دور سياسة الاسترضاء في بقاء الدكتاتورية في إيران!
عندما نقترب من منتصف العام الميلادي كل عام؛ تصل القضايا المتعلقة بإيران إلى ذروتها على الصعيد العالمي، حيث تحدث أحداث كثيرة في المشهد السياسي، ولكل منها أهمية خاصة. وقد شهدنا هذا العام عدة أمثلة على ذلك في أوروبا، من بينها إطلاق سراح الدبلوماسي الإرهابي، أسد الله أسدي في بلجيكا، وعودته إلى إيران في 26 مايو 2023، والإفراج عن الجاني والجلاد، حميد نوري في السويد، وعودته إلى إيران في 15 يونيو 2024. ويطرح السؤال التالي نفسه في هذه الأيام: لماذا حدث ذلك، وماذا يجب أن نفعل؟
لقد أضفت انتفاضة الشعب الإيراني على نفسها صفة الشمولية، داخل إيران في أواخر سبتمبر 2022، وهزت أركان نظام الملالي. وبعد مرور عام، أشعل هذا النظام الفاشي حرب غزة في الشرق الأوسط، وما زالت هذه الحرب مستمرة. ولدور النظام الإيراني ضد أوكرانيا تداعيات عالمية، ولا يمكن لأحد إنكاره!
بداية سياسة الاسترضاء مع دكتاتورية ولاية الفقيه!
يعد منتصف العام الميلادي، في منتصف القرن الأخير بمثابة تذكير بالعديد من المراحل المصيرية المهمة في تاريخ إيران. ففي يونيو 1981، كانت دكتاتورية ولاية الفقيه على وشك الإطاحة بها على يد منافسها الرئيسي. لهذا السبب، لم يتحمل خميني المظاهرة النصف مليونية التي نظمها المعارضون في طهران، وقام بسفك الدماء مستعيناً بقوات حرس نظام الملالي. وبالتالي، تم حظر أي نشاط سياسي ضد نظام ولاية الفقيه، وبدأ فصل جديد!”. وبدأت عمليات الإعدام بشكل عشوائي واسع النطاق في جميع أنحاء إيران.” وبعد ذلك أسس السيد مسعود رجوي “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” في طهران، في 21 يوليو 1981، وسافر إلى باريس في 29 من نفس الشهر. وأعلن “البديل الديمقراطي لحكومة إيران” بالتحالف مع عدد من القوى المعارضة للنظام الإيراني. بديلٌ لا يزال هو البديل الوحيد المتاح ضد نظام الملالي، ويلعب دوراً محورياً في مواجهة دكتاتورية ولاية الفقيه، على الرغم من مؤامرات الرجعية والاستعمار!
وبعد تشكيل “جيش التحرير الوطني” في يونيو1987، بجوار الأراضي الإيرانية، وجَّه هذا الجيش ضربة ساحقة قاتلة لدكتاتورية خميني في 20 يونيو 2009، وكان على وشك الإطاحة بدكتاتورية خميني من الأراضي الإيرانية. قبل خميني بشكل احتيالي وقف إطلاق النار الصادر عن الأمم المتحدة بموجب القرار الـ 598 ؛ من أجل بقاء نظامه، وخوفاً من الإطاحة على يد جيش التحرير الوطني، وتمكن من الهروب من الإطاحة بمساعدة المهادنين الغربيين! وبعد هذه الحادثة، قام خميني بتنفيذ مرسوم مذبحة وإبادة مجاهدي خلق، الذي كان قد أصدره سابقًا، بموجب إصدار فتوى بالتنفيذ. وفرض الرقابة على وسائل الإعلام الحكومية، وأرسل أكثر من 30,000 سجين سياسي، كان معظمهم من منظمة مجاهدي خلق؛ إلى فرقة الموت. وكان كل من الجلاد إبراهيم رئيسي، والجلاد مصطفى بورمحمدي من بين أعضاء فرقة الموت المتورطين في هذه الجريمة. وكانت الجريمة كبيرة وبشعة لدرجة أن خليفة خميني آنذاك، السيد حسينعلي منتظري احتج عليها، مما أدى إلى إقالته ومن ثم حصار منزله حتى يوم وفاته.
