الجمعة, أكتوبر 4, 2024
Homeمقالاتبدل رفو .. وانتشال رداء الحزن عن القوش : حاتم خانى

بدل رفو .. وانتشال رداء الحزن عن القوش : حاتم خانى

 

القوش , مدينة التراث والاصالة والعراقة حيث تفوح من ازقتها العتيقة وتنبعث من دروبها الملتوية
انفاس تلك القلوب الطاهرة التي مرت بها ونقشت على جدرانها زخارف تحكي لنا مدى ارتباطهم بتلك
الارض واعتزازهم بذلك الانتماء لتربتها وسماءها وهوائها , وحيث لا زالت بيوتاتها تضم معالم تلك
الايقاعات التي كانت تأسر ساكنيها وتشعرهم بالامان تحت تلك الاقواس والقبب وفوق تلك القناطر الضيقة .
تتجول بين طرقاتها لتتذكر ناسها الطيبين حيث كانت قلوبهم نقية مفعمة بالرضا ومتلبسة بالقناعة , وحيث لا
زالت بساطة الكثيرين من اهلها وناسها تعلو على المظاهر الحديثة التي تزاحم نمط حياة سكانها .
عندما تكون في القوش تعود بك الذاكرة الى الماضي وتدورعجلة الزمان الى الوراء وتدق اجراس تلك
الذكريات لتفرش لك صور زمانك القديم حيث كان الناس جميعا يتمتعون بعلاقات اسرية ومجتمعية مترابطة
محكمة , لذا كانت دعوة النادي العائلي في القوش للشاعر بدل رفو لزيارة المدينة والمشاركة في امسية
ثقافية شعرية فرصة لنا ايضا لمصاحبة الصديق الشاعر لحضور الامسية اولا ومشاهدة المدينة ثانيا .
كانت الامسية جميلة وهادئة , بسيطة في تنظيمها وفعالة بجمهورها الذين انسجموا بصورة كلية مع
المحاضرة التي القاها الشاعر بدل رفو , التزم فيها الحضور بالاصغاء التام دون انقطاع , والمشاركة الغنية
في طرح الاسئلة والاستماع الى اجوبة الشاعر , حتى اننا لم نسمع اي تقاطع في الكلام بين الحضور او
انشغال بالموبايل كما كنا نلاحظ ذلك في امسيات اخرى , ومع ان هذه المشاركة لم تكن الاولى للشاعر في
هذه المدينة الا اننا رأينا تجمهر الحضور حول الشاعر والاستفسار منه عن الكثير من الامور المتعلقة
بمحاضرته وحياته وشعره وطفولته , وقد ابدع الشاعر في قراءة قصيدة ( القوش ) على الجمهور الذين
تفاعلوا بصورة كلية معها ولاسيما ان القصيدة قد تطرقت الى بعض شخصيات المدينة المعروفين للسكان مما
شجع الجمهور للتفاعل مع القصيدة والمشاركة في التعريف بتلك الشخصيات , فقبر النبي ناحوم الذي يقع في
المدينة يمثل رمزا هاما من رموزها , يزوره المرتادون الى المدينة .
يقول الشاعر عن النبي ناحوم

على جبال القوش ..
على مشارف الوجع ينادي النبي (ناحوم)** بحزن وغيرة :
سقطت  نينوى يا ملك آشور

تشتت شعبك في الجبال
كما يتطرق بدل رفو الى الكاتب الالقوشي نبيل دمان فيقول
و(دمان) *** الملاح المغترب
وجع غربته يعانق نبض الحقول في القارات البعيدة
وينادي: القوش عشقنا الأزلي ..!!
ولا يتسى الشاعر ان يذكر .. غانم … نجار القوش المخضرم حيث كان هو الاخر معروفا لدى الالقوشيين
وجزءا من ذلك التاريح الذي يترنح بين اطلال اسواق المدينة القديمة .

