منذ عقود يحاول الاعلام المصري وماكنته السينمائية والدرامية بتركيز صورة ذهنية في عقل المواطن العربي, من ان مصر بلد العروبة والاصالة وانه تحارب الصهاينة, وانها رمز الصمود وخط المواجهة الاول, مع ان مصر بلد مطبع مع الكيان الصهيوني منذ السبعينات القرن الماضي, وبينهم علاقات اقتصادية وامنية كبيرة جدا, وجاء طوفان الاقصى ليكشف اكذوبتهم ويفضح حال المصريين, من أنهم مجرد بلد تابع للصهاينة! يقدم كل الخدمات التي يقدر عليها للكيان الغاصب في سبيل القضاء على أهل فلسطين, نعم أيها القارئ لا تتعجب هذا واقع حال الطبقة الحاكمة في مصر, صهيونية أكثر من الصهاينة.
وجاءت حادثة السفينة كاثرين, تفضح أسرار التعاون العسكري الوثيق بين الجيش المصري والجيش الصهيوني الإرهابي.
في قصة متطورة أثارت مشاعر عامة قوية في جميع أنحاء مصر والشرق الأوسط، رست السفينة إم في كاثرين، المسجلة في ألمانيا، في ميناء الإسكندرية بمصر، وهي تحمل شحنة من المتفجرات العسكرية حسبما ورد, وانتشرت تكهنات على نطاق واسع بأن المتفجرات كانت مخصصة للاستخدام العسكري الصهيوني، مما أثار تساؤلات حول موقف مصر من الصراع الإقليمي المستمر, فهل هي في الباطن مع الصهاينة ضد عرب فلسطين؟ وقد وضع هذا الحادث الإدارة المصرية تحت المجهر، وكشف عن تحديات سياسية وأخلاقية كبيرة في الوقت الذي تحاول فيه توضيح موقفها.
· خلفية الجدل حول MV كاثرين
بدأت القصة عندما شقت السفينة إم في كاثرين، وهي سفينة مسجلة في ألمانيا، طريقها عبر مياه دولية متعددة قبل أن ترسو في الإسكندرية, حيث أشارت التقارير الأولية إلى أن السفينة كانت تنقل أكثر من 150 ألف كيلوغرام من متفجرات RDX، مما أثار جدلاً بسبب أن المتلقي المقصود هو الكيان الصهيوني. وقد أثار هذا الادعاء موجة من الغضب، لأنه يتزامن مع تصاعد الهجمات الصهيونية ضد غزة وجنوب لبنان، حيث انخرطت القوات الصهيونية في عمليات عسكرية واسعة.
وللهروب من المسؤولية أنكرت الحكومة المصرية في البداية أي تعاون، حيث ذكر المسؤولون أن التقارير عن نقل الأسلحة إلى الكيان الصهيوني لا أساس لها من الصحة, لكن التصريحات المصرية المتضاربة الصادرة عن مختلف الهيئات الحكومية لم تؤد إلا إلى إثارة الشكوك العامة, ومع تداول المعلومات التي تربط حمولة السفينة المتفجرة والراسية في ميناء الاسكندرية بالكيان الصهيوني، عندها اشتدت المطالبة العامة بالوضوح والمساءلة.
· تصريحات مصرية رسمية متضاربة
أصدرت الإدارة المصرية بيانات مختلفة تحاول تهدئة الضجة, حيث رفضت مصادر حكومية في البداية التقارير التي تفيد بأن السفينة MV كاثرين ترسو بإمدادات عسكرية متجهة إلى الكيان الصهيوني، مشيرة بدلاً من ذلك إلى أن الشحنة كانت مخصصة لوزارة الإنتاج الحربي المصرية. ومع ذلك، سرعان ما ظهرت التناقضات كبيرة في التصريحات المصرية الرسمية، حيث ناضل المسؤولون للحفاظ على رواية متسقة. وزعم أحد التقارير أن الشحنة كانت مخصصة للاستخدام العسكري المصري فقط، في حين أشار بيان آخر إلى أن السفينة رست بالفعل, ولكن مع شحنة موجهة نحو تطبيقات عسكرية مختلفة.
رداً على ذلك، بدأت شخصيات المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية في التعبير عن مخاوفها. وأصدرت منظمة العفو الدولية بيانا أدانت فيه أي تسهيل لإمدادات الأسلحة التي يحتمل أن تكون متجهة إلى الكيان الصهيوني، وسلطت الضوء على تداعيات ذلك على المدنيين الفلسطينيين. وقد خلقت هذه التناقضات والتدقيق المتزايد وضعًا صعبًا للإدارة المصرية، وهي تسعى إلى التغلب على المعارضة العامة والانتقادات الدولية.
· دور وسائل التواصل الاجتماعي ورد الفعل العام
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا في تضخيم الجدل. أعرب الناشطون والشخصيات العامة والمواطنون المصريون عن غضبهم من الآثار المترتبة على احتمال قيام حكومتهم بمساعدة الجهود العسكرية الصهيونية، خاصة في فترة تتميز بالهجمات وحشية ومستمرة على غزة وجنوب لبنان, وتوجه المدونون العرب إلى تويتر بكثافة، متهمين الحكومة بالخيانة، مؤكدين على الشعور بأن أي شكل من أشكال التعاون مع الكيان الصهيوني يمكن اعتباره تواطؤاً في أعمال ضد الشعب الفلسطيني.
