الأربعاء, سبتمبر 25, 2024
Homeمقالاترحلة دون تدخل في كتاب محمد الماغوط/ سأخون بلدي 2 : عبد...

رحلة دون تدخل في كتاب محمد الماغوط/ سأخون بلدي 2 : عبد الرضا حمد جاسم

العراف ما هذا؟
امة بكاملها تحل الكلمات المتقاطعة و تتابع المباريات الرياضية أو تمثيلية السهرة و البنادق الإسرائيلية مصوبة الى جبينها و ارضها و كرامتها و بترولها…كيف اوقِضُها من سباتها و أقنعها بأن أحلام اسرائيل أطول من حدودها بكثير و ان ظهورها امام الرأي العام العالمي بهذا المظهر الفاتيكاني المسالم لا يعني ان جنوب لبنان هو نهاية المطاف؟
فهي لو أعطيت اليوم جنوب لبنان طوعاً و اختياراً لطالبت غدا بشمال لبنان لحماية امنها في جنوب لبنان، ولو أعطيت كل لبنان لطالبت بتركيا و لو اعطيت تركيا لطالبت ببلغاريا لحماية امنها في تركيا ولو أعطيت اوروبا الشرقية لطالبت باوروبا الغربية لحماية امنها في أوروبا الشرقية و لو أعطيت القطب الشمالي لطالبت بالقطب الجنوبي لحماية امنها في القطب الشمالي.
وملأت حقائبي بالخرائط و المستندات و الرسوم التوضيحية و يممت شطر الوطن العربي اجوب ارجاءه مدينة مدينه و بيتاً بيتاً و حدثتهم كمؤرخ عن نوايا اسرائيل العدوانية وعن اطماعها التاريخية في ارضنا و انهارنا و مياه شربنا و عرضت عليهم كطوبوغرافي الوثائق و المستندات السرية و العلنية و باللغات العربية و الإنكليزية و التركية….و لكن لا احد يبالي.
ثم تحدثت اليهم كفنان و عرضت امامهم اشهر اللوحات التشكيلية و الرسوم الكاريكاتورية التي تصور اسرائيل كمخلب قط للاستعمار، كرأس جسر للإمبريالية، كأفعى تلتف، كعقرب يلسع كحوت كتنين كدراكولا، كريا و سكينه تقتل و تفتك و تتأمر و لا احد يبالي.
ثم تحدثت اليهم كخبير طاقة و حذرتهم من ان منابع النفط هي الهدف التالي لإسرائيل و اننا كعرب قد نعود الى عصر الحطب في المضراب و نفخ النار بالشفتين و طرف الجلباب…ولا احد يبالي.
ثم تحدثت اليهم كطبيب عن تسمم الطلاب و الطالبات في الضفة الغربية و الجثث المفخخة في مجازر صبرا و شاتيلا و عن التنكيل المستمر بأهلنا في الأراضي المحتلة و مصادرة البيوت و طرد السكان و تحديد الإقامة و منع السفر و منع العودة و اغلاق المدارس و تغيير المجالس البلدية  و قمع المظاهرات و اطلاق غاز الاعصاب و القنابل المسيلة للدموع المسيلة للتخلف…و لا احد يبالي.
ثم تحدثت اليهم كأب و نبهتهم الى ان كل مدرسة في الوطن العربي قد تصبح مدرسة بحر البقر و كل كاتب او شاعر قد يصبح كمال ناصر او غسان كنفاني و كل رئيس بلدية او دائرة حكومية قد يعود الى بيته على عكازين كبسام الشكَعه او كريم خلف…و لا احد يبالي.
ثم تحدثت الى الفلاحيين كفلاح و الى العمال كعامل و الى التجار كتاجر و الى اليمينيين كيميني و الى اليساريين كيساري و الى المزايدين كمزايد و الى المعتدلين كمعتدل و الى العجائز كعجوز و الى الأطفال كطفل…وقلت لهم ان اتفاق شولتز مثله مثل اتفاقيات كامب ديفيد و اتفاق سيناء التي تمت من وراء ظهوركم فهو مصوغ بدقة متناهية كابتسامة الجوكندا بحيث لا احد يعرف اذا كان يبتسم لنا ام يسخر منا و لذلك فان دول عربية متخاصمة لم يتصور احد انها يمكن ان تتصالح قد تصالحت بسببه و ان دول أخرى صديقة لم يتصور احد انها قد تختلف قد اختلفت بسببه و لكن للتحركات السياسية حدود و للجهود الدولية معايير لا يمكن الاخلال بها و ان مؤتمر الشعب العربي الدائم و قضيته المركزية فلسطين لا يستطيع ان يستمر في عقد جلساته الطارئة الى ما لا نهاية ما لم يلقى استجابة من هنا او دعما من هناك.
و ان لمقاومة الوطنية في لبنان مهما كانت باسلة لا تستطيع وحدها القضاء عليه مالم تعمم هذه التجربة في كل بلدعربي…”وقصصت عليهم احسن القصص” عن البطولة و الفداء و الروعة في ان يكون الانسان ثائرا من اجل وطنه ينصب الكمائن و يطارد الأعداء في شعاب الجبال و في فترات الاستراحة يضم بندقيته الى صدره و يقرأ على ضوء القمر الرسائل الواردة اليه من الوطن اذ في كل صفحة خصلة  شعر من خطيبة او ورقة ورد يابسة من حبيب. و قرات عليهم بنبرة مؤثرة و غاضبة اجمل قصائد المقاومة و النضال لناظم حكمت و لوركا و هوشي منه و محمود درويش و سميح القاسم و لا احد يبالي…
الكل ينظر اليَّ تلك النظرة الحزينة المنكسرة كغصن و ينصرف متنهدا الى عمله… ماذا افعل اكثر من ذلك لاُثير نخوتهم و غضبهم و مخاوفهم؟ هل اضع على وجهي قناع يمثل سُنَيَّ بيغن الاماميتان المشرومتين ام اضع عصابة سوداء  على عيني مثل موشي دايان و أقفز على اسِرةُ الأطفال في ظلام الليل…هل اعرض في الساحات العامة صوراً شعاعية لما يعتمر في صدر شارون و بيريز و ارينز و ايتان و غيرهم من ضغينة و حقد على هذه الامة و ما يبيتون لها و لشعوبها من قهر و ذل و جوع و دمار؟
هل فقدت الشعوب العربية احساسها بالأرض و الحرية و الكرامة و الانتماء الى هذه الدرجة؟
ام ان الإرهاب العربي قد قهرها و جّوعها و روّعها و شّردها سلفاً اكثر بكثير مما فعلته و ما قد تفعله إسرائيل في المستقبل؟
الى التالية/ طوق الحمامة
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular