نستعرض في هذا المقال خمسة معتقدات تحرم الانسان من السعادة، إن من أغرب الأمراض النفسية التي عرفها العالم “متلازمة الزجاج” أو “وهم الزجاج”. وقد انتشر بشدة بين مُختلف طبقات شعوب وسط أوروبا في منتصف القرن السابع عشر. وكان أشهر مَن أصيب بهذا المرض الملك شارل السادس، ملك فرنسا. ويشعر المصاب بهذه “الحالة” بأنَّه “زجاجيّ” وبأن أدنى احتكاك جسديّ مع الآخرين أو تعامُل معهم سيؤدي إلى “تكسّره” وتَفتتّه إلى شظايا.
وقد ساق “جمال النشار” هذا المثال في مقدّمة مقال له ليُظهر أنّ بعض المعتقدات التي يتأثر بها الإنسان قد “تسجُنه” في دائرة مغلقة من المُحرّمات التي تُغيّر نمط حياته، مثل ما وقع للمصابين بـ”متلازمة الزجاج”، الذين قضوا معظم أيام حياتهم “معزولين” عن الناس. ويمثّل “وهم الزجاج” نموذجا لمعتقدات قد تدمّر حياة الشخص بالكامل وتحرمه من التمتع بالسعادة التي يسعى البشر إلى إدراكها في حياتهم. وهذه 5 من هذه المُعتقدات:
الخوف من رفض الآخرين
قالت إحدى أهمّ مدربات التطوير المهني والذاتي في العالم، وهي سيدة من سنغافورة تسمى سيلستين شوا: “حاولت كثيرا، في أول حياتي المهنية، أن آخذ فرصتي لأعرض قُدُراتي ومهاراتي على الشّركات لأحظى بنيل الوظيفة التي أحلم بها، ولطالما كانوا يتنصّلون من إزعاجي -بالنسبة إليهم- وذلك من خلال طلب سيرتي الذاتية بالبريد الالكتروني، وفي دواخلي كنت أعرف أنهم يريدون التخلُّص فقط مني. ورغم شعوري برفضهم لم أياس أبداً ومحاولاتي لم تتوقف وحظيت بأهم وظيفة في حياتي بعقد عمل لمدة عامين مُدرّبةَ تنمية وتطوير في أهمّ شركة في بلادي”.
يُستنتج من تصريح سيلستين شوا أن شعور الخوف والرهبة من الرفض أمر طبيعي، بل إن الرفض نفسَه شيء طبيعي وجزء مهم من مشوار الحياة. فكلما تشَبّث الواحد منا بخوفه من الرفض، تراجعَ في مسيرتك. فواجهِ الرفض إذن وواصل سيرك وتعامل مع الأمور على أنها غير أكيدة وبحكمة مع عدم اليقين.
حرمان النفس من الحب مخافة التألّم
في العادة، تسكن هذه الفكرة العقل الباطن لمعظم الناس. وينأى هؤلاء بأنفسهم عن أي علاقات خشيةَ ألَّا يُقدّر الآخرون مشاعرهم أو يقابلوا حُبّهم بما قد يُسبّب لهم صدمة عاطفية. في المقابل، ورغم أنهم قد يربطون علاقات محدودة ومتحفظة، فإن آخرين يظلّون مُنغلقين عاطفياً مخافة أن يتألموا بعد ذلك. وإذا كان الحذر ضروريا في مثل هذه العلاقات، فإن خوف الشّخص من الآلام التي قد يسببها له الفشل العاطفي يمنعه من أن يبحث عن حبيب صادق أو شريك مُحبّ.
ولعلّ أهمّ ما يغفله من يسكنه هذا الخوف أن الألم العاطفي لا مفرّ منه. وبدونه لن يتعلم كيف يتجاوز مِحنته ويصير أقوى مما إذا ظل متقوقعاً على ذاته، خائفا من السّعي إلى إيجاد شريك يبادله مشاعر صادقة.
