انا الحاوي
انا العرب دون نفط و عبد الناصر دون مايكرفونات
انا المؤامرة على لبنان و لا استطيع فضحها
مجازر حرب الخليج و لا استطيع وقفها
المقاومة الفلسطينية تنهار و لا استطيع دعمها
البطون الجائعة في كل بيت و لا استطيع اطعامها
الأجساد العارية على كل رصيف و لا استطيع سترها
الجراح العميقة في كل قلب و لا استطيع تضميدها
الخناجر المغروسة في كل ظهر و لا استطيع نزعها
الدموع على كل وجه ولا استطيع تجفيفها
الوحدة القاتلة في كل سرير و لا استطيع تخفيفها
الجثث المبعثرة في كل خطوة و لا استطيع دفنها
النسور الحبيسة في كل قفص و لا استطيع اطلاقها
الحقوق المهدورة غي كل مكان ولا استطيع لمها
أي ان جميع الطاقات السياسية و الفكرية الاقتصادية و العاطفية كا الحب و الخير و الجمال و الصداقة و الخبرة و الوفاء و طرافة الحديث و شدة الانتباه يجب ان تجد نفسها امام العجز الكامل
أي ان الانسان العربي لا يستطيع في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها امته ان يلعب أي دور سياسي او ثقافي او اجتماعي او نضالي ولو غناء مثل عبدة الحامولي او صالح عبد الحي
و لكن من جهة أخرى لقد دربت الدببة على الرقص
و القردة على الغناء
و البلابل على النعيق
و النمل على الفوضى
و الماعز على النظام
و الثعلب على الوفاء
و الكلب على الغدر
و السنونو على الإقامة
و الدجاج على الهجرة
و الذئب على التسامح
و البجع على الحقد
و الحملان على الصمود
و الارانب على التهور
و الضفادع على الصمت
و الببغاء على الخطابة
و السمك على النوم
و الجراد على الزحف
و السلحفاة على القفز
و لم استطع تدريب انسان العربي واحد على صعود الباص من الخلف و النزول من الامام فكيف بتدريبه على الثورة
ولذلك زودت أطفال الشرق منذ الان بعناوين الاونروا و وكالات غوث اللاجئين و دربتهم على الوقوف في طوابير الاعاشة و أداب النوم في الملاجئ و الاستلقاء في المقابر الجماعية و دربت قاصراته على ألام الاغتصاب و ضرورة التمسك بلعبهن، بحصالات نقودهن، بثياب الموتى من حولهن، ان لا يأخذن ابدا بالشعار الذي اطلقته إسرائيل عام 1948 ” العرض قبل الأرض” لان الارض قبل العرض و الطول، قبل بيارات البرتقال و بساتين الليمون، قبل زرقة البحر و غناء الصيادين و مواويل الفلاحين، قبل الزراعة و الصناعة و الفن و العلم و المعرفة و اليمين و اليسار و الماضي و الحاضر و المستقبل و لكنها ليست قبل الحرية
………………………
التالية: 19 / طفح جلدي
من كتاب سأخون بلدي لمحمد الماغوط
عبد الرضا حمد جاسم
…