اهداء خاص الى مجلة بيرموس
في ربيع عام 1982 .. كنا بين بساتين تفاح قرية باي باك القريبة من سوار و سبندار.. حينما انطلقت احتجاجات طلبة الجامعات والكليات والمدارس في عدة مدن كردية.. وكان الحدث يتزامن مع حركة السرية المستقلة.. في مناطق تشمل سهل نينوى واطراف دهوك..
سمعنا بالأحداث من خلال نشرات الأخبار .. اما التفاصيل فكان الناس يتناقلونها وتصل الينا ساعة بعد أخرى.. بحكم العلاقة بين الريف والمدينة.. وكانت دهوك اقرب محافظة عن موقع تواجدنا.. حيث لا تتعدى المسافة الاربعين كيلومترا.. يمكن قطعها من قبلنا خلال يومين وتحمل المزيد من التعب في مثل هكذا اجواء ثورية ..
وفي الحال عقدنا اجتماعا للجنة الحزبية لتدارس مستجدات الأحداث وتحديد الموقف لكي نقرر ما يمكن فعله لدعم انتفاضة الطلبة بكافة الوسائل.. خاصة وان العديد من رفاقنا في التنظيم المحلي او المدني .. كانوا من المساهمين في هذه الانتفاضة ..ومسؤوليتنا تتطلب المشاركة والدعم بلا تأخير..
كانت اللجنة الحزبية مكونة من عدة كوادر.. يقودها ابو امجد ـ سلام القوش المستشار السياسي او السكرتير كما يعرف .. وجرى التركيز على ما يمكن فعله في هذه اللحظات الحاسمة ..
اقترح بعضنا التقرب من المدن والانتظار .. انتظار نتائج الانتفاضة واستغلالها لتطوير العمل العسكري المناهض للنظام لاحقاً ..
وقدمت مقترحات تخص دعم العمل التنظيمي والاتصال بالمنظمات المدنية.. للتحرك والمشاركة الواسعة في هذا النشاط وقيادته ..
وايضا كان هناك من يرى ان هذه الاحداث عفوية وسريعة التطور.. لا يمكن اللحاق بها.. وان النظام سيقمعها ..ولن يدعها تتطور وتتوسع..
هكذا كانت النقاشات ..كنت حينها اسجل المحضر و اتهيأ للحديث لطرح رأي ..الذي يدعو للتقرب من مدينة دهوك.. وتنفيذ عمليات انصارية تستهدف رموز السلطة واجهزة القمع.. وكان بيت المحافظ في اوليات الاهداف التي فكرت بها مع نفسي دون ان اطرحها في الاجتماع.. حيث كنا قد استطلعناه من خلال النصير هفال من دهوك.. الذي كان شرطياً تابعاً لوزارة الداخلية.. والتحق بنا قبل فترة.. وسبق وان طرح الهدف وتعهد بإمكانية تنفيذه بسهولة بحكم معرفته بالمعابر الممكن التسلل منها للمدينة من الجهة الجنوبية الشرقية المواجهة لقرية شاريا..
ولم يبقى امامي الا ابو دجلة من الحلة.. الذي كنا نسميه ابو الدجل.. وكنت اصنفه باليميني في قياسات ذلك الزمن.. ولا اطيق سماع آرائه المائعة.. التي لا تتفق مع قيم الثوار ومفاهيم الكفاح المسلح واستغرب من وجوده في صفوفنا.. لانه كان يميل لتسويف الأمور.. ولم التمس منه يوماً رأياً جاداً بالإضافة الى نفاقه.. وجملة تصرفات كانت تبعد بيننا .. لكنني والحق يقال لم اشك به واعتبرته نصيرا سطحياً اجبرته الظروف على التواجد في صفوف الانصار رغما عنه .. و اتحاشاه قدر الامكان كي لا اصطدم به.. بالرغم من ان وجوده معنا اصبح يستفزني ..
على كل حال لا اريد ان اطيل.. سأعود لأجواء ذلك الاجتماع الخاص بانتفاضة الطلبة في ربيع عام 1982 ..
حينما جاء دوره للحديث ليبدي رأيه.. بعد اكثر من 7 أنصار تناوبوا الحديث ولم يبقى الا انا و أبو الدجل .. بدأ بتقديم مقترحاته لدعم الانتفاضة بادياً بالاقتراح بجمع نفاخات ( بالونات اطفال ) ونفخها وكتابة شعرات عليها و تتطيرها ـ اي اطلاقها ـ لتتجاوز مسافة الاربعين كيلومترا و تذهب الى دهوك لتصل الى الجمهور المنتفض.. كي يتعرف المنتفضون على موقف الحزب الداعم للانتفاضة ..
كنت أتأمل أن يجفص ابو الدجل ويعرض ترهات افكاره كما تعودنا عليه في كل مرة .. لكن ان يقترح جلب نفاخات أو “بالونات ثورية” لاستخدامها بدل السلاح.. الذي بحوزتنا في ذلك الوقت العصيب جعلني اتوقف والجأ لأقذع العبارات الساخرة في تعقيب اختلط مع طرح رأيي..
قلت هناك الكثير الذي يمكن ان نفعله.. ابتداء من التوجه فورا نحو مدينة دهوك.. واختيار اهداف لدكها بقوة.. بما نمتلكه من سلاح وذخيرة.. وبالتأكيد ستساهم هذه العمليات برفع معنويات المنتفضين وتساعدهم على مواجهة سلطة الاستبداد البعثية ..
لكن اجد الأهم من كل هذ..ا تنفيذ خطة ابو الدجل في اطلاق البالونات فوراً .. واندرت عليه مستفسراً.. ـ ولك اين هي البالونات؟ .
ومن اين نجيبها ؟..
كيف سنضمن وصولها الى دهوك؟..
هل نركب على كل نفاخة سكان ونخصص لها نصير ؟..
يمكن ابو الدجل لديه خبرة ومعلومة افضل من عندنا.. باعتباره تواجد فترة خارج العراق وشاهد نفاخات يمكن تركيب اربي جي عليها .. هكذا بدأت اوجه سخريتي نحوه .. ولا اذكر كيف انتهى الاجتماع بعد هذه السنين ..
للأسف كان يتواجد بيننا ـ على قلتهم ـ امثال ابو الدجل.. ممن تتفتق “عبقريتهم” في المنعطفات الثورية عن مقترحات عجيبة غريبة.. كما هو الحال مع بالونات ابو الدجل في ايام انتفاضة الطلبة ..
يبقى ان اقول ..
كي لا تحتاروا.. كما احترنا نحن معه في ذلك الحين .. اكتشفنا بعد اعوام انه ..اي ابو الدجل.. لم يكن الا عميلا من عملاء النظام ..
ــــــــــــــــــ
صباح كنجي
6/10/2019
ـ مقتطف من حكايا الأنصار والجبل