4 سيناريوهات محتملة وأصوات تطرح نشر قوات أوروبية في الجزيرة القطبية
![صورة مركّبة لميت فريدريكسن رئيسة الوزراء الدنماركية والرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ف.ب)](https://static.srpcdigital.com/styles/1037xauto/public/2025-01/938385.jpeg.webp)
![](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938288.jpeg)
مشكلة كوبنهاغن أن الطامع بجزيرتها الواقعة في القطب الشمالي وذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى والجدوى الاقتصادية البينة ليس عدواً تاريخياً لها، بل حليفها العسكري الرئيسي في إطار النادي الأطلسي الذي تنتمي إليه وشريكها الاقتصادي الأول.
وترمب الذي أظهرت رئاسته الأولى (2016 – 2020} صعوبة توقع الخطوات التي يمكن أن يقدم عليها، وضع الدنمارك أمام ثلاثة خيارات بشأن مستقبل غرينلاند: إما أن تقبل الدنمارك ببيعها لبلاده، وهو مقترح طرحه للمرة الأولى في عام 2019، وإما، في حال الرفض، سيعمد إلى فرض رسوم باهظة على الصادرات الدنماركية لبلاده بشكل يدفعها للتخلي عن الجزيرة التي تتمتع بإدارة ذاتية. أما الخيار الأخير (والأخطر)، فهو اللجوء إلى القوة العسكرية، علماً أن لواشنطن قاعدة عسكرية رئيسية فيها. وذهب ترمب السبت إلى التأكيد أمام مجموعة صحافية أنه «سيحصل» على غرينلاند.
![](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938290.jpeg)
البحث عن الدعم الأوروبي
منذ الأحد الماضي بدأت ميت فريدريكسن حملة حشد الدعم لبلادها انطلاقاً من جيرانها الشماليين: النرويج، والسويد وفنلندا؛ إذ دعت زعماءها إلى عشاء في منزلها. وفي اليوم التالي، زارت ألمانيا والتقت المستشار أولاف شولتس، وعقبها زارت باريس للاجتماع بالرئيس إيمانويل ماكرون. ومحطتها الثلاثاء كانت بروكسل للقاء أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته.
![](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938293.jpeg)
شولتس كان حازماً برسالة وجهها بالإنجليزية: «لمن يهمه الأمر» في إشارة إلى الرئيس ترمب، وفيها أنه «لا ينبغي تغيير الحدود باللجوء إلى القوة». وأردف شولتس قائلاً إن الدنمارك وألمانيا صديقتان مقربتان «ولديهما رؤية متشابهة للغاية للعالم».
وأفاد بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية بأن ماكرون وفريدريكسن ناقشا «الأجندة الأوروبية؛ بهدف تعزيز اتحاد أوروبي موحد وقوي وذي سيادة، متمسك بالروابط بين ضفتي الأطلسي ويعرف كيف يؤكد ويدافع عن قيمه ومصالحه» بوجه ترمب.
![](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938386.jpeg)
بيد أن البيان لم يشر تحديداً إلى ملف غرينلاند. وفي أعقاب جولتها، أكدت فريدريكسن، الثلاثاء، أنها تلقت «دعماً قوياً للغاية» من الأوروبيين، مشددة على أن «الرسالة واضحة للغاية» ومضمونها «ضرورة الاحترام الكامل لأراضي الدول وسيادتها لأنها عنصر أساسي في المجتمع الدولي».
وفي تغريدة على منصة «إكس»، كتبت: «لقد وقفت دول الشمال الأوروبي دائماً معاً. وفي الواقع الجديد الأكثر تقلباً الذي نواجهه، أصبحت التحالفات والصداقات القوية والوثيقة أكثر أهمية».
