كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
شهدت إيران خلال عام 2024 تصعيدًا غير مسبوق في الإعدامات، حيث تجاوز العدد الإجمالي أكثر من ألف حالة
إعدام، وهو أعلى معدل منذ أكثر من ثلاثة عقود. هذا الارتفاع الكبير يُظهر بوضوح استراتيجية النظام الإيراني لقمع أي
بوادر معارضة داخلية، خاصة في ظل الأزمات الإقليمية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة التي تواجهه.
الإعدامات كوسيلة للقمع الداخلي
يُظهر تحليل الأرقام أن ما يقارب 47% من الإعدامات جرت في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، وهي فترة شهدت
هزائم إقليمية كبيرة للنظام. من بين هذه الهزائم سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الذي كان يعتبر حجر الزاوية في
استراتيجية إيران الإقليمية، إضافة إلى تراجع نفوذ الميليشيات التابعة لها في كل من اليمن وفلسطين ولبنان. في مواجهة
هذه الانتكاسات، لجأ النظام إلى استخدام الإعدامات كوسيلة لإظهار القوة داخليًا وترهيب الشعب الإيراني، الذي يزداد
استياءه من السياسات القمعية والاقتصادية للنظام.
الرئيس الإيراني الحالي، مسعود بزشكيان، الذي تولى منصبه في يوليو 2024، شهدت فترته أكبر تصعيد في الإعدامات،
حيث تم تنفيذ نحو 70% من حالات الإعدام خلال ولايته. هذه الإعدامات شملت أشخاصًا كانوا على قوائم الانتظار
لسنوات طويلة، ما يُظهر أن النظام يستخدمها كسلاح سياسي، يُفعَّل عندما يواجه أزمات وجودية داخلية أو خارجية.
الإعدامات المتعلقة بالمخدرات: ازدواجية المعايير
من بين الحالات المُسجلة في عام 2024، كان أكثر من 500 حالة تتعلق بتهم مرتبطة بالمخدرات. هذه الإعدامات تُبرز
تناقضًا واضحًا في سياسات النظام. في الوقت الذي يُعدم فيه صغار المتورطين في قضايا المخدرات، تشير تقارير دولية
إلى تورط الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر في عمليات تهريب وتصنيع المخدرات على نطاق واسع.
تقارير منظمات دولية، مثل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، تُظهر أن كميات كبيرة من
المخدرات المضبوطة تبقى داخل إيران، ما يعزز الشكوك بشأن وجود شبكات توزيع داخلية مرتبطة بالحرس الثوري.
بالإضافة إلى ذلك، تم الكشف عن مصانع لإنتاج الكبتاغون في سوريا مرتبطة بمسؤولين رفيعي المستوى.
الحرس الثوري لا يكتفي بأنشطته داخل المنطقة، بل يُعتقد أنه مرتبط بشبكات تهريب دولية، بما في ذلك أمريكا الجنوبية
والوسطى، حيث يعمل مع جماعات تهريب المخدرات لتمويل عملياته وتجاوز العقوبات الدولية.
القمع الوحشي والعقوبات غير الإنسانية
إلى جانب الإعدامات، لجأ النظام الإيراني إلى تنفيذ عقوبات وحشية، مثل بتر الأعضاء والإعدامات العلنية، بهدف ترهيب
المواطنين وكبح الاحتجاجات الشعبية. في حادثة مروعة، تعرض أربعة سجناء في سجني أرومية وقم إلى بتر أصابعهم.
هذه العقوبات تهدف إلى إرسال رسالة قاسية للمجتمع، مفادها أن أي خروج عن النظام سيواجه بأقصى درجات العقاب.
في المقابل، يُظهر النظام تساهلًا فاضحًا تجاه الفساد الداخلي. كبار المسؤولين المتورطين في قضايا فساد واختلاس أموال
عامة يظلون بمنأى عن أي محاسبة، مما يزيد من نقمة الشعب تجاه النظام ومؤسساته.
التحديات الإقليمية وتأثيرها على الداخل الإيراني
على الصعيد الإقليمي، أدى سقوط نظام بشار الأسد إلى ضربة قوية لاستراتيجية إيران، حيث كانت تعتمد على سوريا
كقاعدة لنفوذها في المنطقة. كما أن تراجع نفوذ حزب الله وحماس أضعف قدرة إيران على ممارسة الضغط الإقليمي، مما
زاد من عزلة النظام دوليًا وعمّق الأزمات الداخلية.
مع هذه الانتكاسات، لجأت المعارضة الإيرانية إلى تصعيد نشاطها. السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني
للمقاومة الإيرانية (NCRI)، دعت المجتمع الدولي إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه النظام الإيراني. وأكدت أن
الإعدامات والقمع لن ينجحا في كبح رغبة الشعب الإيراني في التغيير.
الدروس المستفادة من التجارب الإقليمية
التجربة السورية تقدم درسًا واضحًا: مهما كان حجم القمع والوحشية، فإن الشعوب لا يمكن أن تُخضع إلى الأبد. نظام
الأسد، الذي حظي بدعم الحرس الثوري وميليشياته، سقط في النهاية، على الرغم من الدعم الكبير الذي تلقاه.
النظام الإيراني، الذي يواجه نفس الظروف تقريبًا، لن يكون بمنأى عن هذا المصير. الاحتجاجات الشعبية والأنشطة
المعارضة المتزايدة تشير إلى أن الشعب الإيراني ماضٍ في طريقه نحو تحقيق التغيير، مهما بلغت التضحيات.
في الختام، يواجه النظام الإيراني مرحلة مفصلية من تاريخه، حيث لم يعد بإمكانه الاعتماد على القمع وحده للحفاظ على
بقائه. ومع استمرار الاحتجاجات وتزايد الضغوط الدولية، يبدو أن أيامه باتت معدودة.