سخر المصريون من هذه العبارة العجيبة الغريبة (اما ان نحكمكم او نقتلكم ) والتي رددها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكررها في احدى اللقاءات , وقد نسبها البعض الى الاخوان المسلمين في مصر ؛ بينما استغرب البعض من مدلولات هذه العبارة التي تدل على الدكتاتورية والعنف والوحشية والهمجية ؛ واستنكر البعض الاخر هذه العبارة ورفضها جملة وتفصيلا ؛ وبغض النظر عن قائلها ؛ تعبر هذه العبارة عن حقيقة واقعية عاشها العراقيون منذ عام 1920 والى هذه اللحظة ؛ فهي تمثل لسان حال الاغلبية والامة العراقية , اذ هرول رجالات الاحتلال العثماني وخدم ومرتزقة الباب العالي الى التاج البريطاني ولثموا تراب الانكليزي وقبلوا اقدام البريطانيين ؛ من أجل الظفر بالحكم والتحصن بالسلطة والاحتماء بالأجنبي , ولقد تقدم كثير من الطائفيين الغرباء والعنصريين الدخلاء والاجانب اللؤماء الى سدة الحكم من دون تجربة وعبرة سابقة للسلطة بشتى مواقعها فاحتوتهم الشهوة السلطانية بغير سابق تزكية اخلاقية او مهنية وكفاءة سياسية او استحقاقات وطنية … ؛ لذلك استشرت أمراض السلطة المفسدة وانتشرت بينهم العقد النفسية والاجتماعية والاحقاد الطائفية والعنصرية ؛ وتسلطوا على العراقيين الاصلاء بكل وجوه الأذى والضرر بل حتى فيما بينهم , فعندما كانوا يختلفون فيما بينهم يكونوا أشد قسوة ومرارة ؛ فحب التسلط والشغف بالحكم والركض خلف الحصانات والامتيازات ؛ اجتاح كيانهم وتغلغل في نفوسهم وبين اوساطهم الاجتماعية ؛ فكان كبيرهم عينه على كرسي الحكم وصغيرهم شعاره (لو مُلازم لو ما لازم ) فصار اغلبهم لا يبالي ليشبع نفسه بمتاع السلطة أن يخون العهد أو يعطل حد الشرع أو يغض الطرف عن ابشع الجرائم واشنع الجرائر ، او يقتل العباد ويتنازل عن مياه واراضي البلاد , او ان يتبرع بالثروات والخيرات الوطنية للأجانب ويبدد الطاقات البشرية والمقدرات العراقية .
فظاهرة شهوة السلطة وعبادة كرسي الحكم ملازمة لأغلب ابناء الطائفة السنية الكريمة فضلا عن ابناء الفئة الهجينة , اذ لديهم استعداد في تقديم الكثير من التنازلات لكل دول الجوار والاقليم فضلا عن قوى الاستكبار والاستعمار , والتخلي عن الاراضي العراقية الشاسعة لدول الجوار كما فعلوها منذ عام 1920 والى عام 2003 , واراقة الدماء واشاعة الخراب والدمار , والدخول في حروب الوكالة الخاسرة ومعارك النيابة الماحقة , وتقديم ابناء الاغلبية والامة العراقية قرابين رخيصة ؛ من أجل بقاءهم في الحكم , بل قد يعمدون الى استبدال العراقيين الاصلاء بالأجانب والغرباء الدخلاء ؛ لو اتيحت لهم الفرصة .
وبسبب تلك الرغبة الجامحة الشديدة التي لا تهدأ الا بالحصول على السلطة ؛ انخرط الكثير منهم في صفوف الحركات الارهابية والتنظيمات الاجرامية والفصائل التكفيرية , بل استدعوا الاجانب والغرباء من كل حدب وصوب , فقد دخلت البلاد اكثر من 83 جنسية اجنبية من شذاذ الافاق بحجة الجهاد وذريعة قتال الامريكان , الا ان الحقيقة الواضحة للعيان والتي لا تحتاج الى برهان ؛ ان هذه الجحافل وتلك الجيوش جاءت للفتك بأبناء الاغلبية والامة العراقية , وارجاع الحكم للطائفة السنية الكريمة , ولم تتوقف العمليات الارهابية والاحداث الاجرامية الا بعد ان ادخلوا العناصر الارهابية السنية او تلك المرتبطة بالإرهاب او تلك التي جاءت من حواضن الارهاب في الحكومة واعطائهم الامتيازات الكثيرة والمناصب المهمة ؛ حتى قال بعضهم من اهل الانبار : ( بأن الاموال والامتيازات التي حصلنا عليها في عهد الشيعة أكثر من تلك التي كانت لنا في عهد صدام ؛ بل لا وجه للمقارنة …!!) بل وصلت المهزلة ان اعطت الحكومة العراقية رواتب تقاعدية مجزية لأزلام النظام و زبانية الاجهزة القمعية والبعثية واقارب صدام من همج العوجة ورعيان تكريت , والبالغ عددهم اكثر من نصف مليون شخص , حتى ان البعض منهم كان تقاعده أكثر من الراتب الذي كان يتقاضاه في عهد صدام ؛ ومع كل تلك التنازلات من قبل الحكومات العراقية وغض الطرف عن كل جرائمهم ومجازرهم وانتهاكهم لحقوق الانسان قبل عام 2003 وبعده , تامروا ولا زالوا مع مختلف الجهات الاجنبية لإسقاط التجربة الديمقراطية والانقلاب على العملية السياسية , والرجوع الى مربع الدكتاتورية والتسلط والعنف واراقة الدماء ومطاردة المواطنين الابرياء وابادة العراقيين الاصلاء .
ومن الواضح ان أسوأ الامراض النفسية والعقد الاجتماعية , اتصاف الفرد والجماعة بشهوة التسلط والهيمنة , والسعي الدؤوب نحو الكرسي وبغض النظر عن الغايات والوسائل , ذلك لأنهما أنماط أنانية وخطيرة وضارة بالفرد والمجتمع ؛ وما لم تضع الحكومات الوطنية والنخب العراقية ومنظمات المجتمع العراقي خطط استراتيجية لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة , وتقوم الاجهزة الامنية بضربات استباقية تجفف منابع الطائفية والعنصرية والعنف والارهاب ؛ والتي تهدد بنية المجتمع العراقي , وتتربص بالعملية السياسية والتجربة الديمقراطية ؛ وتعرض السلم الاهلي والامن المجتمعي للمخاطر الجسيمة ؛ فأن العواقب وخيمة , والكارثة اتية لا محالة .