الاعتداءات والتجاوزات العسكرية المسلحة وغير المسلحة على البلدان الأخرى يعتبر خرقاً للقوانين الدولية وخرقاً لميثاق الأمم المتحدة وخرقاً للوائح حقوق الإنسان وخرقاً لمبدأ حسن الجوار والصداقة بين الشعوب وهناك عقوبات جمة تلاحق الذين يقومون بخرق القانون الدولي أو القوانين المرعية في هذا الجانب، وخير مثال ما لحق بالعراق أثناء الحكم الصدامي التسلطي من عقوبات وحصار اقتصادي وبالتالي احتلاله وإسقاط النظام .
اليوم يعيد التاريخ نفسه ولكن بشكل آخر وبآليات وأدوات لا تختلف عن السابق إلا بالشكل والطريقة والأسلوب، ونلاحظ بعد فترة قصيرة تتكرر الاعتداءات الإيرانية المسلحة على إقليم كردستان العراق بدون ردع دبلوماسي حقيقي ولا أي موقف واضح من جانب الحكومات العراقية وآخرها الحكومة الحالية ورئيسها حيدر العبادي، وبقت البعض من الاعتراضات من قبل حكومة الإقليم عبارة عن النفخ في قربة مثقوبة، لان المفروض بالحكومة الاتحادية التي تطالب أن يكون صوتها الوحيد في المحافل الدولية أن تنبري بقوة لأي اعتداء خارجي أن كان إيراني أو تركي أو من قبل أي دولة كانت وتقف موقفاً واضحاً منه وليس الكيل بمكيالين مثلما يحدث في الموقف الصارم من تركيا والمطالبة القوية بسحب القوات العسكرية التركية من الأراضي العراقية، بينما تقف بشكل لا مبالي بما تقترفه قوات الحرس الثوري الإيراني من اعتداءات متكررة والتوغل في الأراضي العراقية، وهذا الموقف المتراخي من إيران يجعل الشعب العراقي يدرك مدى التناغم ما بين البعض من قوى وأحزاب دينية سياسية عراقية في قمة السلطة وبين إيران لأسباب طائفية التي تم تغليبها على الوطنية مما أدى إلى إلحاق الأضرار بمصالح العراق.
إن التدخل في الشؤون الداخلية سياسة عدوانية تحمل بين طياتها استغلال العلاقات وتوجيهها لخدمة مصالح الدول التي تتدخل في شؤون البلدان الأخرى، وهذه الظاهرة معروفة وخضعت لسنوات طويلة إلى مبدأ القوة والاستغلال لدى الدول الكبيرة والقوية التي تستغل قوتها وبخاصة العسكرية فضلاً عن الإمكانيات الاقتصادية التي أصبحت بمثابة قوة فعالة في التأثير على الدول الضعيفة اقتصادياً، عندما كان العراق في وضعٍ شبه طبيعي كانت دول الجوار تخشى التدخل العلني وبشكل مباشر وهي ميزة نذكر فيها مبدأ التوافق بين النظام العراقي السابق وحكومات الجوار، وما معناه التوافق بين الطرفين على قضية التدخل وبخاصة ملاحقة المعارضة في كِلا البلدين أو ما يخدم الطرفين، وخير ظاهرة تلك الاتفاقية التي حدثت بين الحكومة العراقية وتركيا بوجود قاعدة عسكرية تركية لملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني ( PPK ) والقاعدة العسكرية التركية موجودة لحد اللحظة ” والحمد لله!!” إضافة إلى قواعد أخرى معروفة بحجة الحرب ضد داعش الإرهاب أيضاً، إلا أن المشكلة الأخرى هي في التدخل الإيراني المكشوف وغير المكشوف وسكوت الحكومات العراقية المتعاقبة عن التدخل المذكور بعد السقوط واحتلال العراق في عام 2003 .
لسنا متسرعين في الاتهام أو كشف هذه الحقيقة لأنها وثقت من أكثر من مصدر حكومي وغير حكومي، إعلامي وغير ” هلامي ” وهي محط إدانة واسعة من قبل ملايين العراقيين والعالم حيث تطالب في كل لحظة الكف عن التدخل واحترام حسن الجوار، إلا أن المشكلة أيضاً وهي الأكبر إن البعض من القوى والأطراف السياسية والدينية وبخاصة الشيعية تعتبر هذا التدخل دعماً لها وللعلاقات مع الجارة إيران! مما يسهل توجيه أصابع الاتهام لهذه القوى بأنها إيرانية أكثر من إيران نفسها، وان مصلحة العراق ما هي إلا ورقة يجري التلاعب بها لذر الرماد في العيون، فالنظام الإيراني لا يتأخر يوماً في الاعتداء أو قصف المناطق في الإقليم تحت طائلة المعارضة الكردية الإيرانية المسلحة، وهذا القصف يشمل القرى والمزارع والحقول مما يترتب على نتائجه الكارثية الكثير من المآسي والأضرار البشرية والمادية، وفي كل مرة تهدد إيران وتتوعد بالقيام بضربات صاروخية أو القصف المدفعي إذا لم تسلم السلطات العراقية ( وهذا مجرد دعاية إعلامية لأنها تعرف أن السلطات العراقية لن تجرؤ على إيواء أي معارض لإيران ومثال مجاهدي خلق أفضل مثال ) والتهديد يشمل بالضبط السلطات في إقليم كردستان ليس إلا، أما وضع اسم السلطات العراقية جزء من تصريح رئيس أركان الجيش الإيراني محمد حسن باقري فهو التلاعب بالألفاظ لكي يقال بحيادية الموقف الإيراني المعلن في التهديد لان رئيس أركان الجيش الإيراني باقري هدد بان العراق يجب أن يسلم لإيران عناصر كردية معارضة تقوم بهجمات على حرس الحدود الإيراني وكأن إيران وحدها في العالم لا تخرق حدودها إلا من الجانب العراقي ، ثم يضيف محمد حسن باقري ” أن بلاده قد تنفذ ضربة صاروخية جديدة حال عدم توقف نشاط الجماعات الكردية، لأن ذلك أمر ضروري لضمان أمنها ” وقد سبق هذا التصريح تنفيذ إيران ضربة صاروخية على الأراضي العراقية استهدفت مواقع في مدينة كويسنجق بمحافظة اربيل وهو ما أدى إلى مقتل ( 11 شخص وإصابة 30 آخرين ) وبدون إي احترام لقيمة الإنسان البريء المسالم ولحسن الجوار والصداقة، وكما يسمى من قبل الجانب الإيراني ” العلاقات التاريخية والدينية ” وأكد باقري أن الحرس الثوري الإيراني وراء القصف الذي طال مدينة كويسنجق وضواحيها ولم يكن رد الحكومة العراقية بالشافي إلا همس خجل من قبل وصف الخارجية العراقي للضربة الصاروخية ” بالهجوم غير المقبول على الأراضي العراقية وانه نفذ بدون ” تنسيق مع بغداد ” وكأن وزارة الخارجية العراقية تريد أن ينسق معها في المستقبل الحرس الثوري في الهجوم والقصف الصاروخي على الأراضي العراقية كي تعده مقبولا من قبلها ــــ أليس هذه مهزلة المهازل؟! ولم تكتف إيران بالضربة الصاروخية فقد أكدت مصادر في وزارة البيشمركة ومصادر محلية يوم الثلاثاء 11 / 9 / 2018 “عن توغل الجيش الإيراني بمسافة تبلغ نحو 20 كلم داخل الأراضي العراقية في إقليم كردستان العراق، واستقرار هذا الجيش المعتدي مساء أمس في قمة جبل سورين شمال محافظة السليمانية”
ومن خلال الأخبار لم يتصدى لهذه العملية الوحشية ولا احتلال للأراضي في الإقليم العراقي أي قوة عسكرية لا من قوات الجيش ولا البيشمركة ولا الحشد الشعبي بل رافق هذه الاعتداءات غضب جماهيري وشعبي واستنكارات واسعة من قبل أكثرية الشعب العراقي والعالم لاحتلال أراضي عراقية من قبل القوات الإيرانية التي لم تحترم الحدود المشتركة ولا العلاقات التاريخية ولا حكومة الإقليم ولا حتى الحكومة المركزية على الرغم من هذه القوات وحسب مصادر موثقة تشير بكل وضوح ” إن “قطعات عسكرية إيرانية توغلت داخل قرى وبلدات عراقية بإقليم كردستان العراق، تحت حجة ملاحقة المعارضة الكردية الإيرانية المسلحة، والتي توجد داخل مناطق عراقية حدودية مع إيران ” مما أدى إلى نزوح عددا من القرويين مصطحبين ماشيتهم والبعض من الأمتعة البسيطة خوفاً من القوات الإيرانية المعتدية، وصرح احد القرويين ويدعى “طه ريبواري ” ل ( للعربي الجديد ) ” إن الإيرانيين “استقدموا معهم عملاء ومخبرين سريين إلى المنطقة، وانتشروا في كل مكان، وهناك عربات عسكرية تجوب مرتفعات جبل سورين ومناطق قريبة منه” فضلاً عن أن الإيرانيين نصبوا منصة صواريخ ومدفعية في ” أعلى الجبل ” وعلى ما يظهر أنها استقرت هناك بشكل دائم بدون إي تحرك من قبل الحكومة المركزية ولا القوات المسلحة بكل أنواعها وهي من المفروض أن تكون حامية للوطن وللشعب العراقي اجمع.
أمام هذا الصمت من قبل الحكومة العراقية نلاحظ استنكارات واسعة من قبل المجتمع الدولي بينما ينبري السيد وزير الخارجية إبراهيم الجعفري لفضح التجاوزات “تجاوزات تركيا على الأراضي العراقية” وبدورنا نتفق مع ما قاله وزير الخارجية لكن في الوقت نفسه نسأله ــــ لماذا لا يذكر حرف واحد عن ما جرى في عدة مناطق في الإقليم من تجاوزات إيرانية؟ فهل يرى أن “واوي حلال وواوي حرام” وهو أمر يثير الاستغراب حيث يقول وزير الخارجية في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ونحن معه ” رفض بلاده قيام الجيش التركي بعمليات عسكرية على أراضيه، داعيا إلى ضرورة احترام سيادة العراق على كافة أراضيه” أما التجاوزات الإيرانية فهي ليس بالتجاوزات وهي تحترم سيادة العراق!! فهو يسكت عنها والسبب يبطل العجب!!
إننا في الوقت الذي نستنكر وندين تواجد القوات التركية وبالضد من القاعدة العسكرية التركية على الأراضي العراقية بحجة محاربة المعارضة وحزب العمال الكردستاني ( PPK ) ، كما نستنكر وندين التجاوزات والانتهاكات الإيرانية على الأراضي العراقية بحجة المعارضة الإيرانية، على دول الجوار وبخاصة تركيا وإيران وغيرهما احترام سيادة العراق وعدم الإساءة للشعب العراقي وهذه الإساءة مدانة في جميع الأعراف ويجب أن تقوم الحكومة المركزية بالوقوف ضدها ومفاتحة الجانب الإيراني وتذكيرهم بان الصداقة بين الشعبين العراقي والإيراني لن ترسخ أمام هذه التجاوزات بل ستخلق وضعاً مضطرباً إذا لم يعتمد مبدأ الاحترام المتبادل والصداقة الحقيقية واعتماد مبدأ الحوار لحل أي إشكال أو مشكلة عالقة بين الطرفين وعند ذلك سيدر على البلدين والشعبين فوائد جمة منها اقتصادية وسياسية وثقافية وغير ذلك..