![](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938388.jpeg)
غرينلاند ليست للبيع
تؤكد السلطات الدنماركية وسلطات الجزيرة نفسها أن غرينلاند «ليست للبيع». وقال لارس لوكي راسموسن، وزير خارجيتها، إن «ترمب لن يحصل على غرينلاند. غرينلاند هي غرينلاند وشعبها يتمتع بحماية القانون الدولي. لذا؛ قلنا أكثر من مرّة إن غرينلاند هي من تقرّر في نهاية المطاف بشأن وضعها».
![](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938394.jpeg)
وغداة تنصيب دونالد ترمب، شدد رئيس وزراء غرينلاند ميوت إيغده على أن الجزيرة «لا» تريد أن تكون أميركية، لكنها «منفتحة على تعاون أوثق» مع الولايات المتحدة، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي يوم 21 من الشهر الحالي أن «مصير غرينلاند يتقرر في غرينلاند». لكنه اعترف بأن «الوضع صعب».
![](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938395.jpeg)
ما يصرّ عليه المسؤولون في الدنمارك وغرينلاند يستند إلى رأي عام متمسك بدنماركية الجزيرة التي يربط دستور البلاد وضعها الراهن بحصول استفتاء لسكانها. والحال أن استطلاعاً للرأي أُجري لصالح صحيفة «بيرلينجسكي» ونُشرت نتائجه الأربعاء أن 85 في المائة من سكان الجزيرة يرفضون أن تصبح الجزيرة جزءاً من الولايات المتحدة، في حين الرأي المعاكس لا يتخطى نسبة 6 في المائة، والمتبقون ليس لديهم رأي حاسم.
![](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938389.jpeg)
وعلقت على النتائج قائلة: «يسعدني أن يكون الاستطلاع تعبيراً عن أن الكثير من سكان غرينلاند يرغبون في استمرار التعاون الوثيق مع الدنمارك. ربما في شكل مختلف عما نعرفه اليوم؛ لأن كل شيء يتغير بمرور الوقت». وتعني الفقرة الأخيرة أن كوبنهاغن مستعدة لمنح الجزيرة صلاحيات إضافية، وسرعت الحكومة إلى تأكيد أنها ستستثمر ما يزيد على ملياري دولار، كما أنها لا تغلق الباب أمام استقلالها التام عن الدنمارك. ويدفع رئيس وزراء الجزارة باتجاه الاستقلال. وأكد مراراً وتكراراً أن تقرير مستقبلها متروك لشعبها وحده. وتعد غرينلاند 57 ألف نسمة على مساحة تزيد على مليوني كلم مربع. وتدير الحكومة المحلية وشؤونها الداخلية، بينما السياسات الخارجية والدفاعية والمالية من اختصاص كوبنهاغن.
![](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938396.jpeg)
وتراهن الدانمارك على التضامن الأوروبي وعلى الرأي العام الدولي، بما في ذلك الأميركي لحماية نفسها من مطامع ترمب الذي ينهج سياسة تذكّر بتلك السياسة التوسعية والاستعمارية التي سار عليها الرئيس الأسبق تيودور روزفلت الذي حكم الولايات المتحدة لثماني سنوات بداية القرن الماضي. وحجة ترمب أن غرينلاند «حيوية جداً» لأمن البلاد وتتمتع بموقع استراتيجي مهم لمواجهة ما يعدّه تهديداً مزدوجاً روسياً وصينياً. لكن عين ترمب أيضاً على ثروات الجزيرة التي يغمر الجليد 85 في المائة من مساحتها؛ إذ إنها تزخر بالنفط، والغاز والذهب، والماس، واليورانيوم، والزنك والرصاص. وحتى اليوم، يحظر القانون التنقيب عن النفط واليورانيوم في أراضيها.