ولم يقتصر رد الفعل الشعبي على مصر وحدها, وقد أعرب الناس في جميع أنحاء العالم العربي عن استيائهم، معتبرين أن أي تعاون مزعوم يعد انتهاكًا للتضامن العربي مع فلسطين. ولم تؤد ردود الحكومة المصرية المتنوعة، إلى جانب التكهنات المتزايدة، إلا إلى تأجيج الشكوك، وتقويض مصداقية الإدارة محليا وإقليميا.
· تتبع MV كاثرين: الأدلة والتحقق
إن القدرة على تتبع السفن البحرية في الوقت الفعلي جعلت من الصعب على الحكومات إخفاء مثل هذه الأنشطة. وقد سجلت المنصات الرقمية مثل MarineTraffic تحركات السفينة MV كاثرين، مما يوفر بيانات محددة حول أنماط الرسو والبضائع المسجلة. هذا المستوى من الرؤية جعل من المستحيل تقريبًا على المسؤولين رفض رسو السفينة في الإسكندرية.
وبحسب ما ورد تؤكد وثائق المحكمة الواردة من ألمانيا أن حمولة السفينة تضمنت مواد متفجرة، مما يدعم مزاعم شحنة الأسلحة, وتشير هذه الأدلة إلى أنه بغض النظر عن المتلقي المقصود، فإن تورط مصر في نقل المتفجرات أصبح أمرًا قياسيًا، وهو ما يتناقض مع النفي الحكومي الأولي. هذا المستوى من الشفافية، المتاح من خلال التتبع الرقمي، ترك الحكومة المصرية مكشوفة، مما يتحدى الأساليب التقليدية للسيطرة على الأضرار في مثل هذه الخلافات.
· التداعيات الأوسع على موقف مصر في الشرق الأوسط
دور مصر التاريخي في الصراع العربي الصهيوني تاريخياً، احتلت مصر مكانة بارزة كوسيط في الشرق الأوسط. وفي أعقاب اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، التي أدت إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، أصبح يُنظر إلى مصر على أنها قوة استقرار في المنطقة, ومع ذلك، فإن فضيحة MV كاثرين تخاطر بتغيير هذا التصور الساذج, الذي كانت تغذيه الماكنة الاعلامية المصرية للمتلقي العربي, وفي خضم التصور العام بأن مصر ربما تعطي الأولوية للعلاقات الاقتصادية على حساب التزامها الطويل الأمد بالسلام الإقليمي، أثار هذا الحادث تساؤلات حول دور مصر الحالي في العلاقات العربية الصهيونية.
· التحولات المحتملة في التحالفات الإقليمية
وإذا ثبتت صحة هذه الادعاءات، فقد تواجه مصر تداعيات دبلوماسية كبيرة من الدول العربية المجاورة التي تدعم فلسطين، مثل العراق ولبنان وسوريا, بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتأثر العلاقات مع تركيا وقطر – وكلاهما من أشد المنتقدين لتصرفات الكيان الصهيوني في غزة, وقد يكون لخطر تدهور التحالفات مع هذه الدول آثار بعيدة المدى على مكانة مصر الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية داخل المنطقة, وقد يؤدي هذا إلى تحول في التحالفات الإقليمية، مما يقوض مكانة مصر كزعيم عربي تقليدي.
· التداعيات الاجتماعية والسياسية داخل مصر
المشاعر العامة والاضطرابات الداخلية وفي مصر، أصبح الرأي العام ينتقد بشكل متزايد أي تحالف مع الكيان الصهيوني، وخاصة خلال الفترة التي تميزت بالعنف في غزة. وينظر العديد من المصريين إلى هذا التعاون المزعوم باعتباره خيانة لموقف الأمة التاريخي تجاه فلسطين. وإذا فشلت الحكومة في تقديم تفسير شفاف، فقد تتزايد احتمالية اندلاع احتجاجات واضطرابات مدنية، خاصة بين فئة الشباب المصريين الناشطين اجتماعياً.
· الخاتمة: سياسة مصر الخارجية على مفترق الطرق
أثارت فضيحة السفينة كاثرين تساؤلات حاسمة حول سياسة مصر الخارجية، خاصة فيما يتعلق بموقفها من القضية الفلسطينية وتعاونها مع الكيان الصهيوني, إن كيفية تعامل مصر مع هذا الوضع يمكن أن تحدد دورها في الشرق الأوسط لسنوات قادمة, إن موازنة العلاقات الدبلوماسية وضمان المساءلة، والاستجابة بشفافية للمخاوف العامة هي خطوات أساسية لمصر لاستعادة مكانتها على المستوى الإقليمي وبين شعبها.
و ستؤثر نتيجة هذا الجدل على الإدارة الحالية في مصر و ستشكل سابقة لتورطها في صراعات وتحالفات الشرق الأوسط المستقبلية, والمضي قدمًا سيكون الالتزام بالحوكمة المسؤولة والوضوح والتواصل المفتوح, أمرًا ضروريًا لاستعادة سمعة مصر على الساحة العالمية.
الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي