لم تكن خطوة رئيس الحكومة العراقية السابق حيدر العبادي، الانسحاب من المناصب القيادية في حزب “الدعوة” جديدة بالنسبة إلى الشارع العراقي، إذ سبق وأعلن انسحابه من الترشيح لولاية ثانية لرئاسة الوزراء قبل قرابة عام من الآن، لكن المفاجأة كانت في بقائه ضمن تشكيلة الحزب، وعدم انشقاقه لتشكيل حزب جديد، مثلما فعل سلفه ابراهيم الجعفري في العام 2006، بعد اختيار نوري المالكي أميناً عاماً لحزب “الدعوة”، وشكل الجعفري حينها “تيار الإصلاح” ثم انشق المالكي لاحقاً ورشح في قائمة مستقلة عن الحزب في العام 2018.
رسالة استقالة
قال العبادي في رسالة من سبع نقاط، تلقتها وسائل الإعلام المحلية في وقت متأخر من ليل الخميس 30 مايو (أيار) 2019، إنه “تخلى عن مناصبه القيادية كافة في حزب الدعوة، وسيبقى كداعية للحزب”، متخلياً بذلك عن التنافس الذي سيشهده الحزب على منصب الأمين العام في مؤتمره العام المقرر انعقاده قبل نهاية العام 2019.
وطالب العبادي حزب “الدعوة” بالمراجعة والتجديد وإدخال الشباب إلى صفوفه. وجاء في الرسالة ما يلي “إنني أدعو الى المراجعة النقدية والتجديد بالخطاب والهيكلة، وإلى الحيوية بالمبادرات المناسبة والتحولات في بلدنا، وأدعو كذلك إلى المواصلة بإرادة جماعية متناغمة، وإلى ضخ دماء جديدة في كل مفاصل الدعوة وبالذات القيادية منها”.
وأكمل العبادي رسالته بالقول “أعلن تنازلي وانسحابي من جميع المواقع القيادية في الحزب وبقائي داعية وجندياً لخدمة المسيرة، وأدعو إلى تجديد الأطُر القيادية وإعادة الهيكلة، بما يناسب التجربة المنصرمة والتطلعات إلى المستقبل”.
استقالة العبادي جاءت عشية انطلاق مؤتمر لحزب “الدعوة”، ضم معظم القيادات المخضرمة فيه. ويبدو من النقاط التي وردت في رسالته أنه غير راض عن الصراعات القائمة بين قيادات الحزب، الذي شهد انشقاقات عدة طوال مسيرته خارج البلاد وداخلها.
العبادي رئيساً للحكومة
تولّى العبادي رئاسة الحكومة العراقية التي تشكلت في العام 2014 بعد ولادة عسيرة بسبب تمسك رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بالمنصب، ورغبته في الحصول على ولاية ثالثة، فضلاً عن عدم توافق الكتل البرلمانية حول المرشح الذي يتولى رئاسة الوزراء خلفاً للمالكي.
وحظي العبادي منذ توليه الحكومة بدعم التيار الصدري، وحصل لاحقاً على دعم مفتوح من المرجعية الشيعية في النجف، المتمثلة بالسيد علي السيستاني، وتفويض من الشارع العراقي في العام 2015، حينما أعلن الحرب على الفساد وخطته للإصلاح السياسي.
لكن، وعلى المستوى السياسي، أثبتت تجربة الحكم في العراق بعد العام 2003 أن القرارات المصيرية التي تخص العراقيين لن تُقر ويُكتب لها التطبيق، من دون اتفاق القوى الشيعية والسنية والكردية كافة، طبقاً لفلسفة الحكم القائمة على الإجماع الثلاثي والإصلاحات، وهي من أهم القرارات السياسية التي لم تُستشر الأحزاب والكتل السياسية فيها، بل تحرك العبادي خلالها منفرداً، ما أجهض خطته الإصلاحية قبل أن تحقق نتائجها، ووُصفت حينها بـ “الإصلاحات الكارتونية”.
وبعد إعلان الحرب على داعش، حظي العبادي بتأييد كبير من الشارع العراقي، حتى إن حظوظه في الحصول على ولاية ثانية كانت كبيرة بعد تحرير الموصل، لكن الخشية من تكرار التمسك بالحكم والاستقلالية التي أظهرها العبادي في إدارة شؤون الدولة، قياساً بالمالكي الذي كان منحازاً لإيران ويحظى بتأييدها، جعل التوافق على اختياره لولاية ثالثة أكثر صعوبة، لا سيما من قبل التيار المقرب من طهران.
ومثلما أعلن العبادي أمس الأربعاء 30 مايو، تخليه عن مناصبه القيادية في حزب “الدعوة”، أعلن قبل قرابة عام من الآن انسحابه من الترشيح لولاية ثانية، وخرج بهدوء من المنصب بخلاف سلفَيْه في حزب “الدعوة”، نوري المالكي وابراهيم الجعفري.
الصراع مع المالكي
عندما كان نوري المالكي رئيساً للحكومة، كان العبادي من الأشخاص المقربين له وعمل مستشاراً له لسنوات، لكن العلاقة الطيبة التي جمعت الرجلين بدأت تتغير ملامحها مع رفض البرلمان المنتخب في العام 2014، منح المالكي ولاية ثالثة. حينها سرت شائعات تداولها صحافيون ونشطاء سياسيون على “فايسبوك”، تشير إلى أن المالكي عقد اتفاقاً سرياً سمح من خلاله بدخول داعش إلى المناطق السنية، التي احتجّت ضده في منصات الاعتصام لسنوات، لقناعته بأنه لن يتمكن من الحصول على ولاية ثالثة.
وبعد مداولات ومفاوضات شاقة، رُشّح العبادي لرئاسة الحكومة، ومنذ تلك اللحظة أخذت العلاقة بين الرجلين تتراجع حتى وصلت إلى مرحلة الصراع الخفي، يغذّيها مؤيدو الطرفين والجيوش الإلكترونية التي تعمل لصالح كل منهما.
وطوال سنوات حكم العبادي كان موقع الـ”فايسبوك” العراقي زاخراً بالتعليقات الساخرة من علاقته بالمالكي، لا سيما بعد خطوته الأخيرة إعادة فرض سيطرة الحكومة المركزية على كركوك والمناطق المتنازع عليها، والتي اعتبرها المراقبون للشأن العراقي الداخلي أنها “غير متوقعة” وعززت من مكانته كرجل دولة، بعدما اتُهم بالضعف في إدارة الأمور وعدم الحزم قياساً بالمالكي.
وكانت الفيديوهات والصور الساخرة من العلاقة بين الاثنين تظهر مجدداً على الـ”فايسبوك” كلما استجدت أزمة سياسية أو أمنية في البلاد. ومع انتهاء مدة حكم العبادي وترشيح عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة الجديدة في العام 2018، توقفت ملامح ذلك الصراع على وسائل التواصل الاجتماعي.