التوجّس من الانتقادات
حين ظهرت المذيعة التلفزيونية الأمريكية “السوداء” أوبرا وينفري لأول مرّة، سارع ملايين “العنصريين” إلى مهاجمتها وانتقاد “جرأتها”. فقد وُصفت بأنها “بدينة وعنصرية وأن الإعلام ليس المهنة المناسبة لها”. غير أنها لم تهتمّ بهذه الانتقادات وواصلت مسيرتها الناجحة التي امتدّت أزيد من ثلاثين سنة.
ما يجب أن نستخلصه من نموذج وينفري أن الإنسان حين يصرّ على جعل الآخرين المعيارَ والحَكَم لطريقة تعامُله ولأسلوبه في الحياة فإنه يبني لنفسه سجناً اسمُه الآخر.
وهناك الكثير من الأمثلة التي يمكن إيرادها في هذا الصدد لشخصيات معروفة تعرّضتْ للانتقاد إما بسبب آرائها السياسية ولون بشرتها أو حتى دينها، ولكنها ضربت كل ذلك عرض الحائط ووصلت طريقها إلى أن بلغت قمّة نجاحها وحقّقت سعادتها.
حاول، إذن، بدل أن تنشغل بالتوجّس من حُكم الآخرين عليك، أن تُقنع نفسك بأن مهمّتك في الحياة ليست هي إرضاء أي كان.
التوقف عن ملاحقة النجاح خوفاً من الفشل
هل سَأُخفق وأفشل؟ كيف ستكون حياتي لو فشلت؟ هل سيعتبرني الآخرون شخصًا فاشلًا؟ أسئلة ومخاوف، ضمن أخرى، تشغل بالك على الدوام، لكنها أسئلة طبيعية، بل تمثل الحافز الأساسي لأي شخص يطمح إلى تحقيق إنجاز ما.
كل ما عليك من أجل بداية موفقة هو تتأكد من أن لديك خطة وأن تعرف الخطوات التي عليك اتباعها وتتخذ احتياطاتك لمواجَهة أي عقبات محتمَلة. في مرحلة لاحقة، يمكنك أن تتساءل عن ماهية الفشل، فهل يعني الفشل في مشروع تجاري، على سبيل المثال، أنك لم تحقّق منه ربحا؟ وإذا كنتَ موظفا، هل الفشل في المسيرة المهنية هو أن تعجز عن الترقي في السلم الوظيفي؟ وهل ما يدلّ على ذلك في تأليف كتاب هو أنّ مبيعاته قد كسدتْ؟ فالجواب عن كل هذه الأسئلة هو “لا”. فإنجاز أي خطوة مستقل عن غيرها. فخسارة فرصة للترقية، مثلا، تُكسبك مزيداً من التجربة والخبرة في المجال، نشر رواية أو كتاب يعدّ نجاحا جُزئيا في انتظار الانتشار الجماهيري كمرحلة لاحقة.
نستشفّ من هذه الأمثلة أن “الفشل” يبقى نسبيا، وما قد تحكم على نفسك مسبقا بأنّك قد فشلت فيه ربّما كان في الحقيقة مقدّمة لنجاح قريب. فتجنّب الأحكام المسبقة على نفسك بالفشل، إذن، وتقدّم في طريقة خطوةً بعد خطوة. أقنعْ نفسك بأن كل خطوة خطوتها في دربك هي نجاح وأنّ كل عقبة واجهتها ليست فشلا.
فقدان الثقة في الآخرين خوفا من الخيانة
طبيعيّ، وأنت تُعامل الآخرين بأقصى درجات الحذر والاحتياط وتحاول ألا تثق فيهم ثقة تامة، أن تنبني بينك وبينهم أسوار خفية. في المقابل، إذا تدرّجتَ في وضع ثقتك في الآخرين فستضعهم أمام مسؤوليتهم تجاهك، وإن بدأتَ تكسب ثقتهم فقد دخلت مرحلة تحديد مدى جدارتهم بثقتك وتمييز ما يناسبك من الناس.
أكيد أن خيانة أحدهم ثقتك أمر سيّء، لكنْ من الآخر وليس منك أنت. فبدل أن تخاف خيانة مَن حولك ثقتك، فكّرْ في الجانب الإيجابي للمسألة: إلى أن يثبت العكس، كل الأشخاص جديرون بثقتك. وحتى إذا ثَبت ذلك فإن من خان ثقتك هو الشخص السيء وليس أنت.