سيناريوهات 4
يفيد تقرير مطول أعدته قناة «بي بي سي» قبل ثلاثة أسابيع بالاستناد إلى مجموعة واسعة من المقابلات، بأن أمام ترمب أربعة سيناريوهات ممكنة. الأول منها أن يتخلى عن أطماعه بسبب قيام جبهة غربية مناهضة لمشروعه أو لكونه رفع سيف الضم لدفع كوبنهاغن إلى تعزيز أمنها بمواجهة الخصمين الكبيرين: بكين وموسكو. من هنا، يفهم قرار كوبنهاغن تخصيص 1.5 مليار دولار لأمن القطب الشمالي.
السيناريو الثاني، أن يصوّت سكان غرينلاند لصالح الاستقلال وأن تعمد الجزيرة، بعدها، لتعزيز وتوثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة. والدنمارك أبدت الاستعداد دوماً للتعاون مع واشنطن. كذلك سبق للحكومة الدنماركية أن عبّرت عن ليونة إزاء تعديل الوضع القانوني للجزيرة وحتى قبول الانفصال عنها. وخلال الحرب العالمية الثانية كانت الجزيرة تحت سيطرة واشنطن الكاملة. ورغم أن اتفاقاً وقّع بين الطرفين الأميركي والدنماركي في عام 1951 وأعطى السيادة التامة لـكوبنهاغن، فإن الولايات المتحدة حاضرة بقوة عسكرياً واستخبارياً واقتصادياً في الجزيرة.
السيناريو الثالث، أن يمارس ترمب ضغوطاً اقتصادية استثنائية وفرض رسوم باهظة على البضائع الدنماركية للي ذراع كوبنهاغن. بيد أن نتائج سياسة كهذه غير مؤكدة. أما السيناريو الرابع، فعنوانه اجتياح الجزيرة عسكرياً؛ ما من شأنه أن يثير أكثر من تساؤل، حيث إن الحلف الأطلسي سيقوم باحتلال أراضٍ تابعة للحلف الأطلسي. وحصول شيء كهذا سيطيح الحلف وسيخلق أزمة غير مسبوقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وسيبرر غزو روسيا لأوكرانيا ولاحقاً ربما غزو الصين لتايوان.
![](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938403.jpeg)
نشر قوات أوروبية
حتى اليوم، يسعى الأوروبيون لانتهاج خط غير تصادمي مع ترمب. وفي 3 فبراير (شباط)، سيجتمع القادة الأوروبيون في بروكسل بشكل غير رسمي للتداول بمستقبل العلاقات مع واشنطن على ضوء تهديدات ترمب بفرض رسوم عالية على البضائع الأوروبية ويطالبهم بزيادة مشترياتهم من النفط والغاز الأميركيين.
وبالطبع، سيكون ملف غرينلاند حاضراً. كذلك، فإن الدنمارك ستترأس الاتحاد الأوروبي بدءا من شهر يوليو (تموز) المقبل، وستشكل الرئاسة منصة لها لتجميع وتعبئة الأوروبيين.
ومنذ عودة تهديدات ترمب، بدأ الأوروبيون في دراسة ما يمكنهم القيام به، بما في ذلك إرسال قوات أوروبية إلى غرينلاند. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الثلاثاء، إن إرسال قوات أوروبية لضمان الأمن في القطب الشمالي هو «احتمال»، لكنه «غير وارد» بالنسبة إلى الدنمارك «على الفور». ومن جانبه، قال روبرت بريغر، رئيس اللجنة العسكرية للاتحاد الأوروبي لصحيفة «فيلت أم سونتاغ»، في مقابلة نُشرت السبت الماضي، إن «هذا من شأنه أن يرسل إشارة قوية ويساهم في الاستقرار في المنطقة».
الواقع أن الأمور مفتوحة على احتمالات عدة، لكن المؤكد أن الاتحاد الأوروبي لا يريد الوصول إلى مرحلة المواجهة «الساخنة» مع ترمب وهو يبحث عن وسائل لثنيه عن مغامرة خطيرة من شأنها تهديد التحالف الغربي وزرع بذور الشاق في مرحلة بالغة الحساسية