراجع الفكر والتيار القومي وبين هزيمة حزيران 67، في هذا يؤكد المؤتمر أن الويلات التي تحل بالأمة ترتبط بشكل رئيس بالعدوان الذي يتمثل بوجود الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين الذي يقتطع أرضاً عربية ويشتت شعبها، وبالتالي فلا خلاص ولا سلام للأمة ولا لمشروعها النهضوي إلا بمواجهة هذا العدوان لوقفه واقتلاعه.

كانت هزيمة حزيران السبب المباشر لتراجع الفكر والتيار القومي، ولن يحتمل هذا الفكر هزيمة جديدة، فتداعيات العدوان على قطاع غزّة، ومآلات التطورات في فلسطين ولبنان واليمن والعراق والمنطقة ستكون خطيرة جداً، وصمود المقاومة ومحور المقاومة يتطلب دعماً عربياً واسعاً مؤثراً في مجرى الصراع.

حين تأسّس المؤتمر عام 1990، ورد في المادة الأولى من نظامه الأساسي «تعريف المؤتمر» بأنه «تجمّع من المثقفين والممارسين العرب»، أي أنه تجمع فكري سياسي مهمته، كما تقول المادة الثانية أيضاً، «الإسهام في شحذ الوعي العربي بأهداف الأمّة المتمثلة في مشروعها الحضاري»، يشمل المؤتمر القومي العربي، مؤسسات ساهم في إطلاقها بدءاً من مخيمات الشباب القومي العربي ومنتديات تواصلهم، وصولاً إلى المؤتمر القومي الإسلامي، مروراً بالعديد من المبادرات والملتقيات والمنتديات والجمعيات المتخصصة. ولعل أهمها والذي يؤكد تغليب أعضاء المؤتمر الجانب «الثقافي ــــــــــ الفكري» على «السياسي ـــــــــ النضالي» مركز دراسات الوحدة العربية، فمهمة استعادة الدور الفكري والثقافي للمؤتمر القومي العربي هي مهمة مركزية له كمؤسسة، ولأعضائه كأفراد، لأنه في ذلك يعيد توجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح بعد أن ضّل الكثيرون الطريق وغّلبوا الاعتبارات التكتيكية على الرؤى الاستراتيجية، والمصالح الفئوية الضيقة على المصالح الوطنية والقومية العليا.

خرجت فكرة مركز دراسات الوحدة العربية من رحم المؤتمر عبر ندواته وحلقاته النقاشية، وتميز دوره في إعداد تقرير سنوي عن حال الأمّة ليشكّل خلفية نقاش للمؤتمر في دوراته المتعاقبة في قضايا المشروع النهضوي العربي الست لتناقش مدى اقتراب الأمّة منها أو ابتعادها عنها، وأقر المؤتمرون بأن الأمة قد ابتعدت أكثر مما اقتربت، دون أن يعني هذا الإقرار سيادة التشاؤم بمصير الأمة العربية. فما زال المؤتمرون يجتمعون بدأب وإخلاص كلّ عام لمناقشة التطورات المتصلة بكلّ هدف من أهداف المشروع النهضوي العربي التي تتحدد في التالي: الوحدة العربية، الديمقراطية، الاستقلال الوطني والقومي، التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية، والتجدّد الحضاري، بهذا الشكل يبدو المؤتمر القومي العربي إطاراً للتحاور والتشاور بين أعضاء يمثّلون معظم ألوان الطيف الفكري والسياسي المؤمن بأهداف المشروع النهضوي العربي. يحاولون إعلاء صوت المبادئ العليا للأمة على الحسابات الفئوية الضيقة، وإعلاء صوت الحوار والتشاور والتحاور وإعلاء الممارسة الديموقراطية على كل نزعة ذات طبيعة إقصائية، بما يعتبر أمر مهم إذا قارناه بما ساد في حال الأمة من لغة التناحر والتصادم والانقسام.

ولعل ما يميّز هذه التجربة أيضاً هو أنها تعطي الفكر والتحليلات ذات الطبيعة الاستراتيجية أولوية في مناقشاتها، مدركة أن العمل الذي لا توجّهه رؤية أو فكر سليم مآله الفشل والضياع، وأن الفكر الذي لا يصاحبه فعل مصيره الفراغ والفشل والتلاشي، ومن يتابع التقارير السياسية التي يناقشها المؤتمر في كل دورة منذ سنوات عدّة، يلاحظ أنها تتضمن رؤى استشرافية للتطورات على المستويات العربية والإقليمية والدولية بما كان يعاكس الرؤى السائدة في تلك الأيام.

لقد برز في المؤتمر من يدعو إلى الانعقاد الدائم للمؤتمر القومي العربي من أجل مواكبة ما يحصل في قطاع غزة ودعم وإسناد شعب غزة ومقاومتها خطوة بخطوة، وبرز أيضاً من يمجّد انعقاد المؤتمر القومي العربي بشكل دوري إنما دائم ومستمر، دون الأخذ بعين الاعتبار التطورات، وضرورة الانعقاد بشكل طارئ لمواجهة مهام مرحلة أو أزمة تتطلب تنسيق الجهود وتوحيدها، ألم يكن بالإمكان عقد اجتماع طارئ بدل الانتظار 250 يوماً على العدوان على شعب فلسطين، ولماذا هذا التأخير؟.

على رأي بعضهم، هذا التأخير للإحاطة الشاملة لعناصر الموقف، وهذا لا يتم دون عمق فكري وتحليلي للموقف، فالمؤتمر ليس حزباً سياسياً أو جمعية حركية ليصدر بيانات كلّ يوم، يؤيد هنا ويندّد هناك، بل يجب أن تخرج عنه مواقف مدروسة وشاملة ويتم تبادل الرأي فيها بين عدة شخصيات رافقت المؤتمر منذ تأسيسه أو متخصصة بالحدث موضوع البيان.

 

المراجع:

ــــــــ صحيفة البناء، ورقة قدمت في المؤتمر القومي العربي الدورة 26 التي انعقدت في بيروت بتاريخ 2-3-6-2015 معن بشور الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي.

ـــــــــ صحيفة رأي اليوم: «بيان إلى الأمّة» صادر عن المؤتمر القومي العربي الحادي والثلاثين.

ــــــــ قناة الأخبار الفضائية: الدورة 32 للمؤتمر القومي العربي: تجربة تستحق الدراسة.

باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular