السبت, يناير 11, 2025
Homeمقالاترحلة دون تدخل في كتاب سأخون بلدي لمحمد الماغوط/ 22 :...

رحلة دون تدخل في كتاب سأخون بلدي لمحمد الماغوط/ 22 : عبد الرضا حمد جاسم

(نعم لم اسمع)
نهض المواطن عرب ابن عروبة ابن عربان مبكرا من فراشه فغسل وجهه بسرعة بالماء المثلج و حلق ذقنه كيفما اتفق بشفرة مثلمة و ضرب شعره ضربتين بمشط مكسور ثم القى نظرة عابره الى وجهه و قيافته ثم الى امه و اخته قبل ان يتأبط مصنف “قضيته” و ينطلق الى دوائر الدولة للمراجعة في شانها لقد استغفلهم صاحب البيت و تنكر لعشرين سنه من صباح الخير يا جار و مساء الخير يا جار و تقدم بدعوة قضائية لإخلاء الماجور و طرهم منه الى الشارع
 و لكنه كان واثقا ان الدولة لن تنساه في محنته هذه و ان حربة الظلم لا يمكن ان تنفذ من كل دوائر الدولة من موظفين و اختام و مصنفات لتستقر في قلبه و استقل الباص و قصد مكتب القاضي المختص بقضايا المواطنين في وزارة العدل
الحاجب: نعم؟
المواطن: هل سيادة القاضي موجود؟ الحاجب لا انه مسافر
المواطن: الى اين؟
الحاجب: الى جنيف لحضور مؤتمر الحقوقيين الدوليين
المواطن: و متى يعود؟
الحاجب: لا اعرف و غرق في احدى روايات ارسين لوبين و استقل المواطن باص اخر لمراجعة مسؤول اخر
حاجب آخر: هل الأستاذ فلان موجود؟
الحاجب: لا انه مسافر الى سيؤول لحضور مؤتمر التضامن مع الشعب الفلسطيني
المواطن: و متى يعود؟
الحاجب: لا اعرف و انصرف الى براد الشاي ليعده و يخمره
و استقل المواطن باص اخر لمقابلة مسؤول اخر
السكرتيرة: نعم؟
المواطن: هل الدكتور فلان موجود؟
السكرتيرة:  لا مسافر الى لاغوس لحضور مؤتمر التضامن مع الشعب الارتيري
المواطن: و متى يعود؟
السكرتيرة، لا اعرف و انصرفت الى مجلة “الشبكة”
و استقل المواطن باص اخر لمقابلة مسؤول اخر
سكرتيرة أخرى: نعم؟
المواطن: هل الأستاذ الدكتور موجود؟
 السكرتيرة: لا، انه مسافر الى مالطا لحضور مؤتمر التضامن مع الشعب الكوري.
المواطن: و متى يعود؟
السكرتيرة: لا اعرف، و غرقت في مجلة “بوردا”
و عندما انتهى الدوام الرسمي و خلت الدوائر و المكاتب من الموظفين والمراجعين و لم يبقى فيها الا الأوراق و المعاملات و المصنفات و بعد ان تورمت قدماه من صعود الادراج و هبوطها لم يبقى امامه  ما يفعله سوى الانتظار مرة أخرى مع المنتظرين عند مواقف الباصات للعودة الى بيته و اهله و عندما ابتسم له الحظ و اقبل الباص شُتِمَ اثناء الصعود و نُشِلَ اثناء النزول.
وعندما وصل الى مدخل الحارة فؤجئ بأغراض بيته مكومة في الشارع و امه و اخته تجلسان عليها و كل منهما وضعت يدها على خدها و راحت تحدق في هذا العالم و لما كان بطبعه هادئاً مسالما فقد سئل بهدوء: متى حدث ذلك؟
 فأجابته الام دون ان تنظر اليه، بعد ذهابك بقليل.
 فربت على كتفها مواسياً و جلس القرفصاء على كومة الأغراض و المعاملة لا تزال تحت ابطه و نظر بحنان الى اخته ال الصامتة الشقية وسأل ما بها؟
فقالت الام فوق همنا هذا و نحن نخرج الأغراض و الامتعة و فيما هي منحنية لحزمها جاء احد المارة و قرصها في مؤخرتها
فقال متنهداً: بسيطة
فقالت الام: بسيطة، بسيطة و ماذا ستفعل الان و الليل قد اقبل؟ هل ننام في الشارع؟
فقال لها: لا تبتئسي يا امي ان الدولة لا يمكن ان تنساني انا واثق من ذلك.
و هنا اقبل نحوه شرطي يجرجر قدميه من التعب و سأله و هو يخرج بعض الأوراق من حقيبته الجلدية: هل انت المواطن فلان الفلاني؟
المواطن: نعم
الشرطي: مطلوب لخدمة العلم
……………………..
رحلة دون تدخل في كتاب سأخون بلدي لمحمد الماغوط/ 23 (وجبة اليوم و كل يوم)
عبد الرضا حمد جاسم
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular