كل القوى الاجنبية والاحتلالات والتدخلات الخارجية والغزوات الوحشية التي سيطرت على بلاد الرافدين ؛ ابتداء بالاحتلال المغولي مرورا بالاحتلال العثماني ثم الاحتلال البريطاني وانتهاء بالاحتلال الامريكي ؛ عملت على استغلال ونهب وسرقة خيرات الوطن وافلاس وتجهيل وتهميش وتدجين المواطن , ثم جاءت الحكومات الهجينة والعميلة والطائفية وطوال 83 عاما لتكمل مشوار القوى الاستعمارية والاستكبارية , وتنفذ المخططات والاجندات الخارجية المشبوهة , وتعاون الطرفان على حصر المواطن بين الاستعمار والاستكبار وبين التهميش والتدجين والاستحمار ؛ وطوال كل تلك القرون الطويلة والعقود المريرة كان حال العراقي لا يسر الاصدقاء والاعداء ؛ فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار , اذ تم وضعه ولا زال في دوامة من الازمات والنكبات والانتكاسات ؛ ولا زال يدور في حلقة مفرغة ويرجع القهقرى الى الوراء ؛ وعندما يفكر العراقي بالخروج من عنق الزجاجة ؛ تفرض عليه خيارات – محددة وان كانت مختلفة – احلاها مر .
عمل الاعداء والدخلاء والغرباء على تغييب الهوية الوطنية و تدجين وتجهيل المواطن , وزعزعة ثقة العراقي بنفسه و وطنه و اهله وتاريخه وثقافته وعاداته وتقاليده … ؛ وبذلوا الجهود الحثيثة من اجل تعرية العراقي الاصيل من عناصر هويته العريقة , وعملوا على تنفير العراقي الاصيل من هويته وجنسيته , واقناعه بأن هذه الهوية والتاريخ والعادات والتقاليد والثقافة لا تليق به , ويجب عليه نبذها والتبرؤ منها , ونتيجة لهذه السياسة المشبوهة والتربية المنكوسة والتوجيه المعادي ؛ غير الكثير من العراقيين قناعاتهم وبدلوا جلودهم وانقلبوا على واقعهم , وقلدوا غيرهم , واتبعوا الاجانب والغرباء وابتعدوا عن اهلهم وذويهم الاصلاء , فصاروا كالحرباء كل يوم هي في لون مغاير لما قبله ؛ مذبذبون لا هم الى هؤلاء ولا الى أولئك ؛ وانطبق عليهم المثل الشعبي ( غراب البين ال ضيع المشيتين )) .
ولعل سائل يسأل : لعلنا نفهم الاسباب التي تدعو قوى الاستعمار والاستكبار والاحتلال , و قوى التدخلات والنفوذ الاقليمي والدولي ؛ الى زعزعة شعور أبناء الاغلبية والامة العراقية تجاه هويتهم لهجاتهم عاداتهم ثقافتهم … ؛ وخلق حواجز مصطنعة بينهم وبين حقيقتهم الوطنية وتاريخهم العظيم ومصالحهم الاستراتيجية ؛ لعزلهم وحجبهم عن تراثهم الحضاري والثقافي ودورهم المهم وثرواتهم الكبيرة , وقطع اواصرهم الممتدة عبر التاريخ وتفريغهم من اصالتهم وكبرياءهم وعراقتهم ؛ من اجل تدجينهم واستعبادهم واذلالاهم وتهميشهم … ؛ ولكن الذي لا نفهمه اصرار بعض المحسوبين على الامة العراقية من تبني هذا الطرح المنكوس ؟ّ!
نعم اتفقت اهداف الاعداء مع الغرباء والدخلاء من ابناء الفئة الهجينة ؛ من الذين جاؤا مع الاحتلال العثماني والبريطاني واستوطنوا العراق او من الذين هاجروا اليه خلال القرنين الماضيين ؛ فقد تماهى الطرفان واتفقا ولو بصورة غير مباشرة , توائم مسارهما و انسجمت رؤى الاعداء مع الغرباء ؛ لانهما ليسا من ابناء الوطن الاصلاء ؛ والغريب يستمد قوته من غرباء واجانب الخارج ؛ لذا لا زالت الفئة الهجينة تعمل من اجل رهن مصير العراق بالخارج والارتماء في احضان الامة العربية تارة , والاتراك واحلام الخلافة العثمانية تارة اخرى , والامة الاسلامية ثالثة , والغرب رابعة … الخ ؛ وللعلم هنالك فرق كبير بين التبعية والولاء للخارج وبين التحالفات والاتفاقيات الدولية والتنسيق مع القوى الخارجية .
ومما سبق تعرف السبب الذي يدعو الاعراب وشذاذ الافاق من مواطني البلدان الناطقة بالعربية والاسلامية الى التدخل في الشؤون الداخلية العراقية , والطعن بالأغلبية والامة العراقية ؛ اذ لم يكتف ابناء الفئة الهجينة والمتأثرين بهم من ابناء الامة العراقية من تشويه سمعة الوطن والمواطن على الصعيد المحلي ؛ بل عملوا على تحريض كل الذين ذكرناهم انفا ضد العراق والاغلبية العراقية والنظر اليها نظرة سلبية معبئة بالأفكار المنكوسة والرؤى الظلامية المعادية والعقائد الطائفية والآراء العنصرية الحاقدة ؛ ونظرة خاطفة في الاعلام العربي والاسلامي بل والدولي و وسائل التواصل الاجتماعي ؛ تصدم بالكم الهائل من الاتهامات والاشاعات والافتراءات التي تستهدف العراق والاغلبية العراقية ؛ فالعراق في نظر تلك الشراذم يساوق الفئة الهجينة والطائفة السنية الكريمة ؛ بينما عراق العراقيين الاصلاء والاغلبية الوطنية يعني لهم الموت الزؤام والخطر الداهم ؛ لذلك تلاحظ ان تلك الوسائل الاعلامية والثقافية تصف الأغلبية العراقية بالشرك والكفر والردة والتخلف والرجعية والفشل والتبعية والذيلية والصفوية والشعوبية والشعبوية … الخ ؛ واتهام العراقيين الاصلاء بشتى الموبقات والمنكرات بل والجرائم والانتهاكات .
ان اتصاف الاجانب والغرباء وابناء الفئة الهجينة والطائفيين والعنصريين بهذه الصفات العدوانية والامراض النفسية والاحقاد والضغائن ؛ قضية محسومة وتاريخية ؛ فالقوم ابناء القوم ؛ الا ان الطامة الكبرى في تأثر المواطنين الاصلاء بدعايات الاعداء وافتراءات الغرباء وشعارات الدخلاء وعهود الخونة اللؤماء ؛ فقد سرت سموم الاعداء بين ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ وانسلخ الكثيرون عن هويتهم وقيمهم الحضارية والاخلاقية خلال تلك العقود الطويلة ؛ وانسحب البعض من حاضنة الاغلبية وقواعدها الشعبية شيئًا فشيئًا ؛ تارة بحجة القومية واخرى بذريعة الشيوعية او البعثية او الاسلامية او العلمانية او الالحاد … ؛ وانتقلت هذه الصفة المنكوسة بين الاجيال , اذ توارث الابناء صفات الاباء , فصار ابن البعثي بعثيا وابن القومي قوميا وابن الملحد ملحدا … الخ ؛ او لا اقل ينشئ نشأة حاقدة على البيئة الاجتماعية وثقافة وهوية الاغلبية , بل ويتماهى مع كل الاطروحات التي تستهدف الاغلبية وان كانت سلفية رجعية او وهابية ارهابية او علمانية متحيزة او طائفية مكشوفة .
والشيء بالشيء يذكر : عندما كانت العبودية شائعة في أمريكا ، قامت “هاريت توبمان” بتكوين مجموعة سرية لإنقاذ العبيد من العبودية وأستطاعت تحرير 700 شخص بسرية تامة، فيما بعد سألوها: ما هي أصعب خطوة واجهتك ؟ قالت :”أقنع شخصاً أنه ليس عبداً “؛ نعم اصبح من الصعب على احرار العراق وغيارى الاغلبية تحرير الدونية والحمقى والسذج والبسطاء وسقط المتاع والمرتزقة من المحسوبين على الاغلبية والامة العراقية من هذه الرؤى المنكوسة والآراء البائسة والادعاءات الكاذبة , والافتراءات والدعايات التي لا اساس لها من الصحة , والسموم الطائفية والعنصرية , والانطباعات الشخصية المخالفة للحقيقة والحق والواقع , والعقد والامراض الاجتماعية والنفسية التي اصيبوا بها جراء تراكمات الماضي وتداعيات الماكنة الاعلامية الهجينة المعادية في الحاضر .
ويعد هذا التناشز الاجتماعي , وسطوة الاعلام الهجين , ونفوذ الفئة الهجينة وتغييب الهوية الوطنية وتهميش الاغلبية العراقية , والتدخلات الخارجية ؛ من أهم الاسباب التي ساهمت في تأخر العراق وضعفه , و وقوعه في دوامة الطائفية والعنصرية والمناطقية والحزبية التي تتقاطع مع الهوية الوطنية وتطلعات ومصالح وثقافة الاغلبية والامة العراقية ؛ فالدولة الحقيقية تقوم على الحقائق التاريخية والجغرافية والاجتماعية و تستند في ديمومتها على ابناء الوطن الاصلاء والهوية الوطنية ؛ وكل ما عدا ذلك مجرد اوهام وتشكيلات سياسية قشرية مرتبطة بالأجنبي ولا تربطها بالداخل المحلي أية رابطة .