قبل شهور عندما شاهدت صُوَرَ
ه في وقت انتخابه منسّق عام لحركة التغيير (كوران)، تذكّرت اني قابلته و لكن لم اتذكّر اين و في اي موقع، الاّ قبل ايام عندما اخبرني اصدقاء بأني قابلته عندما كان جريحاً في حالة خطيرة و اني انقذت حياته، لتتدفق الذكريات و كأنها كانت بالامس :
في عام 1980 عندما كانت حركة البيشمركة البطلة في سنوات البداية، و كنا في بداية الإعلان عن تبني حزبنا الشيوعي لشعار الكفاح المسلح لـ ( اسقاط الدكتاتورية و اقامة البديل الديمقراطي و الحكم الذاتي الحقيقي لكردستان)، بعد ان تمادت سلطة صدام في معاداتها للشعب و للحقوق الطبيعية لكل الاطياف العراقية ، و كان تجمّعنا في منطقة نوزنك (خري نوزنك و المنطقة المحيطة به عند جبل مامنده).
و كان نزول مفارز البيشمركة و الانصار من كل القوى الى المدن و القرى في عمق الريف الكردستاني امراً صعباً و محاطاً بانواع المخاطر التي تسببت بإبادة مفارز بكاملها بدخول السمتيات و البيلاتوس في محاربة البيشمركة . . في زمن سجّل فيه انتصار الثورة الشعبية الايرانية و التحاق حزبنا بحركة البيشمركة، سجّل ارتفاعاً بمعنويات الجميع في مواجهة السلطة، ولابد من تسجيل الاسماء اللامعة لمفارز حركة انصارنا و البيشمركة آنذاك، القادة : سليم سور، الشهيد علي حاجي نادر، الشهيد بكرتالاني، الشهيد مام كاويس، الفقيدين كانبي حمه صالح و عجيل، الشهيد بكر توتمه ئي، الشهيد مام خوله سليمانية و آخرين لم تسعفني الذاكرة لذكرهم . .
كانت لدينا طبابة متواضعة في موقع قرية ” زلي ” في المنطقة، بحماية فصيل بتوين ( الذي صار سرية بعدئذ)، و كنا نفتقر للكثير من الادوية لكثرة ماكُنّا نصرفها لمعالجة اضافة لانصارنا، بيشمركة القوى الاخرى و بيشمركة الجيران، و لأبناء القرى المحيطة الذين قابلوا معروفنا بمعروف اكبر برعايتهم لنا في الحماية و الضيافة و في توفير الادوية سواء لعلاجهم بروشيتات كانوا يشترون بها الادوية الموصوفة لهم من مدينة سردشت الايرانية الحدودية، و ادوية كانوا هم يشتروها ليتبرعوا بها الينا، اضافة الى الادوية التي تصلنا كتبرعات من قوى كردستانية متنوعة . .
في خريف 1980 وصلتنا اخبار بان مروحيات عسكرية هاجمت مفرزة للاتحاد الوطني (أوك) في كيوه ره ش و تسببت بسقوط ثلاثة شهداء على رأسهم آمر المفرزة الشهيد ” جميل رنجبه ر” و مصابين بجروح خطيرة هم ( بكرخوشناو، صابر رسول، و عمر سيد علي الكادر في المفرزة الذي كانت جراحه الاكثر خطورة بينهم) . .
بعد حدود يومين انتبه الحرس و الانصار مساءً الى مجئ قافلة جرحى باتجاه طبابتنا، و كانوا راكبين على حيوانات قاطعين مسافة يومين كما اتذكّر للوصول الى نوزنك، و طلب آمر المفرزة برجاء معاينة الجرحى و تقدير خطورة اصاباتهم و معالجتهم الضرورية، كي تستطيع القافلة المواصلة الى طبابة (أوك) التي لم تكن بعيدة عنّا، فذهب الجرحى بعد معاينتي ايّاهم، الاّ الجريح ” عمر سيد علي ” الذي كانت اصابته من اخطر الإصابات . . وصلني و هو مثبّت بالجمدانيات على وسادة وضعت امامه لتخفيف آلامه كما عبّر مرافقيه . .
في طبابتنا الصغيرة الضيّقة تلك لم يكن من السهل فحص و معالجة جريح اصيب اصابة بالغة في ظهره، بجروح متعددة ابرزها جرح ينزف من فوهة بحجم كف يد مضمومة، شاحب الوجه و بضغط واطئ و نبض ضعيف سريع، و حرارة مرتفعة، الاّ انه كان واعي و نظراته حيّة و كان صابراً بإرادة . . بعد استفساراتي و سماعي لمرافقين كانوا معه عند اصابته، فهمت منهم انه اصيب بقذائف دوشكا اطلقتها تلك المروحيات، فسقط ارضاً غير قادر على الوقوف.
من جهة اخرى، لم يكن واضحاً ماذا أُعطي في الطريق، سوى انه تناول شيئاً من حساء خفيف و ماء على وجبات و انه أُعطي مسكّن نوفالجين و فيتامين سي و كي من مضمد . . بعد الفحص الاولي و بالسماعة ، قدّرت ان الخطورة على حياته آنذاك، كانت تنبع اساساً من النزيف الذي بدى انه مستمر في الصدر و ما يخرج للخارج كان الجزء الصغير منه، و قدّرت ضرورة الحفاظ على الخثرة الدموية المتكونة جزئياً في تلك الفوهة النازفة . .
و في ظروف ليس فيها فحص شعاعي و لامختبر و بعد التدقيق في حركة الصدر خلال التنفس
و التسمّع الدقيق لمختلف مناطق الصدر، و سماع ترددات صوته لما طلبت منه ان يتحدث ببضع كلمات . . لتقدير ماهية و حجم النزيف و الاضرار الحاصلة من مقذوف بحجم اطلاقة دوشكا . .
علّقت له مغذيّ سريع تمهيداً لمحاولة اعطائه دم و لكن لم تكن لدينا ادوات تدقيق فصيلة الدم، و بدأت بتنظيف الجروح في الظهر بتأني و أُخرج ما امكن من الشظايا المحيطة بالجرح الرئيسي، بعد تأكدي من خروج و دخول هواء قليل في جرح الاصابة، بقطنة طبية دقيقة . . ازدادت الضجة حول الطبابة من خارجها لمجئ مفرزة لإستقبال الجريح، وسط احاديث عن كونه من الكوادر العسكرية المتقدمة للكوملة او من قيادييها، في وقت بدأ فيه الظلام يسدل استاره و لم تكن لدينا اضاءة سوى فانوس و لالة اضافة الى مصابيح اليد التي حملها المساعدون : د. رنجبه ر ، د. رشيد، حمه رشيد . . (يتبع)
7 / 4 / 2019 ، مهند البراك