ورغم فجائع التاريخ وانهيارات المدن
ظل( غانم)**** النجار يؤرشف ويدون في زقاق ضيق
ذكريات طفولة الزمن الجميل لألقوش ..
لتظل المهود تزين حانوته
بزيه الألقوشي ..!!

وكحال كل المدن العريقة , لابد ان يكون بين حاراتها وفي طرقها اشخاص يرسمون جزءا من تاريخها
الاجتماعي , حيث يذكر الشاعر اسماء …. كلو جاربوت , برو ….على انهم المجانين المعروفين لدى
السكان والذين يستأنسون بتواجدهم اليومي بالقرب من محلاتهم

لا احد يتحرش بمجانين القوش
(كلو جاربوت ،برو)*****غنوا للحياة،
وحجارتهم شِهاب على رؤوس المتحرشين بهم
وبمن يسرق عطر جنونهم ..!!

وكل من يزور القوش لابد ان يزور ديرها , فبدون هذا الدير تغدو القوش حزينة

القوش..ديرها يضئ مدينة على سفح الجبل
تتسلل اكتاف حياة ونبض الصباحات

بمجرد وصولنا الى المدينة توقفنا عند احد المحلات , وراح الشاعر بدل رفو يسأل المتواجدين عن ( ابو
ستيفن ) …. حيث كنا محظوظين برحابة الاستقبال في دار هذا الصديق , وسعداء اكثر بشرب قهوة ام ستيفن

… وفرحين بمشاهدة ديكور المنزل واقواس سقفه وارضيته التي جملته انامل ام ستيفن بنقوش تبرز مدى
حب هؤلاء الناس الطيبين للجمال .

القوش ..اغنية تسامح وشعب يرنوا للسلام ..
أزقة ضيقة وسحر الوان .. وازياء وبلاد عشق ..

وقد ظهر جليا مدى حب الشاعر للمدينة واهلها , والعلاقة القوية التي تربطه بهم , فقد اصر الصديق ابو
ستيفن ان يصحبنا في جولة بين ازقة المدينة القديمة ليحكي لنا قصة تلك العجوز التي توفيت نتيجة سقوط
جدار احد المنازل عليها , مما اجبرالسكان على هدم بقية الجدران الآيلة للسقوط , لتفقد المدينة تلك الدور
القديمة والتي رسمت الطابع التراثي لها .

ومن غربتي..
ارسل مع الاثير المعبق بعطر المحبة
قبلة لمدينة عشقتها
انها القوش ..!!

ويبدو ان المسار الذي سلكه الشاعر في محاضرته , ايقظ اوجاع الجمهور وراحوا يتبادلون الاحاديث معه
بمجرد الانتهاء من محاضرته , فرداءات الحزن قد خطت على سطور قصيدته ( القوش ) لتمتزج مع احزان
المدينة حيث تلمسنا هذا الحزن ببكاء الاطلال على هجرة شبابها الى الخارج وترك هذه البيوت الجميلة
وترك مدينتهم تجابه اعاصير التغيير والفراغ لوحدها . وبدت لنا المدينة وهي تقاوم الوجع والم فراق الاحبة
لوحدها , وقد تأسفنا نحن محبيها اننا قد لا نرى الاصدقاء الذين تعرفنا عليهم في المرات القادمة التي نزورها
.
القوش.. يا ميناء النوارس ..
يا تاريخ حب يعطر القلوب ..
وحكاية لسحر الفصول الاربع ..
يا قطرة من بحار فخر وضمير ..
وصدى العشق في جوف الموج الأزرق

نظم الشاعر بدل رفو قصيدته ( القوش ) في اكتوبر 2021 , وهكذا رأيناها اليوم السبت 29 / 9 / 2024
حزينة برداءها , مقفرة بشوارعها , خالية من لهو اطفالها .
وجدرانها حيث ينساب ندى الصباح عليها كدموع على فراق الاحبة .

حاتم خانى
القوش 29 / 9 / 2024

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular