التغيير ضرورة من ضرورات الحياة
التغيير سنّة حتمية من سنن الحياة، وهو واقع يجب أن نعيشه ونتقبله بل ونسعى إليه في مختلف مجالات الحياة سواء السياسية أو الثقافية أو الدينية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو البيئية أو المعرفية ، وأن نعمل على الاستفادة منه في الانتقال من الواقع الحالي إلى مستقبل أكثر إشراقاً وتميزاً ؛ وأن نعد العدة للتحديات والمخاطر , ونضع السيناريوهات المختلفة لحلحة المشاكل والازمات المتوقعة .
التغيير السياسي القادم سلبي
نعم التغيير في الحياة سنة حتمية وطالما تكيف الانسان معه , وقد يصب في صالح الانسان , الا ان التغييرات السياسية لاسيما تلك التي تحدث في العراق تحمل معها الكثير من الاثار الخطيرة والتداعيات السلبية , فما تم تشييده على الباطل وتحت ظلال سيوف الاحتلال العثماني ثم البريطاني سيبقى باطلا ومنكوسا ومعوجا ؛ اذ لم ير العراق والعراقيون خيرا منذ تأسيس الانكليز المحتلين للدولة العراقية المعاصرة عام 1920 , فلا زالت اثار هذه المعادلة السياسية الغاشمة سارية المفعول الى هذه اللحظة , ولا زالت الاغلبية والامة العراقية تدفع ثمن تلك السياسة البريطانية الباطلة , وبما ان اتفاقية سايكس بيكو قد مضى عليها اكثر من مئة عام , وميزان القوى الدولية قد تغير كثيرا , لاسيما بعد دخول الامريكان والروس والصينيين الى المنطقة ؛ ادعى البعض ان المنطقة سائرة نحو التقسيم من جديد , وهذا الامر سوف يتطلب المزيد من المسرحيات السياسية والازمات والصراعات الاقليمية والنزاعات الطائفية والقومية وغيرها ؛ مما ينعكس سلبا على المنطقة والعراق , فكل مخططات الاستكبار والاستعمار لا تصب في مصلحة شعوب المنطقة , اذ يعمل هؤلاء الاشرار على نقل تلك الشعوب وبما فيها الشعب العراقي من سيء الى أسوء , فمن المؤكد ان النظام السياسي الجديد او التجربة السياسية الجديدة او التغيير المرتقب لن يكون أفضل حالا من الانظمة البائدة او التجارب السياسية السابقة , ومراجعة بسيطة لتاريخ العراق السياسي – من العام 1920 الى هذه اللحظة – ؛ تكشف لنا عن حجم الوصاية البريطانية والامريكية على هذا البلد ؛ فضلا عن التدخلات الاقليمية السلبية , ونقاط الضعف الداخلية والاضطرابات والمشاكل المزمنة المحلية ؛ وبما ان النتائج تتبع أخس المقدمات كما يقولون , ستكون التجربة السياسية الجديدة ليست مثالية ان لم تكن سيئة ومنكوسة .
الحالة السياسية المرتقبة
بما ان التغيير الاخير في العراق عام 2003 قد حصل بموافقة ومباركة أمريكية , وبما انه جاء متوافقا مع ارادة الاغلبية والامة العراقية , ومتماهيا مع النهج الديمقراطي الغربي والذي يدعو الى حكم الاغلبية من خلال الاحتكام الى صناديق الاقتراع , ولا زال يحظى بتأييد الكثير من العراقيين ؛ لذا سيكون التغيير من داخل النظام وبالطرق السلمية والديمقراطية , وليس بإزالة النظام السياسي برمته كما حصل مع نظام صدام الاجرامي , او اسقاط التجربة الديمقراطية , وحل مؤسسات الدولة كما حدث عام 2003 ؛ فهذا الامر يجعل الولايات المتحدة الامريكية والغرب في موقف صعب امام شعوبها والرأي العام , ويضر بسمعتها ومصداقيتها السياسية وقيمها المدنية والديمقراطية .
وعليه سيدفع الامريكان ببعض الشركاء في العملية السياسية او باشراك وجوه سياسية جديدة ومن ابناء الاغلبية العراقية وبالتحديد من اصحاب التوجهات العلمانية والليبرالية او لا اقل من الحركات الاسلامية التي لا تؤمن بولاية الفقيه او تؤمن بفصل الدين عن الدولة ؛ نحو اقرار العديد من القوانين التي تهدف الى حصر السلاح بيد الدولة , وتجفيف موارد الفصائل المسلحة , وسحب البساط من تحت الاحزاب الشيعية , ومحاربة النفوذ الايراني , واستبعاد الكثير من الشخصيات السياسية والدينية , وتقليص الرواتب والامتيازات , والغاء الكثير من القرارات التي تتعلق بحقوق الاغلبية … الخ ؛ مما يؤدي الى الحاق الضرر بالأغلبية الشيعية فقط , اذ ستبقى الامتيازات السنية والكردية وغيرها , بل ستزداد تلك الامتيازات على حساب الاغلبية العراقية المغبونة ؛ مما يؤدي الى ازدياد الفوارق الطبقية والطائفية والعرقية بين ابناء الامة العراقية , ويعمل على زيادة الاستياء والغضب والحنق الشعبي لاسيما في الوسط والجنوب العراقي , وبهذه الأيديولوجية المشبوهة تستمر المعاناة ويبقى الجمل على التل , و تتجه الامور نحو الهاوية مرة اخرى , وهذا ما يريده الاستكبار والاستعمار ؛ حصر الشعوب بدائرة مغلقة , وبقاء الجماهير بنفس الدوامة , فكل التغييرات السياسية التي تأتي من الاستكبار العالمي لا تستهدف الجوهر او تدعو الى الاصلاحات الحقيقية بقدر ما تستهدف تبديل الشخصيات كما تبدل حفاظات الاطفال بعد ان تمتلئ بالفضلات , وتغير الشعارات فحسب ؛ ونبقى نحن مصداقا للمثل الشعبي العراقي القديم : (( المطي نفس المطي بس الجلال مبدل )) .
ومن المحتمل ان تفوز احدى الشخصيات الشيعية في الانتخابات المقبلة والتي تتقاطع مصالحها وتوجهاتها مع السياسة الايرانية وكذلك مع الاطار الشيعي العراقي , وسيكون مجرد رئيس وزراء شكليا ؛ اذ سيكون القرار بيد المستشارين السنة وحسب التوجيهات الامريكية والغربية ؛ مما ينعكس سلبا على مجمل تفاصيل حياة الاغلبية العراقية المغبونة في الوسط والجنوب فضلا عن غيرهما من مناطق العراق الاخرى .
وهنالك سيناريوهات محتملة اكثر قتامة , سنتناولها في الحلقات القادمة ؛ فللحديث تتمة … .
3
فرضية عودة البعثية او حكم الاقلية
قد سأل احدهم عن ايهما أطول عمرا : العراق السني البريطاني (83 عام ) ام العراق الشيعي الامريكي ؟
فأجاب : العراق السني البريطاني أطول الا ان العراق الشيعي الامريكي الاقوى أثرا ؛ نعم يخطئ من يعتقد ان الاغلبية العراقية قد تقبل بعودة عقارب الساعة الى الوراء , والرجوع الى مربع حكم الاقلية باسم الملكية او الجمهورية او الوطنية او تحت شعارات القومجية او البعثية ؛ فما بعد عام 2003 ليس كما قبله , فقد عرفت الاغلبية العراقية حقيقة القوم وارتباطاتهم الخارجية , وزيف شعاراتهم وادعاءاتهم السياسية , ولا يغرن البعض ان جماهير الاغلبية العراقية المستاءة من بعض الساسة من المحسوبين عليهم ؛ سوف يقبلون بغيرهم من المحسوبين على الفئة الهجينة الحاقدة والطائفة السنية الكريمة ؛ فان كان العراقي الاصيل ينتقد اخاه ويشجب اباه بسبب الفساد او سوء الادارة ؛ فهو يبغض الهجين بغضا عقائديا بل وراثيا ؛ لأنه يرى فيه الحقارة والدناءة والعمالة والقسوة والاجرام والارهاب وانعدام الاصل والشرف والاخلاق والارتباط بالأعداء والمحتلين ؛ ولعل البعض منا لا زال يتذكر كيف ان العراقيين الاصلاء يشتمون صدام في عقد التسعينات (خربصدام ) بمناسبة ومن دونها لاسيما في المناطق الشعبية كالثورة ومحافظات الجنوب , ويطلقون عليه تسمية ( ابن صبحة ) للانتقاص والاستهزاء بل وصل الامر بهم ؛ انهم اذا ارادوا ان ينتقصوا من احد قالوا عنه ( الحزبي او البعثي ابن البعثي او عرضه صكط بعثي ) ؛ ولم يتوقف اقتناص شراذم البعثية ومجرمي الاجهزة القمعية الصدامية واغتيالهم قط , لاسيما في الانتفاضة العراقية الخالدة عام 1991 وبعد استشهاد السيد محمد محمد صادق الصدر 1999 – الانتفاضة الصدرية – , وبعد سقوط النظام الاجرامي عام 2003 ؛ اختبئت شراذم الطائفية وعصابات البعثية في الجحور والحفر ك كبيرهم ابن صبحة الذي علمهم الاجرام والارهاب ؛ وهرب البعض الاخر منهم كالجبناء , بينما تم انزال القصاص العادل بالقلة القليلة منهم ؛ فمن سابع المستحيلات تدجين الاغلبية العراقية او اخضاعها للفئة الهجينة او للأقلية السنية في التغيير الجديد , وذلك للأسباب الكثيرة ومنها : ان الاغلبية العراقية معروفة ومنذ القدم بالتمرد والكبرياء والعصيان وعدم القبول بالظلم والجور , وقيامهم بالثورات والانتفاضات ضد الاجانب المحتلين او الحكام المختلفين معهم اختلافا عقائديا ولاسيما النواصب والطائفيين منهم ؛ وقد خاضت الاغلبية العراقية معارك وثورات وصولات وانتفاضات عديدة طوال عقود حكم الفئة الهجينة والطغمة الطائفية – من عام 1920 حتى 2003 – على الرغم من تهميشهم واقصائهم وافقارهم وتجريدهم من كل عناصر القوة , وانعدام كافة انواع الدعم المادي واللوجستي الخارجي لهم , ومع ذلك بدؤا معارضتهم بالمكوار والفالة وانتهوا بالكلاشنكوف والمسدس ؛ هذه حالتهم السابقة مع اعتى المجرمين والظلمة السفاحين , فما بالكم الان وهم يتمتعون بالكثير من المقومات المادية والمعنوية , وفرضية رجوع البعثية او الاقلية السنية للحكم في العراق , وتشبيه هذا الامر بعودة طالبان للحكم في افغانستان وبمساعدة ومباركة الأمريكان ؛ قياس مع الفارق , فحركة طالبان تنتمي للأغلبية السكانية الافغانية وتتماهى مع عقائد الافغان وعاداتهم وتقاليدهم , وتحظى بتأييد الكثير منهم ؛ بخلاف البعثية والاقلية السنية , واما بخصوص البعثية الذين هم يعتبرون الوجه الاخر للأقلية السنية فتاريخهم الاجرامي معروف لدى العراقيين ولا يوجد عراقي اصيل او شريف يحبهم او يحترمهم ؛ باستثناء ابناء الاقلية السنية والفئة الهجينة والقلة القليلة من دونية الاغلبية من سقط المتاع وحثالة المجتمع ؛ واما فيما يتعلق بحكم الاقلية السنية فهم قد تخفوا خلف الشعارات الملكية والجمهورية والوطنية والقومية والبعثية طوال 83 ؛ وقد انطلت مسرحياتهم على جماهير الاغلبية والامة العراقية الا انهم اسفروا عن حقيقتهم الطائفية وكشروا عن انيابهم العنصرية الاجرامية في قمع الانتفاضة العراقية عام 1991 وما بعدها فقد رفعوا شعارات ( لا شيعة بعد اليوم ) ودنسوا المقدسات وهتكوا الحرمات ونفذوا عمليات التطهير الطائفي بلا رحمة ولا شفقة وامتلئت بلاد الرافدين بالمقابر الجماعية , ولم يكتفوا بكل تلك المجازر ولم يرتووا من دماء الشيعة , اذ شنوا الهجمات والغزوات الاجرامية والصولات الجهادية التكفيرية والعمليات الانتحارية وفجروا المفخخات والاحزمة الناسفة بين الابرياء من العراقيين الاصلاء بعد عام 2003 , بل واستغاثوا واستعانوا بالأجانب المجرمين والغرباء المشبوهين والاعراب الذباحين , وطلق البعض منهم زوجاتهم من بنات الاغلبية وطالبوا بإرجاع بناتهم من رجال الاغلبية , وهجروا الشيعة من مناطقهم واستولوا على بيوتهم واملاكهم , وغيرها الكثير الكثير من الجرائم الطائفية والافعال المنكرة العنصرية والسلوكيات المرضية والتصريحات الحاقدة العنصرية والطائفية ضد الاغلبية والشيعة وابناء الجنوب … الخ ؛ مما شكل سدا منيعا وحاجزا كبيرا بين ابناء الاقلية والاغلبية , ودق اسفين بينهما , لاسيما وان شباب الشيعة الان قد تعودوا على الحريات المختلفة ونشأوا نشأة خير وعز ودلال وراحة , والكثير منهم متشبث بالعقائد والطقوس الدينية ولديه استعداد بأن يحرق الاخضر واليابس اذا ما شعر بأن عقيدته الشيعية او مقدساته الدينية او حرياته المذهبية قد تتعرض للخطر او المنع او التضييق … الخ ؛ وبما ان ابناء الاقلية السنية لا يعرفون غير لغة العنف والقسوة والقوة والاقصاء والتكفير والتهميش والتضييق وخنق الحريات وتكميم الافواه وتجفيف الموارد والخيرات , وتفضيل الغرباء على المواطنين الاصلاء بحجة القومية العربية او بذريعة الاخوة الاسلامية او القضية الفلسطينية … الخ ؛ سيصدمون بالأغلبية العراقية وتبدأ المعارضة المسلحة ولكن هذه المرة لا تقتصر على الفالة والمكوار او الكلاشنكوف والمسدس , بل ستأخذ منحنيات خطيرة قد تطال الكل وبلا استثناء بما فيها المصالح الغربية والموارد النفطية والغازية وغيرها , وقد تتطور الامور الى اعلان الحرب الطائفية والدعوة للتقسيم … ؛ ولا اعتقد ان مئات الالاف من ابناء الحشد والفصائل المسلحة وتشكيلات المقاومة والاحزاب الاسلامية سوف تلتزم الصمت او ترمي السلاح او تهرب من المواجهة فيما اذا استلمت شراذم الاقلية السنية او شذاذ الفئة الهجينة السلطة في العراق .
وكل طرق الانظمة السنية الاستبدادية البائدة واساليب الفئة الهجينة الملتوية من أجل الالتفاف على جماهير الاغلبية العراقية او البطش بهم أو إقصائهم أو على الاقل تهميشهم , والضحك عليهم , وتسخيرهم ؛ والتي استخدمت طوال اكثر من قرن من الزمن ؛ كشفت وتعرت واصبحت لا تنطلي على شباب ورجال الاغلبية ؛ وكالعادة ان جائت الاقلية الى الحكم فإنما تأتي من دون قواعد جماهيرية او حاضنة شعبية ؛ وستبقى مستندة على الاستكبار والخارج ومرهونة بهما , ولا علاقة لها بالعراق والعراقيين الاصلاء .
البعض يراهن على عودة الاقلية وبنفس الادوات العتيقة , ومنها : السيطرة على وسائل الاعلام والتبشير بهم وتمجيدهم والاشادة بهم وبمشاريعهم الوهمية والبسيطة والمشبوهة , وامتداح خطواتهم الغاشمة والعنصرية والطائفية والتي سوف تغلف بغلاف الوطنية والانجاز ومكافحة الفساد , وتقييد الحريات وتكميم الافواه , واشغال الناس بالهموم والمشاكل اليومية , وتقليص الرواتب والوظائف والامتيازات , وارجاع الظروف المعيشية القاهرة واحوال العمل القاسية , و زرع الخنوع واليأس والخوف والقلق في نفوس الشعب ؛ والقبول بهم وبحكمهم وعلى الرغم من كل السلبيات والازمات ؛ وکأمر واقع مفروض على الاغلبية والامة العراقية ؛ الا ان هذا الرهان خاسر , لان زمن الرهانات الهجينة قد ولى ومن دون رجعة .