من يؤمن بالنور، يعيش في النور بقدر ما ينفتح عليه، والذي يعيش في النور، يكون واضحاً، معروفاً بقوله وفعله، كما أنه يتمتع بالتوازن النفسي والروحي.
والنور معروف منذ قديم الزمان بمعناه وقيمته أيضاً. النور يعرّفنا بالمقدس، لأن فيه الصفاء والطهارة وحتى المقدس بالذات نبض النور، وما الأبيض إلا التعبير المباشر على النور الذي يذكّرنا بالشمس، وهذه نعرفها على أنها ضرورية جداً للحياة، فلولا الشمس لما كانت الحياة .
وقد عرِفت الأديان كثيراً من خلال تمسّكها بالنور، وليس الظلام، فهذا يمنعنا من رؤية الأشياء، ويسمح لمن يريدون النيل منا إيلامنا، فهو بالمقابل يدل على الظلم والاستعباد والذل.
وفي ديانتنا الإيزيدية، يكون للنور قيمة كبيرة، حيث إنه يدل على الطهارة وهو لون خالق الكون، ويدل على الصحة والعافية، وبذلك مع الديانات التي نعرفها فيما بيننا: اليهودية المسيحية والإسلامية والتي تربط النور بخالق الأرض والسماء. وقد جرى ربط الآلهة القديمة بالنور منذ قديم الزمان.
لماذا الحديث عن المؤمنين بالنور؟
لأن اليقين الفعلي بالنور، يعني أن الذي يؤمن به، يكون مقصده الوحيد، وتأكيده الأكبر على فعل الخير، والخير في أصله موصول بالنور، ففيه الصحة والسلامة والهدوء والسكينة والاستقرار.
كثيرون ينسون حقيقة العلاقة بين النور والحياة السعيدة، والسلام الأهلي في المجتمع .
في الإيزيدية، حتى لباسنا الأبيض يشدنا إلى هذا النور، إلى السلام الداخلي، ومراكز العبادة لدينا محاطة بالنور، ومنبع للنور معاً، ما دامت الغاية الأساسية من النور هي في كيفية تجنب الشرور، والبحث عن الأمان، والعلاقات السليمة وجوهرها المحبة مع الآخرين .
النور الذي يعمر القلب، هو أصدق شهادة على أن صاحبه مؤمن حقيقي، وهدفه الوحيد هو في كيفية التعايش مع الآخرين واحترامهم، بمقدار ما يريد منهم التصرف بالمثل.
وحين يقول أحدهم لغيره” عليك نور ” فهناك أكثر من معنى لهذا القول: عليك السلامة والسَكينة. فيكون صريحاً، وواضحاً، وليس من لف ودوران في كلامه، ولا مراوغة في سلوكه، هناك طريق واضح يصعد به إلى حيث يكون الخير، والدخول في عالم القيمة الكبرى: الخير محط كل القيم من صدق وتسامح وأمان واحترام الآخر.
ولأن هذا النور الذي يشدنا إليه، دال على خالقنا جميعاً، وكأننا في إيماننا نعلن عن قربنا من خالقنا، ولا نريد الابتعاد عنه، ونتمنى من غيرنا التصرف بالطريقة نفسها، وهي الطريقة الأسلم لنفهم بعضنا البعض، ونحسن التعامل مع بعضنا في أعمال مختلفة، نبني من خلالها مجتمعنا، ونتمكن من الارتقاء به، ليكون مجتمع الحرية والسعادة والمحبة وليس الكراهية البغضاء .
في عالمنا هذا، ما أكثر الحالات التي نرى فيها النور: نور الكهرباء، نور مصطنع، وكأن النور الآخر والمهم، ليس مهماً، وهو ما يبقينا بعيدين عن مطلب النور الأساسي، وهو أن يكون منيراً قلوبنا، لنكون أهلاً للحب والمحبة، وفي روحنا لئلا نخرج عن طريق الاستقامة .
وهذه الأنواع من الشرور، ومشاهد القتل والمخاوف الكثيرة تعبّر إلى أي درجة نكون مصابين بالعمى الداخلي رغم وجود نور مشع، ولكنه في الخارج، وليس من الداخل والذي يرتبط بأعمالنا أو أفعالنا وأقوالنا، ولهذا تكون أهمية العقيدة كبيرة، حين تدفع بنا دائماً إلى النظر عالياً، وعدم نسيان من يكون مصدر النور في الأعلى، لتكون نفوسنا بالمقابل مضاءة، ونعيش في حياة آمنة وكريمة.
نعم، الأديان تعلّمنا أن نؤمن بالنور، لنكون معروفين لبعضنا البعض، كما هي عقيدتنا مراكز عبادتنا التي تسبح بالنور، لنتغذى من خلالها بكل ما هو نوراني، أي قادرين على القيام بكل ما هو خيّر دائماً طبعاً. لنبق في النور إذاً، وليس في الظلام، إن أردنا حياة خيّرة لنا ولأطفالنا ومن يأتي بعدنا..
دمتم ودام الجميع، أينما كنتم وكانوا في النور…!