الشاعر غني عن التعريف في ابداعاته السردية والشعرية , في أمتلاك ناصية الابداع القديرة والمتمكنة في فعلها ومنجزها الابداعي في الجانبين , ويتميز بالسليقة الشعرية , المنسابة بكل تدفق , كاطائر الحبيس حين يفتح باب قفصه فيطير مجنحناً بفرح حريته , لذا يشعر الشاعر بأنه تنفس الصعداء , من اله والمعاناة الداخلية ووجدت طريقها الى البوح والكشف , بفعل وخزات الوجع ألالم ووجع المتتراكمة في غليانها في داخل الوجدان ولروح , لذلك وجدت المنفذ والطريق لخروجها , من النار الداخلية الحارقة في الضلوع . انه يمتلك البراعة النافذة في الصياغة والتركيب والتكوين الصورة الشعرية , بعمق التعبير بالمعنى والمضمون . , فيتنازعه ويورقه الحب والعشق الصوفي للوطن , وينطلق بجناحيه الشعرية بأسم الوطن , التي تمتلك بفيض من الطوفان لهذا العشق , ينساب في رونقة الشعر الجميل والفخم , في الاداء الشعري , في مكوناته المتألقة , في اللغة والايقاع والنغمة الموسيقة ف جرسها الرنان الهادر , التي تتلائم مع الحدث الشعري ورؤيته الفكرية , م اعماق الاحاسيس الصاخبة والمتذمرة من الحالة الوطن المأساوية , من العواص الصفراء التي بعثرت حبات وخرز الوطن نحو التفتت والخراب , في احتراق حقوله وبيادره . لكنه يشير الاصابع الاتهام الى الذين اجرموا بحق الوطن . انه يتخذ مكونات الواقع مواده الخامية في تعابيره الشعرية , التي تكشف حالة التأزم , التي يعيشها الوطن المفجوع , بالحزن والاسى . وينطلق من عنفوان حبه الجارف للوطن , الذي مازال جراحه تنزف بدون انقطاع . لهذا ينطلق من هذه الدلالات العميقة , في الشكل والمضمون . فهو يمتلك الخيا الشعري الخصب والديناميكي , بالفعل والنطق الشعري , في خلق الصور الشعرية , التي هي انعكاس حقيقي لحالة الوطن المزرية . يصوغها دون كلف وتصن وتجميل , وانما يضعنا امام حالة حقيقية للوطن , المطعون بالجراح والمعاناة . انه عاشق الوطن بامتياز . لذلك يكشف عن المخالب والانياب التي تنهش جسد الوطن , لتجعله شبح هيكل عظمي جاف ومتيبس . وخطابه الشعري , يحاول ان يوقد شمعة وسط الظلام القاتم . انه يحاول ان يواسي العشاق , بأن يحافظوا على أمانة حبهم للوطن , كما يحافظون على حدقات عيونهم . وبالوطن يكبر الحل والحب والعشق , مهما كانت جراحه النازفة , يشمخ الحب والعشق به وبغير يموت ويج , لذا يقف بالمرصاد لمن ساهموا في اغتيال قلب الوطن وبعثرته ليكون جسداً بلا روح , وهو يدرك ان العشق والحب اقوى من الموت , اقوى من الطغاة والمتاجرين بدم الوطن , اقوى من الاوغاد الذين وضعوا الوطن في سو المزايدات الدولية للرقيق بسعر زهيد . يكشف ان هؤلاء الاغوال , راهنوا عل حرق الوطن وتحويله الى رماد , ليقول لهم بأعلى صوته المدوي .لا خسأتم ايه الطغاة الاوغاد بما فعلتم بالوطن . في تقطيع اوصاله في مسلخكم , مسلخ العهر والتجارة والسمسرة . بكل الصلافة والاستهتار والاستخفاف , فاذا توهموا هؤلاء الكلاب بأنها لبست فروة الاسود , اصبحت اسود , فهو مهزلة المهازل , ماهم إلا ذيول مأجورة . ومهما حاولوا تحويل العراق الى مطحنة الاحزان والنوائب والنحيب بالقهر الاجتماعي والمعاناة . فأن عشق الوطن لم ولن يموت , لابد ان يمزق حجاب الصمت والخنوع والاستسلام . هكذا برعت قصائد الديوان الشعري في مضمونها التعبيري العميق . وهو يوجه خطابه الشعري الى عشاق الوطن ويناديهم ويشد على اياديهم في مواصلة الطريق حتى النهاية , ان يمزقوا ثوب الحزن والدغش والاحتيال . بهذه القوة الشعرية الملتهبة , في معاني دلالاتها العميقة , بالصياغة بطوفان من الاحاسيس والمشاعر , التي فاضت , في تفاعلها الروحي العميق , تجد صداها عند القارئ والمتلقي . لكي يحفزه على الاثارة والفعل , بالشحن العميق بالدفاع عن الوطن المنكوب , بذود عنه من الجراد الوحشي , الذي اهلك البلاد والعباد . ان الديوان الشعري ( تباريح الطائر ) زاخر بهذا الكم المدهش , في جوانب العشق للوطن , قصائد باذخة بالجمال الشعري . الديون الشعري اشتمل على 42 قصيدة من الشعر العمودي , خرجت من تنور النار العشقي . لنحاول ان نقتطف ثمار بعض القصائد .
1 – قصيدة ( مقام العاشق ) :
حين يبحر العاشق وهو يحمل في جوانح روحه عشقه , المعاناة التي خلقها الزم والدهر الاسود واللعين , في الوجد والنوى والجوى , ليغلي بناره الحارقه , ليذود عنه بالعشق الصوفي اعماق الروح , لكنه يتلقى الضربات الموجعة من الطعنات التي تشكك في عشقه كما يتذرع به الشامتون , بأنه يؤدي دور المهرج , وان حبه صلف ,وقلبه خزف لانهم لم يعرفوا معنى الحب الحقيقي للوطن في حياتهم , وانما تعلموا على المتاجرة بالعواطف , وزيف المواقف وعلى التلون وتغيير الجلود كالحرباء . لا يعرفون معى الوجد ولوعة الالم , والدموع التي تتحجر في الجفون , لذلك يضعون العوائق والعراقيل , في درب الحب للفتى العاشق .
قد تغنى فهاج فيه جوى
واكتوى منه القلب الدنف
عقت الجفن دمعة فجرت
فاذا العاذلون قد عرفوا
ما لهم ينكرون دمعته
ويقولون أنه صلفٌ
عجباً كيف يحكمون إذن
واذا مر ذكره ٌ وجفوا
لحمة كان قلبه ودماً
أيظنون أنه خزف
2 – قصيدة ( كل الذين احبهم ) :
ما اصعب واقسى فراق وبعد الاحبة , وهم يخوضون مغامرة الرحيل الى المجهول والى ( اللاأين ) كأنهم اقتلعوا قلبه واخذوه معهم , لذلك يتحرق شوقاً وحنيناً , في عودتهم ورجوعهم , ينتظرهم على عتبة الباب بصبر نافذ , ينتظر طلوع قمرهم في العودة . لذلك يداري جراح الروح بالاغاني , وويواسيها بالمواويل , الحزينة في الوجد وريح الجوى , والسحب والغيوم تتجمع عليه , لتمطر بمطر الحنين في الآهات . انهم يرقدون في جوانح القلب , ويزورونه في الاحلام, لكنه يريد هذه الاحلام ان تتحول الى حقيقة , ان يطلون عليه في عتبة الباب .
كل الذين أحبهم عبروا
وبقيت عند الباب انتظر
عبروا الى اللاأين وابتعدوا
ذهبوا فلا أثر ولا خبر
بيني وبينهمو النوى نزلت
فإذا بنا شطرين تنشطر
آه فتلك الباب معضلة
غلقت إلى أن يأذن السفر
3 – قصيدة ( تباريح اطائر ) :
عسر الشدة لطائر الحب , في المصائب التي تتوالى وتتهالك عليه , في خض الشدائد التي تفتت وتقطع نياط القلوب والروح , وتضعه في متاهات الحز والوجع , في آهات تزفر بحريقها الموجع , هكذا جعله العشق صريع الهموم والمعاناة والقهر , الذي ينزف بجراحه . وما اقسى هذه الاحمال الثقلية لطائر الحب الغرير , الذي اتخذ من العشق , حلم وحياة , يتنفس من خلالهما . يحمل كل اسرار الوجع في اعماق روحه , ويتشطر قلبه بعشقه , كالشظايا , التي تتفتت على قارعة الطريق . فهو لا يملك من الدنيا إلا حبه , وهو يساوي الجنة بكاملها . يترنم ويرقص لها بفرح الجريح . اضنانه التعب والارهاق .
رأيت قلوب العاشقين وقد غدت
نثاراً على طول الطريق وعرضه
فلا هو معني بما ودَّ عاشق
ولا عاشق قد هم يوماً ببغضه
فقلت لقلبي لا تزد وساوسي
وحاذر من القوسين لحظة غمضه
تمرس في صيد المجانين بالهوى
فراش غوى والورد رق بروضه
4 – قصيدة ( يكفيك ياوطن النوح ) :
حقاً ان مأساة العراق ليس نهاية , بل تغور في اعماق المعاناة الشجية بالشجون فما زالت تنزف الجراح الطرية , مع كل هبة عاصفة هوجاء . فما زالت تراجيدية الحزن والآهات تكبر وتتضخم , وتتفقس بيوضها بالافاعي السامة , فما زال الوطن ينحر كالشاة , منذ ان وطئت الاغوال والاوغاد ارض الوطن , وتحول الى وطن الفجيعة والآهات . منذ ان احطت اقدامها الاخطبوطية والسرطانية , والعراق يعيش سرطان الدم والحياة . منذ ان تكالبت على خناقه الحثالات , والوطن يباع في مزادات الدول كالرقيق , بسعر بخيس . منذ ان تسلقت السماسرة التجار والوطن ينزف بالدماء , التي صارت كالانهار الجارية , عبثاً وجنوناً . منذ ان هجم الجراد الوحشي وسرق السلطة والعرش والنفوذ , وليل العراق يغور في أعماق الظلام . وتحول العراق الى ليلٍ دون نهار , يسلخ ويذبح من الوريد الى الوريد . ولكن الى متى تستمر هذه المأساة وهذا الحزن , وهذا جريان الدماء ؟ هل من نهاية ؟ . ألا يكفي النوائب والاحزان ؟ ألا يكفي هذ الخراب وهذا النواح ؟ متى تنهض العزائم , متى ينهض عشاق الوطن , ليرفعو صخرة سيزيف عن ظهر العراق .
يكفيك يا وطني النواح على الطلل
لا يأبه الغرقان يوماً البلل
مذ حطت الاغوال في أنحائنا
صرنا رقيقاً في مزادات الدول
الغول عرس بيننا فتجشأت
موتاً مقابرنا وبرحنا الوجل
واستل من ضوء النهار خيوطه
وتوطن الديجور فينا وانسدل
فمتى سترجل العزائم ثائراً
يا أيها الوطن المخبأ في المقل
5 – قصيدة ( ساكن القلب ) :
تداعيات القصيدة كأنها انشودة غنانية بالحماس الوطني الشفاف والملتهب , المنفلت اعماق الروح والقلب , الغارق بالهوى والعشق . الذي يملئ القلب ويجعله اغنية في حضرة الوطن الساكن في القلب , ليصدح بصوت الوطن بكل بهاء , فهو الحلم والامل , رغم الزمن الاسود والقدر اللعين , الذي جلب النفايات العفنة , ليغزوا العراق , ليجعلوه ساحة حرب ودم للابرياء . لتفقأ عيون الطغاة . لتفقأ عيون سلاطين علي بابا والف حرامي . فما هم إلا ألف ( شمر ) ظاغي ومتعجرف , ما هم إلا ألف ( يزيد ) سفاح وقاتل , ولكن لنا ألف ( حسين ) يصرخ في وجوههم التي طبعت فيها الغدر والخيانة ( هيهات منا المذلة ) . فلابد ا تأتي زغرودة الحلم والامل , لابد ان ينبثق فجر العراق الابي .
لا يريد السلاطين شعباً كريماً
بل يريدون ملة من العبيد
ألف طف لنا وألف ( حسين )
ألف ( شمرٍ ) طغا وألف ( يزيد )
فا علموا يا طغاة إنا جبلنا
من دم نازف وضيم مديد
سل عن الهور من ( تمعدن ) فيه
سومري سليل شعب عنيد
من ضفاف الانهار وهي تغني
أغنيات الرواء في في حلم بيد
6 – قصيدة ( يا ساقي الليل ) :
انه زمن الزيف والاحتيال في بدعه الهزيلة والسخفة , في بهرجة التغيير ولكنهم جاءوا ليعيدوا من جديد , الماضي البغيض , والسيء الصيت , هذ السعالي المدربة حشدت غولاً وتنيناً , على غدر والخيانة والفرهدة , ليمزقوا صرح الوطن ويقطعوا اوصاله , وان يمرغوا الوطن والمواطن في الوح والطين , والدوس على الاكباد البريئة , لجعل الشعب كالقطيع الخرفان , عبي وخدم . في همجيتهم على الاستحواذ على مقدرات العراق . ولكن مهما فعلوا بضمائرهم التي باعوها في سوق النخاسة , فأن الوطن باقٍ لن يموت . ولابد ان تنتهي يوماً تراجيدية المحنة الحزن والعذاب .
واحذر من الريح إذ تأتي مبرقعة
موتورة حشدت غولاً وتنينا
تأتي على ظهر سعلاة مدربة
عجلى تزيد الاوجاع تمكينا
جاءت تدوس الاكباد موغلة
بلحمنا الحي تقطيعاً وتوهينا
نرى الجراح ونغضي عن نوازفها
وتزجي اللحم كي نرضى السكاكينا
وما علينا إذا بيعت ضمائرها
ومرغ الطين قبل الخد عرنينا
——————————–
× ديوان الشعر : تباريح الطائر
× الشاعر : عبدالفتاح المطلبي
× تاريخ الاصدار : عام 2018
× عدد الصفحات : 215 صفحة