ولم تؤدي هذه المرحلة المصيرية إلى السلام مع العراق على الإطلاق، واستمرت مؤامرات هذا النظام الفاشي وهجماته على الأراضي العراقية؛ نظراً لأن الدكتاتورية الإيرانية لا تؤمن بالسلام، من منطلق أنها نظام شمولي رجعي وتوسعي. وأبرز جوانبها هو إشعال الحروب في دول المنطقة، بل والمشاركة في الحرب البعيدة لصرف انتباه العالم عن مدى تدهور الوضع الداخلي في إيران. وهذه حيلة قذرة لطالما تعوّد عليها هذا النظام الفاشي.
تجدر الإشارة إلى أن الولي الفقيه الحاكم تمكن من إجبار الحكومات الغربية على غض الطرف عن “هذه المجزرة” البشعة، من خلال إبرام صفقات كبيرة مع الأطراف العطشى للدولار والنفط، ووقع عقداً معهم للحيلولة دون فتح هذه القضية التي يعتبرها العديد من الحقوقيين الدوليين البارزين “جريمة ضد الإنسانية” و”إبادة جماعية“.
لقد أثبتت التجربة أن انتهاج سياسة الاسترضاء مع النظام الدكتاتوري الديني الحاكم في إيران يتعارض مع الوقوف إلى جانب الشعب والمقاومة الإيرانية. ولا يمكن تجاهل المنافس الرئيسي، وهو البديل الديمقراطي. لقد حاولت الرجعية والاستعمار مراراً وتكراراً، خلال هذه السنوات العديدة؛ صنع بديل لهذا النظام الإرهابي، ودعم بعض الشخصيات سياسياً ودعائياً، وتهميش الشعارات الأصيلة للشعب واستبدالها بشعاراتهم المفضلة، وجذب الرأي العام الإيراني إلى جانبهم. بيد أنهم لم يجنوا شيئا سوى الفشل؛ لأن ما زرعوه لم يكن متجذراً في المجتمع الإيراني!
الكلمة الأخيرة!
إن عقد التجمع السنوي للمقاومة الإيرانية في منتصف العام الميلادي في أوروبا هو الكابوس السنوي الذي يزعج مضجع النظام الدكتاتوري في إيران. ولهذا السبب، تُبذل كل عام جهود سياسية ودبلوماسية وإرهابية ودعائية واسعة النطاق للحيلولة دون عقد هذا التجمع بشتى الطرق. وكان الدبلوماسي الإرهابي، أسد الله أسدي يترأس، في عام 2018 ؛ جماعة إرهابية سعياً إلى تفجير هذا التجمع، مما أدى إلى اعتقاله هو وجماعته الإرهابية!
كما أنه في عشية انعقاد هذا التجمع العام الحالي، كانت هناك مؤامرة سخيفة تتعلق بإطلاق سراح الرهائن الفرنسيين، وهو ما دفع المهادنين في هذا البلد إلى تفتيش إحدى قواعد المقاومة في فرنسا. ولم يمر وقت طويل حتى تبيّن أن النظام الإيراني هو من قام بتوجيه هذا العمل! وفي مؤامرات مماثلة، عاد كل من الجلاد، حميد نوري، والجلاد أسد الله أسدي إلى طهران مقابل إطلاق سراح الرهائن السويديين والبلجيكيين!
ورغم أن هذه الأفعال مروعة وتتعارض مع معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، إلا أنها في الوقت نفسه أكدت بشكل غير مسبوق أن “رأس أفعى ولاية الفقيه” و”مصرف الإرهاب في العالم” هو بالفعل طهران. ويجب ألا نغفل ذلك الأمر. ويجب توجيه كل الضربات إلى ولاية الفقيه في طهران حتى يتخلص العالم والمنطقة وإيران من شرور الإرهاب، ويعود الأمن والاستقرار والسلام والتعايش السلمي إلى العالم!
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني