ذات يوم قامت ثلاث نساء يرتدين اثوابا فاخرة بزيارة تشيخوف . وبعد ان ملأن غرفته بحفيف فساتينهن الحريرية، ورائحة عطورهن القوية، جلسن مقابله بوقار، ثم شرعن في طرح الأسئلة، متظاهرات باهتمامهن الشديد بالسياسة، فقالت إحداهن:
– عمَّ ستسفر الحرب الجارية الآن؟
أخذ تشيخوف يسعل، ثم فكر وأجاب برقة وبصوت ناعم وجدي: “على الأغلب، إلى السلم،.
فردت احداهن: طبعا، لا شك ولكن من سينتصر اليونانيون أم الأتراك؟..
فرد تشيخوف فيما يشبه السخرية: أتصور ان الأقوى هو الذي سينتصر،
فتنافسن على سؤاله: ومن هو برأيك الأقوى؟ فأجاب مواصلا سخريته المضمرة “أحسنهم تغذية وأكثرهم تعليما”
“آه.. يا للظرافة” صاحت احداهن، وسألت أخرى، ومن تحب أكثر.. اليونانيين أم الأتراك؟ فنظر إليها تشيخوف بحنان ، وأجاب بابتسامة قصيرة لطيفة: أنا أحب مربى الفواكه.. هل تحبينه أنت ايضا؟ فردت المرأة بحرارة: جدا، وقالت زميلتها: إنه طيب للغاية، ثم ما كان من النساء الثلاث إلا أن انصرفن للحديث بحيوية عن المربى، كاشفات بذلك عن اطلاع واسع ومعرفة دقيقة بالمربى وأنواعه، وكان واضحا انهن كن سعيدات لأن موضوع المربى لم يكن يتطلب جهدا عقليا، كالحرب بين تركيا واليونان، ولا يجبرهن على التظاهر بالاهتمام الجدي بمصير الأتراك واليونانيين، الشيء الذي لم يكن يخطر ببالهن قبل هذه اللحظة.. وعند الوداع ودعن تشيخوف بمرح قائلات: سنرسل لك أنواعا من المربى !
يروي مكسيم غوركي هذه الحكاية عن تشيخوف موضحاً بساطة تشيخوف وصدقه إذ كانت لديه طريقة مميزة في تبسيط الناس .
” ينبغي أن يتحدث كل شخص لغته ” هكذا رد تشيخوف على صديقه مكسيم غوركي الذي أُعجب بكلامه مع تلك النسوة.
أي ينبغي أن يقول الناس ويفعلوا الشيء الذي يروق لهم دون داعٍ للتكلف والتصنع لمجاراة الغير وارضاءهم.