الكورد في كركوك يتشاركون مع البعض من التركمان والعرب والمسيحيين في الأماني والتطلعات والمصالح وفي تجارب حلوة ولذيذة كالعسل، ولهم مع البعض الآخر تجارب مرة كالحنظل، ألحقت بهم أضراراً بالغة، وأحدثت إشكالات كثيرة، وأوقعت آثارا مؤسفة إستوجبت دفع الثمن باهظاً.
ولكنهم (أي الكورد) يختلفون مع الآخرين في التاريخ السياسي الحديث، وفي التعرض للمآسي والكوارث والمصائب. لأن كل الذين تولوا الحكم في العراق في عهوده الملكية والجمهورية و(الديمقراطية الفدرالية)، إعتبروا أنفسهم على حق وعلى الآخرين الخضوع لهم، وجميعهم سخروا ما عندهم من الحيل والمال والسلطات والسلاح ضد الكورد. وتعاملوا مع الكورد الكركوكيين كأبناء قومية من الدرجة الثانية أو حتى العاشرة، وجميعهم عانوا من عقدة اسمها كوردستانية كركوك، لأنهم ما كانوا يفقهون أن السياسة خيارات، وأحسنها الاعتدال والتعاون والتفاهم وقراءة الواقع كما هو، وسياسة كل شيء أو لاشيء سياسة ساذجة وفاشلة ومخادعة للذات, ولايعرفون أن إطالة أمد الصراع ستؤدي إلى ردود أفعال ربما تكون عنيفة. وأنكروا عليهم حقوقهم وأذاقوهم العلقم ووصلت الوقاحة بأحدهم الى تسخير آية في القرآن الكريم ليستخدمه كأخطر سلاح ضد الكورد. وآخر جاء من بعده مستندا على أيديولوجيته المذهبية والقومية، متعالياً بغيضاً مقلداً ممارسات صدام الانتقامية والشوفينية، راغباً في بسط سيطرته المطلقة على كل شيء، ومتكلاً على سياسيين باحثين عن الفوضى. قطع رواتب الموظفين والعمال والمتقاعدين الكوردستانيين، ولو كانت الظروف كظروف الحرب الباردة، ولو كان يملك أسلحة وجيش صدام، لما توانى عن استخدامهما ضد الكورد.
وآخر جاء وهو يكن عداءً دفينا ضد الكورد عموماً ويستكثر عليهم ما يعتبره الآخرون حقوقاً مشروعة، وتعاون مع الذين سعوا الى محاصرة كوردستان وإجهاض تجربة الكوردستانيين النموذجية، ومنح المزيد من الزخم للسياسة غير الواقعية تجاه الكورد بشكل عام والكورد في كركوك بشكل خاص، وتحالف مع الذين وصفوه بأوصاف بذيئة ليس من اللياقة تكرارها. كما مارس أخبث أساليب الكذب والخداع والاستفزاز والتحريض تجاه تطور إقليم كوردستان وتقدمه، تحت يافطة تطبيق القانون والدستور، وغذى الانقسامات السياسية والقومية والمذهبية التي تفرضها الانتماءات والمصالح، وتاجر بدماء الأبرياء الذين وقعوا ضحية التعصب المذهبي والقومي. وما حدث في خورماتو وكركوك خلال شهر إكتوبر 2017، من سلب ونهب وحرق وإراقة للدماء وتهجير وترحيل وإبعاد عن الوظائف الحكومية، وإغلاق للمدارس الكوردية، دليل دامغ وواضح على أن العقليات المسكونة بالوهم والخرافة لاتؤمن بالمساواة والعدالة والقانون والدستور ولايمكن أن تتعاطى مع الأمور السياسية بإيجابية.
سبب هذا الكلام هو الأحاديث التي تدور هذه الأيام، حول كركوك، والتذكير بنار داعش الهادئة التي تحاول أن تكبر وتشتعل في أجواء مليئة بالمفاجآت، والرد على أصوات المنتفعين والانتهازيين المستعدين لتبرير أخطاء الآخرين في حق جميع الشرعيات، والذين يظنون بأنهم لايجدون في الميدان السياسي والإعلامي من يتصدى لهم، وإنهم سيتمكنون من خلال إزدراء القانون ونبرة المؤامرة والمفردات الموروثة والخواء السياسي المبالغ في الكذب والدجل والتزييف، إفساد الرأي العام، وتمرير أجنداتهم الشوفينية الضيقة، واختراع أعداء خارجيين وداخليين وهميين ضد عودة البيشمركه الى كركوك وعودة كركوك إلى أحضان كوردستان.
ولنقول أن : كركوك بحاجة إلى أفعال وطنية مبهرة، وليس إلى أقوال ومزايدات، بحاجة إلى تصويب السياسات والمواقف، وليس التوتر والتأجيج والفوضى.