تنطلق المئات من الشاحنات المحملة بالنفط يومياً من مواقع قرب أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق إلى تركيا شمالاً وإيران شرقاً، مسببة حالة شلل مروري على طرق سريعة جبلية متعرجة في المنطقة.
وهذا العدد الكبير من الشاحنات التي تزحم الطرق السريعة وتتورط في حوادث أحيانا، يثير غضب السكان، منهم رشيد دلك.
يقول رشيد أثناء زيارة قبر شقيقه روزكار، الذي قتل في حادث مع شاحنة (مايو الماضي) على الطريق السريع بين أربيل والسليمانية المؤدي إلى الحدود الإيرانية: “إنه أمر مؤلم للغاية.. رغم العبور على طرقنا وإتلافها وقتل أحبائنا… لم ير أحد هنا دولارا”.
وتمثل الشاحنات الجانب الأكثر وضوحا في عملية ضخمة لنقل النفط من الإقليم العراقي شبه المستقل إلى إيران وتركيا في صفقات غامضة وغير رسمية استشرت منذ إغلاق خط أنابيب للصادرات الرسمية العام الماضي 2023.
وجمعت وكالة “رويترز” تفاصيل عن هذه التجارة من خلال مقابلات مع أكثر من 20 شخصا بينهم مهندسو نفط عراقيون وأكراد وتجار ومسؤولون حكوميون وسياسيون ودبلوماسيون ومصادر في قطاع النفط.
ورسمت هذه التفاصيل صورة لتجارة مزدهرة تحمل فيها أكثر من 1000 شاحنة ما لا يقل عن 200 ألف برميل من النفط منخفض الأسعار يوميا إلى إيران وكذلك إلى تركيا -لكن بكميات أقل- وهي تجارة تدر 200 مليون دولار شهريا تقريبا.
وقال مسؤولون عراقيون إن حجم الصادرات غير الرسمية، التي لم يُعلن عنها من قبل، أحد أسباب عدم قدرة العراق على الالتزام بتخفيضات الإنتاج المتفق عليها في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) هذا العام.
ولم يرد مسؤولون إيرانيون وأتراك على طلبات للتعليق.
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد إن التجارة الكردستانية لم تحصل على موافقة الحكومة العراقية (الاتحاديّة)، وإن شركة تسويق النفط العراقية الحكومية (سومو) هي الجهة الرسمية الوحيدة المصرح لها ببيع الخام العراقي.
وذكر أن الحكومة ليس لديها أرقام دقيقة عن كميات النفط التي يتم تهريبها إلى إيران وتركيا.
جيم كرين، الخبير في معهد “بيكر” التابع لجامعة “رايس” الأميركية، قال لـ”رويترز” إن “أوبك الآن أقل صبرا على التهريب، ومن المعروف أنها تفرض إجراءات عقابية على الأعضاء المخالفين”، مردفاً “أشك في أننا سنرى أي رد فعل ضد بغداد لأنه من المعروف أن المنطقة الكردية لا تخضع لسيطرة السلطات المركزية”.
من جانبه، قال مسؤول أميركي (لم تسمّه رويترز) إن هذه التجارة أيضاً “يمكن أن تضع كردستان على مسار تصادمي مع حليفتها الوثيقة واشنطن التي تجري تقييما حول ما إذا كانت هذه التجارة تنتهك أي عقوبات اقتصادية أميركية على إيران”.
وحتى 2023، كان إقليم كردستان يصدر معظم النفط الخام الذي ينتجه عبر خط الأنابيب الرسمي بين العراق وتركيا الذي يمتد من كركوك العراقية الغنية بالنفط إلى ميناء جيهان التركي.
لكن تلك الصادرات التي كانت تبلغ نحو 450 ألف برميل يوميا توقفت في مارس 2023 عندما أصدرت محكمة دولية حكما بالموافقة على طلب من الحكومة العراقية لوقف الشحنات، مما ترك خط الأنابيب في مأزق قانوني ومالي.
ونجحت الحكومة في بغداد، التي تؤكد منذ فترة طويلة أنها الجهة الوحيدة المخولة ببيع النفط العراقي، في إثبات أن تركيا رتبت الصادرات مع حكومة إقليم كردستان دون موافقتها في انتهاك لمعاهدة مبرمة عام 1973.
“لا أثر لعائدات النفط”
وفقا لمصادر ومسؤولين في قطاع النفط ودبلوماسيين، فإن الشاحنات سرعان ما بدأت في نقل النفط الكردستاني إلى البلدين المجاورين وتسارعت وتيرة التجارة هذا العام بعد تعثر محادثات إعادة فتح خط الأنابيب.
وقال مسؤولون محليون لـ”رويترز” إنه ليس هناك حصر ولا تسجيل لأي عائدات من هذه التجارة في خزائن حكومة إقليم كردستان التي تعاني لدفع رواتب الآلاف من موظفي القطاع العام.
النائب علي هوما صالح، الذي كان رئيسا للجنة النفط في برلمان كردستان قبل حله عام 2023، أكد أنه “لا أثر لعائدات النفط”، مقدراً حجم التجارة بأكثر من 300 ألف برميل يوميا، وهو أعلى من معظم التقديرات الأخرى.
بينما رأى هيوا محمد، المسؤول الكبير في الاتحاد الوطني الكردستاني، أحد الحزبين الحاكمين في الإقليم، أن النفط “يمر عبر المعابر الحدودية بعلم سلطات الإقليم والسلطات العراقية”.
تعليقاً على ذلك، لم تحصل “رويترز” على أي رد من مسؤولين أكراد، عوضاً عن عدم وجود متحدث رسمي باسم وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم، وهي الوزارة التي تشرف على تجارة النفط في كردستان.
في المقابل، قال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية تعقيباً على ذُكر، إن “العقوبات الأميركية على إيران لا تزال قائمة، ونتواصل بشكل دوري مع شركائنا في ما يتعلق بتنفيذ العقوبات، لكننا لا نكشف تفاصيل تلك المحادثات”.
فيما ذكر مسؤول كبير في وزارة الثروات الطبيعية في كردستان أن “إنتاج النفط في الإقليم يبلغ 375 ألف برميل يوميا، يتم نقل 200 ألف منها بالشاحنات إلى إيران وتركيا وتكرير الباقي محليا”.
وبيّن المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه نظرا لحساسية الأمر: “لا أحد يعرف ما مصير عائدات 200 ألف (برميل يوميا) يتم تهريبها إلى الخارج، أو المشتقات النفطية المباعة لمصافي الإقليم”.