لم يكن أمام رئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، كما يبدو بوضوح كبير، إلا تنفيذ أوامر صدرت له من ولي الفقيه الإيراني علي خامنئي وعبر وكيله خطيب جمعة طهران الذي قال بالحرف الواحد: “اقتلوا عملاء أميركا المتظاهرين العراقيين!!!”، معبراً بذلك عن سياسة الدولة الإيرانية التي تعتبر العراق شبه مستعمرة لها وجزءاً من مجالها الحيوي ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط وخليج البصرة. فهل إن متظاهري العراق عملاءٌ للولايات المتحدة الأمريكية؟ بهذه الوقاحة تحدث خطيب جمعة طهران إزاء شعب العراق، إزاء المتظاهرين الأبطال، إزاء من لا يريدون خضوع العراق لقرارات وسياسات إيران العدوانية في المنطقة. هذه الجماهير الشبابية المحتشدة في شوارع وساحات العاصمة بغداد والكثير من مدن الوسط والجنوب، هذه الجماهير الشعبية التي تطالب بالخبز والعمل، بالكفاح ضد الفساد والطائفية والمحاصصة المذلتين، هؤلاء الذين هبوا دفاعاً عن حياتهم وعيشهم الكريم، ورفضوا الذل والهوان والبؤس والفاقة والحرمان، هؤلاء الذين رفضوا المعممين المخادعين والأفندية الذين ارتدوا لبوس الدين ونهبوا البلاد وسبوا العباد، هؤلاء الذين تعرضوا للسبي والاغتصاب والقتل، هؤلاء من النساء والرجال الذين تظاهروا وملأوا الشوارع وارتفعت أصواتهم إلى عنان السماء مطالبين بإسقاط النظام الطائفي الفاسد والمتوحش، هل هؤلاء جميعاً هم عملاء لأمريكا؟ هكذا يفكر من يهيمن على سياسة غالبية الإسلاميين السياسيين المشاركين في الأحزاب الإسلامية السياسية.
بهذه الصورة الوحشية ونتيجة لهذه الفتوى القذرة والأوامر الوقحة تصرف وأمر رئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي المنتفجي قبل خطبته الأخيرة وبعد خطبته “الملكية غير السامية” أيضاً، فارتفع عدد القتلى بعد الخطبة ليصل إلى أكثر من مئة شهيد وأكثر من 4000 جريح ومعوق في العاصمة بغداد وذي قار وغيرها من مدن العراق. لقد صدرت الأوامر إلى الحرس الثوري أي الحشد الشعبي، وتلك القوى من الأمن والشرطة المرتبطة بفتوى ولي الفقيه لتمارس و”تبدع” في القتل عبر القناصة الذين اعتلوا سطوح بعض البنايات أو ارتدوا الأقنعة وقتلوا المتظاهرين الأبرياء أو صوبوا نيران بنادقهم لأولك الأشخاص من رجال الأمن والشرطة الذين لم يستخدموا سلاحهم الناري في قتل المتظاهرين.
يا قادة إيران ويا ساسة العراق التابعين لهم لن تموت الانتفاضة التي حمل رايتها شبيبة العراق من الذكور والإناث، والتي تردد بوضوح كامل “باسم الدين باگونه الحراميه”، و”الشعب يريد إسقاط النظام”، و”العراق خيارنا” وليس إيران أو أمريكا، كما يتمناها البعض بل سيشتد ساعد المتظاهرين بالمزيد من الكادحين والفقراء والمعوزين، بالمثقفين وحملة الشهادات العالية والطلبة والحرفيين والكسبة، بل الطبقة الوسطى أيضاً التي حرمت من التصنيع واستثمار رؤوس أموالها الوطنية النظيفة وليس المنهوبة عبر الفئة الطفيلية الفاسدة والحاكمة وحواشيها في الأحزاب الإسلامية السياسية. لن تموت الانتفاضة وهي بيد الشبيبة الحرة والمناضلة في سبيل عراق ديمقراطي حر ومستقل. فالمنتفضون يعلنون جهارا نهارا أنهم مستقلون يعملون على وفق إرادتهم الحرة وليس لأي حزب سياسي أو جهة سياسية داخلية أو خارجية تأثير عليهم. إنها الانتفاضة الشعبية العفوية التي يتبلور فيها الوعي التراكمي لما واجه ويواجه العراق من مشكلات ومصاعب وتعقيدات سبَّبها الحكام الحاليون الذين لا تعرف عقولهم النتنة غير النهب والقتل لمن يقف ضد نهبهم وسيطرتهم على حكم البلاد.
في اليوم الخامس وأيضاً وبلا ذمة أو ضمير أو حياء جه رئيس الوزراء العراقي نيران غضبه عبر أجهزة الأمن والشرطة والحشد الشعبي ضد المتظاهرين السلميين أمام مبنى وزارة النفط ليقتل من جديد خمسة شهداء وجرح وتعويق العشرات. إنها جرائم متلاحقة ترتكب في خمسة أيام، رغم وعوده بخطبته البائسة بأن سوف يرفض استخدام الرصاص الحيّ!!
أي رئيس وزراء وقائد عام للقوات المسلحة يحترم نفسه وشعبه كان قد قدم استقالته مباشرة، ولكن هل لمثل هذا الرجل حياء! هل الحياء “سطلة أم قطرة”! وكذلك الوزراء الذين يعتبرون أنفسهم مستقلين كان عليهم الاستقالة لأنهم يتحملون مسؤولية القتلى والجرحى في الأحداث الجارية! كل الدلائل تشير إلى إن عادل عبد المهدي سيغوص في مستنقع خيانة القَسَم الذي قدمه أمام مجلس النواب في احترام إرادة الشعب ومصالحه، فهل من مصلحة الشعب وإرادته قتل ما يزيد عن 100 شهيد وأكثر من 4000 جريح ومعوق؟ وربما الحبل على الجرار!!! وهذا يشم الوزراء ومجلس النواب ورئيس الجمهورية أيضاً.
إن المطالب المركزية للجماهير الواسعة المنتفضة تتلخص في التغيير الجذري للنظام الطائفي المحاصصي الفاسد عبر تشكيل حكومة مستقلة تماماً عن الأحزاب الحاكمة وتلك المساهمة في العملية السياسية الفاشلة والبائسة والساكتة عن الجرائم التي ترتكب في العراق، وحل مجلس النواب الطائفي الفاسد القائم، وتغيير قانون الانتخابات وإجراء تغيير في الدستور العراقي لصالح دستور ديمقراطي حديث لإقامة الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي وتنتهج سياسة مستقلة وتمارس التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لصالح المجتمع والتقدم الاجتماعي، تغيير المفوضية المستقلة للانتخابات وأسس عملها وبإشراف من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني المستقلة. لن تموت انتفاضة حتى لو استطعتم إخمادها مؤقتاً فستنفجر أشد وأعلى مما تتصورون.